طباعة هذه الصفحة

بمناسبــة اليـوم العالمــي للغـة العربيـة

البحث اللغوي مناهجه ومنهجيه محور يوم دراسي بجامعة ورقلة

ورقلة : إيمان كافي

نظم مخبر التراث اللغوي والأدبي في الجنوب الشرقي الجزائري أمس الاثنين بقاعة المناقشات بقسم اللغة والأدب العربي بجامعة قاصدي مرباح ورقلة وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية يوما دراسيا حول البحث اللغوي مناهجه ومنهجيته بحضور ثلة من أساتذة القسم وعدد من الطلبة في التخصص.
وقد اعتبر الدكتور عبد المجيد أستاذ اللسانيات والنحو العربي ومدير مخبر التراث اللغوي والأدبي في الجنوب الشرقي الجزائري أن تنظيم هذا اللقاء جاء احتفاء باليوم العالمي للغة الذي يصادف ١٨ ديسمبر من كل سنة وهو تاريخ أقرته الأمم المتحدة سنة 2012، علما بأنها قد جعلت لكل اللغات التي يتحدث بها في مقر المجلس يوما عالميا.
اليوم الدراسي الذي نظم بالمناسبة بمشاركة مجموعة من الأساتذة وطلبة الدكتوراه تطرق إلى مشكلة من المشاكل الأساسية التي يعاني منها الكثير من الطلبة والباحثين وهي تتعلق بمناهج البحث اللغوي ومنهجية البحث اللغوي، وهدف حسب ذات المتحدث التوضيح بدقة الفروقات بين مناهج بحث اللغة ومناهج البحث في الأدب بالإضافة إلى التقنيات البحثية  والمنهجية الصحيحة لأي بحث لغوي يبدأ بإشكالية معينة ويصل إلى نتائج محددة.
وذكر الدكتور عيساني أنه احتفاء بهذا اليوم تم اختيار هذا الموضوع الذي له صلة باللغة باعتبار أن كل اللغات في العالم تقوم على البحث إما في طرق نشرها أو طرق البحث فيها، حتى يضيفوا كل سنة إلى تلك اللغات شيئا ذا قيمة علمية، وسعيا لترقية اللغة العربية التي تعيش وضعا لا نحسد عليه حسبه، وذلك لأنها لا تنتشر في مساحات واسعة ولا تنتشر في المجالات الحيوية في المجتمع وهذا يتطلب جهدا كبيرا، ومن الجهود التي ينبغي علينا القيام بها هي أن نخطط لها بطرق معينة حتى نمكنها من أن أخذ حقها ونصيبها وأن تنتشر في مجالات أوسع.
فعاليات اللقاء شهدت مداخلات عديدة لأساتذة وباحثين في المجال على غرار مداخلة الأستاذ حكيم رحمون التي تطرق فيها إلى البحث العلمي بين الآليات الإجرائية والمستجدات المعرفية (دراسة في المنهج)، من خلال التركيز على أهمية المنهج في الدراسة العلمية وأوجه الاختلاف والتشابه بين المناهج اللغوية في الدراسات اللغوية والمناهج في الدراسات الأدبية، كما عرج على كيفية استجابة البحث العلمي للمستجدات المعرفية سواء على مستوى المناهج أو الآليات الإجرائية. وأكد الأستاذ رحمون أن تطور المنهج وإجراءاته يساهم بشكل كبير في تطور البحوث في اللغة العربية، موضحا أن تطور اللغة مرتبط بالبحث والاستعمال، هذا الأخير الذي يستدعي تضافر الجهود للمساهمة في تطوير اللغة العربية.
من جهتها الدكتورة خديجة عنيشل أستاذة في قسم اللغة والأدب العربي ركزت خلال مداخلتها حول منهجية البحث العلمي على كيفية إنجاز الطالب بحثا علميا خاليا من العيوب المنهجية والمعرفية بأمانة علمية وبالتمكن من معالجة المصادر والمراجع التي بين يديه من خلال تقديم بعض التقنيات والآليات لإنجاز البحوث الأكاديمية حتى يسهل على الطلبة تقديم أعمالهم العلمية وأطروحاتهم الجامعية وفق المنهج العلمي الذي يجعل البحث من ناحية منظما وسهل التصفح والإفادة وفي نفس الوقت يضمن للبحث الأكاديمي قيمته العلمية، مؤكدة على أهمية جمع المادة وتعدد القراءات بالنسبة للطلبة لبناء بنك من المعلومات وإثراء المعجم اللغوي لتوجه نحو تكوين الرأي.
وفي مداخلتها حول منهج تحليل الأخطاء أوضحت طالبة الدكتوراه هالة بوزيدي أن الحديث عن مناهج البحث المتعددة والمتشعبة أصبح يشغل الباحثين الأكاديميين على اختلاف اختصاصاتهم ومشاربهم كما أنه لا يخلو أي بحث من منهج يسير وفقه، مشيرة إلى أنه وفي إطار تخصص اللغة العربية فإن منهج تحليل الأخطاء يعد أحد المناهج التي تسعى إلى الحفاظ على اللغة وعلى نظامها ودراسة أخطاء المتعلمين في كتاباتهم وهذا بغية معالجة الأخطاء والوقاية منها، أما عائشة بن السايح وهي طالبة دكتوراه أيضا فقد ركزت على المنهج الوصفي البحوث اللغوية، وقدمت لويزة بن حمزة مداخلة حول التوثيق في البحوث اللغوية، فيما اهتمت خديجة أوليدي بتحليل المحتوى في البحوث اللغوية.
وقد عرف موضوع اللقاء الذي كان فرصة لإثارة العديد من المشاكل التي تعانيها بحوث اللغة العربية اليوم إثراء واهتماما كبيرا، توضح في العدد الكبير لتدخلات الحضور من أساتذة وباحثين ومهتمين باللغة ومناهجها، كما اعتبره الكثيرون ركيزة هامة لإعطاء اللغة العربية مساحتها وتطوير بحوثها واستعمالاتها.

أصداء في اليوم العالمي للغة العربية
اتفق عدد من أساتذة اللغة والأدب العربي الذين رصدنا رأيهم بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية في أن تطوير اللغة العربية يتطلب مجهودات ومساع كبيرة للنهوض بها والمضي بأبحاثها قدما حتى تصبح في مصاف اللغات العالمية، كما أجمعوا أنها لغة تمتلك كل المؤهلات القادرة على تأهيلها لتسترد مكانتها وتصبح قادرة على مواكبة التطور العلمي والرقمي كغيرها من اللغات الأخرى.
 الدكتور عبد المجيد عيساني: أوضح الدكتور عبد المجيد عيساني أن اللغة العربية حسب الإحصائيات الحديثة لسنة 2017 تحتل مرتبة متقدمة إلى حد بعيد، لأن بعد اللغة الإنجليزية التي تتراوح نسبتها من الانتشار في شبكة الأنترنت بين 25 و26 في المائة تأتي اللغة الصينية بنسبة 18 في المائة ثم مباشرة اللغة العربية بنسبة 6 في المائة، وهي تتفوق على اللغة الفرنسية، من جهة أخرى ومن ناحية البحوث العلمية يقول نفس المتحدث أنه حتى وإن كانت متأخرة إلا أنه في السنوات الأخيرة قد اتضح بأن هناك كثير من البحوث في اللغة العربية ليست فقط في البلدان العربية ولكن في بلدان أعجمية وأخرى إسلامية كما أن للمتبعين في الجامعات الأوروبية دراسات للغة العربية في فرنسا بجامعة السربون في بريطانيا في ألمانيا وفي تركيا.
واللغة العربية الآن أصبحت من المواد الأساسية التي تدرس في الإبتدائي وحتى الثانوي حسبه ولذلك هناك أقسام للغة العربية في الجامعات الأوروبية، كما أن عددا من الدراسات المستقبلية تنبؤ بأن لها –اللغة العربية- مستقبلا زاهرا، وكل هذا حسبه قائم على صلتها بانتشار الإسلام في بقاع العالم من جهة ومن جهة أخرى ما يقدمه الباحثون من مجهودات في هذا المجال.
وعرج الدكتور عبد المجيد عيساني في حديثه على المجهودات الرفيعة التي قدمتها اللغة العربية قديما والتي وبناء عليها يقتدي الباحثون الآن بما كتبه الأوائل ويسعون إلى تحسينه وتطويره بإنتاج معرفي باللغة العربية، مضيفا أنه لا يجب أن ننسى أن الكثير من المعارف العلمية كتبت باللغة العربية سواء كان في مجال الصوتيات بل حتى في مجال الطب والرياضيات والفيزياء كل هذا كتب بلسان عربي، كما أن هناك الكثير من الباحثين يحاولون التجديد لهذا اللسان مكانته من أجل تطوير اللغة العربية والدفع بها إلى مجالات أخرى علمية.
واختتم بأن أغلب البلاد العربية لا تقدم شيئا ذا قيمة كبيرة للغة العربية ولكن البحوث الشخصية والبحوث الفردية والمجهودات التي يقدمها الباحثون هي مجهودات كبيرة ومنتشرة في كل بلدان العالم وإن كانت لا تلقى اهتماما كبيرا، مشيرا إلى أن الاهتمام هو المفتاح الرئيسي لترقية اللغة ويتوضح ذلك في إرادة المسؤولين الذين من المهم أن يدركوا أن اللغة العربية هي جزء من عملية التنمية البشرية ولا يمكن إغفالها بأي حال من الأحوال.
@ الدكتورة خديجة عنيشل: ترى الدكتورة خديجة عنيشل أن أي لغة تتطور بالاستعمال وأنه طالما أننا لا نستعمل اللغة فهي في إنحدار، لذلك اليوم أمامنا تحد كبير وهو كيف نساهم في تطوير اللغة في هذا الزمن الذي استبدت به الإعلامية والإلكترونية، بالنسبة للمتحدثة نساهم في تطوير اللغة من خلال تكريس استعمالها وإيجاد مقعد لها على منصات الوسائط الإلكترونية، لأنه طالما ابتعدنا باللغة عن الواقع وعن الممارسة وعن الاستعمال سوف ينحصر دورها، كما أن الاستعمال هو الذي يحدد القيمة الفعلية للغة، والعربية هي لغة قومية في الحقيقة تقول الدكتورة عنيشل ويتجاوز مستعمليها مليار وهي مرتبطة بالدين، بالقرآن، بالشعائر الدينية مرتبطة بثقافة دينية وتراث ثقافي وفكري عربي كبير ولا يمكن لهذه اللغة أن تنهار كما أن ما تعانيه اللغة من ضعف هو بسبب أن أهل اللغة العربية لا يقدمونها بشكل أفضل ولا يقومون اتجاهها بما يجب أن يقام به اتجاه أي لغة.
لذلك فالمطلوب الآن هو أن نعزز استعمالها من خلال المعاجم القواميس وتكريس الندوات الإعلامية والندوات الأكاديمية بشكل دوري حتى تصبح اللغة لغة الناس، لأن العديد من اللغات تمكنت من مواكبة التطور الحضاري الذي نعيشه في فترة وجيزة واللغة العربية التي كانت في عصور مضت هي حمالة العلم، حمالة الثقافة، حمالة الفكر تستطيع كذلك أن تواكب أي تطور علمي.
@ الدكتور إبراهيم طبشي: قال الدكتور في الدراسات اللغوية في قسم اللغة والأدب العربي إبراهيم طبشي أن اللغة العربية في هذا العصر وفي ظل ما يشهده من تطور رقمي لا تحتل المكانة التي تليق بها على اعتبار أن اللغة الإنجليزية هي التي تحتل هذه الفضاءات، كما أن حيز الاستعمال بالنسبة للغة العربية محدود جدا وهذا ما يفرض على أتباعها أن يبذلوا جهودا كبيرة من أجل الرقي بها لتصبح لغة عالمية، لغة للبحث، لغة للحضارة والعلم وإن كان هذا يرتبط في جانب آخر بأن تخلف اللغة من تخلف أهلها، فإذا تقدموا تقدمت لغتهم معهم ومع ذلك فهذا يفرض على المتكلمين بها أن يبذلوا جهدا كبيرا في سبيل الرقي بها.
إن ما تعاني منه اللغة العربية حسب الدكتور طبشي هو أن ما يبذل من بحث علمي في تطويرها وفي إيجاد المصطلح العلمي لما يقابل المنتجات العلمية والمكتشفات التكنولوجية لا يزال محدودا، إذ يرجع الأمر فيه إلى جهود الأفراد ولا يرجع إلى جهود المجامع ومن المؤكد أن الجهود التي تثمر ويكون لها أثرها المعتبر هي جهود المجامع ولذلك يفترض في هذه البحوث والاجتهادات أن لا تبقى شخصية وفردية وإنما أن تكون في شكل فرق وفي شكل مجامع وهيئات.
مضيفا أن هناك جهود بذلت من أجل ترسيخ اللغة العربية، هذه الجهود بعضها يحسب في صالح الإرادة السياسية للدولة التي انتهجت سياسة تعريب المدرسة الجزائرية وإلى غير ذلك، ولكن لازال يتطلب الأمر المزيد من الجهد من أجل إعطاء اللغة العربية وهي اللغة الرسمية مكانتها الحقيقية بتعميم استخدامها في جميع مجالات الحياة.
الدكتور أحمد بلخضر:  بالنسبة الدكتور في قسم اللغة والأدب العربي أحمد بلخضر فإنه لما كان الفكر العربي متطور ازدهرت اللغة وتمثلت في أنها احتوت جميع العلوم والمعارف الكونية بما فيها الطب والهندسة والفلسفة ولما تخلف أهلها وتأخروا عن الركب تخلفت، وبالتالي فالأمر يبدأ من أن نطور فكرنا لتحتويه لغتا -يقول المتحدث-، ويرى أنه لابد من بذل مجهودات أكبر والسعي لتطوير اللغة، مشيرا إلى أن مراكز البحوث تحاول بقدر الإمكان التطوير من اللغة العربية ودعمها حتى تصبح في مصاف اللغات الحديثة والمعاصرة، وذلك بمحاولة المحافظة على اللغة وتطويعها حتى تواكب الحضارة وتصبح اللغة الأولى أو الثانية في العالم.