طباعة هذه الصفحة

مستقبل المؤسسة في ظل الثورة الصناعية الرابعة

الرقمنة منعرج كبير لكسب معركة تنافسية السوق

سعيد بن عياد

توفر الرقمنة فرصا للرفع من حجم الشراكة بين المؤسسات الجزائرية والفرنسية التي التقت في المنتدى الثاني للشراكة من اجل تقريب الرؤى وتحديد مجالات بناء مشاريع واقعية وفقا لمعادلة شراكة رابحة للجانبين. وطبيعي أن يسعى كل طرف لانتزاع حصص في سوق الطرف الآخر، غير أن المؤسسات الجزائرية، التي شاركت في أشغال المنتدى، أبدت قناعة بأن لديها طاقات إبداعية وقدرات لمواكبة تطورات الثورة الصناعية الرابعة ممثلة في التحولات الرقمية في كافة مناحي الحياة الاقتصادية.
غير أن الطموح إلى هذا المستوى يقتضي إرساء شراكات متعددة لا مجال فيها لاعتبار الجزائر بمؤسساتها مجرد سوق استهلاكية لما تنتجه المؤسسات الأخرى من تكنولوجيات وبرمجيات وأدوات معلوماتية جاهزة، خاصة وان الأرضية المعلوماتية القاعدية تتوفر على إمكانيات يمكن أن يؤدي تطويرها إلى بلوغ مرحلة النجاعة الاقتصادية. ويسجل الهاتف الذكي من حيث الاستخدام والتركيب تقدما مثيرا ما يؤكد أن الرقمنة قادمة ويتوسع مجالها إلى كافة جوانب الحياة في المجتمع. وأظهرت الرقمنة وصناعة المعلومات قدرات في التقريب بين الصناعات المختلفة والربط بين القطاعات التي كانت إلى وقت قريب متباعدة وبرز الذكاء الاصطناعي واقتحمت المعلوماتية أو الرقمنة خطوط الإنتاج في المصانع وقريبا بحكم الضرورة التنافسية في المزارع والخدمات التي بدأت على مستوى البنوك والمراكز التجارية الكبيرة، وينبغي أن تعمم في الحياة الاقتصادية بكافة جوانبها بدءا من الورشة والمصنع إلى التسويق مرورا بالتسيير.
ويمثل الاقتصاد الرقمي الذي يقلص عمر المؤسسة من 60 سنة بالنسبة للتقليدية إلى 12 سنة للمؤسسة الحديثة اكبر تحد للمؤسسات الجزائرية بكافة أصنافها علما كما يتوقعه الخبراء يتحول 50 بالمائة من المستخدمين إلى عناصر رقمية في المنظومة الإنتاجية كما أن أكثر من 40 بالمائة من المهن والوظائف تختفي وتعوض بأخرى على اعتبار أن كل ما هو تقليدي يصبح مكلفا من الناحية المالية، وهو ما يقتضي ان تنتبه اليه المؤسسة الجزائرية بغض النظر عن حجمها ومركزها في السوق تفاديا لقانون السوق. وتترتب عن اللارقمنة كلفة تقدرها كريستين دودون مديرة مؤسسة «بروجيسي» بخسارة تعادل 10 بالمائة من رقم أعمال كل مؤسسة تتقاعس في إدراك الرقمنة أو تتاخر في إدراجها ضمن نظامها مبرزة مدى المكاسب التي تحققها باعتماد نظام مركز البيانات (داتا سانتر) الذي يمثل محور اهتمام الشركاء الفرنسيين لما يمثله من قيمة مضافة مقارنة بذاكرة الكمبيوتر(سيرفور) موضحة انه بقدر ما تكون المؤسسات مرتبطة بمركز بيانات لدى متعامل متخصص بقدر ما تتفرغ للإنتاج والتسويق علما أن «الداتا سنتر» اكثر امنا للبيانات والمعطيات ويمكن الوصول أليها من صاحبها بسرعة فائقة بدل تخزينها على مستواه بكل ما قد ينجر عنه من ضياعها أو تلفها.
وتتوفر الجزائر على مؤشرات تشجع إنشاء مراكز بيانات معلوماتية تحررها من التبعية لمراكز تخزين البيانات توجد بالخارج مثل الطاقة ذات السعر التنافسي والاستخدام للتشغيل وتبريد التجهيزات على حد تعبير اوليفيي لابي متحدثا عن تصميم وانجاز مركز البيانات حيث أوضح أن المنافسة في السوق الرقمية ليس على صعيد نقل المعلومات وتدفقها وإنما على صعيد جمع البيانات وإعادة توظيفها في السوق متوقعا أن يكون سعر المعلومة أعلى من النفط مستقبلا. ويمكن إدراج هذا المحور ضمن مشاريع شراكة قائمة على تقاسم الأعباء والمنافع في المديين المتوسط والطويل. ويعتبر الإنسان والتكنولوجيا أساس الرقمنة، ومن ثمة يكون التوجه غالى تكييف الجهاز الإنتاجي للمؤسسة مع التحول الرقمي حتمية كما أشار إليه سليم جواد علال رئيس الجمعية الجزائرية لتكنولوجيات الاتصال متسائلا عن مدى فرص نجاح التحول الرقمي ومن يتولى المهمة داخل المؤسسة لانجاز الأهداف المطلوبة في هذا المجال، في وقت توصلت فيه المؤسسات التي بادرت برقمنة أنظمتها ومناهجها وأساليبها المناجيريالية أصبحت تتحكم أكثر في محيطها الاستهلاكي من خلال القدرة على متابعتهم والتعرف على ميولاتهم ومن ثمة محاصرتهم في كل وقت.
وتكون المعركة الكبرى حول سوق الرقمنة التي تمثل منعرجا كبيرا في مسار المؤسسات الجزائرية التي سوف تدفع فاتورة مرتفعة في حالة تضييع الفرص المتاحة، التي يجب التوجه إليها من خلال البحث عن إقامة شراكة متوازنة مع متعاملين لديهم خبرات وتحكم تكنولوجي ضمن مشاريع إنتاجية تجسد في السوق الجزائرية التي تتطلع من خلال النسيج المؤسساتي إلى تحسين مركزها في عالم الرقمنة إقليميا وعالميا.