الطّبيب المسؤول الأوّل عن التّسيّب في تسليمها دون فحص أو تحاليل
يستهين العديد بأهمية هذه الخطوة قبل الارتباط بل ويعتبرونه مجرد ورقة أضيفت إلى ملف عقد الزواج، الشّهادة الطبية ما قبل الزواج رغم إجبار المشرّع الجزائري كل مواطن على امتلاكها وإجراء التّحاليل والفحوصات التي تطلبهما، إلاّ أنّ أغلب المقبلين على الزّواج يتحصّلون عليها بطرق ملتوية غافلين عن أهميتها في حياتهم المستقبلية. في هذا الاستطلاع نقلت لكم «الشعب» آراء بعض المواطنين حول هذا الموضوع تباينت بين الرفض والقبول.
الإجراء إداري وليس طبيا؟؟
«محمد – ش»، 45 سنة، متزوّج وأب لطفلين، قال عن الفحص الطبي قبل الزواج لـ «الشعب»: «هو خطوة مهمة يجب أن يعي الزّوجان المستقبليان أهميتها لما لها من آثار إيجابية على صحة الاسرة التي تعد نواة المجتمع، فهو يكشف الأمراض التي يمكن أن تكون عائقا أمام الارتباط خاصة في حالة الأمراض المعدية أو الوراثية، فهي مثلا قد تكشف عن وجود امكانية إصابة الأطفال بالتشوه الخلقي، الذي غالبا ما يرتبط بصلة القرابة بين الزوجين»،
وأضاف «محمد» قائلا: «عند إجرائي للفحص الطبي قبل الزّواج استطاع الطبيب من خلال التحاليل التي طلب مني إجراءها اكتشاف إصابتي بأحد الأمراض المعدية، لذلك كان عليّ مداواته قبل موعد الزفاف، والحمد لله أنّني قمت به بفترة طويلة قبل موعد العرس، وإلا كنت سأجد نفسي أمام ورطة حقيقية لأنّني لا أستطيع إخبار عائلة زوجتي أنّني أريد تأجيل موعد الزفاف بسبب مرض معد لأنّ الشّكوك ستكبر وربما يلغى الزواج بسبب ذلك، لأنّنا لا نعي أهمية هذه الخطوة في المستقبل فتجاوزه بالتّحايل والحصول على الشهادة الطبية دون الخضوع لفحص طبي هو رد فعل أغلب الجزائريّين تجاه هذا الطّلب الاجباري من مصالح البلدية، وهذا أمر مرفوض تماما».
«سليم - د»، 30 سنة، سألته «الشعب» حول الموضوع فقال: «لا أرى أي أهمية في إجراء الفحص الطبي قبل الزواج ، لأنه تدخل سافر في خصوصية الناس، فالمرض لا يمكن أن يكون سببا في إلغاء الارتباط بين الزوجين اللذين اقسما بأن يعيشا على الحلو والمر، ومن غير الممكن أن يتخلّى أحدهما عن الآخر بسبب فحص طبي قبل الزواج، فلا يمكن التدخل في قضاء الله وقدره، ولا أتخيّل نفسي مجبرا على انتظار رأي الطبيب لأتزوّج، لأنّه أمر خاص ومصيري يتعلق بشخصين يكفي رأي الأهل لقبول الارتباط من عدمه، ولو كان الامر بتلك الأهمية، لأوصانا به الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن اختصار حياة كاملة في ورقة إدارية».
وأضاف «سليم» قائلا: «لي الكثير من الأصدقاء لم يجروا هذا الفحص الطبي واستطاعوا الحصول على الشهادة الطبية من معارفهم، لأنّهم يرفضون تدخل الطّبيب أو الإدارة في خصوصيات زوجاتهم أو حياتهم الزوجية، فالمرض مقدر ومكتوب والزوجة من صفاتها الصبر والوقوف إلى جانب زوجها مهما كانت الظروف، فلماذا نترك هذه الثّقافة الشّعبية التي تربّينا عليها، وننجر وراء إجراءات جديدة مرتبطة بمعطيات معيّنة».
حكايات غريبة تنسج حوله؟؟
«وسيلة – ص»، 34 سنة فتاة مقبلة على الزواج، قالت عن الموضوع: «في الحقيقة أجريت الفحص الطبي قبل الزواج منذ ما يقارب الشهر، لإكمال الملف الخاص بالعقد الإداري للزواج، وقد قمت بكل التحاليل المطلوبة والحمد لله أنّها جيّدة ما عدا إصابتي بالتهاب كبد فيروسي من النوع «أ» أخبرتني الطبيبة أنه بالإمكان الشفاء منه، خاصة وأنّني أجريت التحاليل قبل شهور من موعد الزفاف، الأمر الذي يمنحني الوقت الكافي للخضوع للعلاج الذي بدأته بالفعل، ولكني في المقابل لم أخبر أحدا بنتائج التحاليل لأن الكشف عن هذه النتيجة سيضع زواجي في المحك، فالعقليات عندنا صارمة ولا تتسامح عندما تكون المرأة مريضة، خاصة وأنّني مصابة بمرض تحوم حوله الكثير من الاشاعات، لذلك فضّلت التكتم على الأمر مع العلاج في سرية تامة، فحتى إخوتي لم أخبرهم خشية أن يخبروا زوجاتهم اللاّئي ستفعلن المستحيل لإخبار عائلة زوجي عن مرضي لأنّهم أقاربنا».
واستطردت «وسيلة» قائلة: «لا أجد في إجراء الفحص الطبي قبل الزواج حرجا لأنّه متعلق بصحة الفرد ولكن غالبا ما يعتبره الجزائري عبئا وإجراء لا محل له من الاعراب في ملف عقد الزواج، لذلك نجد أن الكثيرين يتحصّلون على الشهادة دون إجراء أي من التحاليل أو الفحوصات الطبية المطلوبة، ولي الكثير من الصديقات من فعلن ذلك، ولكن لا يجب إلقاء اللوم على المقبلين على الزواج فقط لأنّ الطّبيب يتحمّل أيضا نشر مثل هذا اللاّوعي الذي يتسبّب في كثير من المشاكل الصحية، فالتّحسيس لمثل هذه الشّهادة غير موجود تماما لذلك يغفله المجتمع بغموض وأكاذيب، فأنا واحدة ممّن كانوا يعتقدون أنّ الفحص يتضمّن أيضا كشف العذرية، ولولا زواجي لما علمت أنه مجرّد فحص طبي عادي، وليس كما يتكلّم عنه المجتمع حتى جعلوه موضوعا مسكوتا عنه، وهذا غير مبرّر تماما».
عتيقة صبايحي لـ «الشعب»: «...وقاية وعلاج»
سألت «الشعب» عتيقة صبايحي رئيسة مصلحة الطب الشرعي بمستشفى الرويبة، التي قالت أنّ الشهادة الطبية قبل الزواج جاءت تطبيقا لأحكام المادة 7 مكرر من القانون رقم 11 - 84 المؤرخ في 9 يونيو سنة 1984 والمتضمن قانون الأسرة، جعل الشهادة الطبية قبل الزواج إجبارية، فالمشرّع الجزائري ألزم أزواج المستقبل بالتقدم إلى أحد المصالح الطبية قبل الزواج لإجراء فحص طبي، حيث يخضعان لفحص شامل بحثا عن مرض وراثي يمكن أن ينتقل للطفل مستقبلا أو مرض معد ينتقل للشريك، وكذا من أجل جمع مجموعة من البيانات تساعد المعنيّين على وضع خارطة صحية يمكن من خلالها التعرف على الامراض التي أصبحت تهدد نواة المجتمع، وكذا وضع خطّة وقائية تسمح تفادي العديد من المشاكل الصحية.
وقالت إنّه يطلب إجراء تحاليل طبية للزوج والزوجة هي خطوة لها فائدة كبيرة، فربما ستكون سببا في اكتشاف أمراض كالسكري، ضغط الدم، وبعض الامراض المعدية التي تنتقل الى الشريك، والتي يمكن علاجها قبل الارتباط، وربما يمكن اكتشاف إصابة المرأة بفقر الدم أين ينصحها الطبيب بتناول الـ «أسيد فوليك»، خاصة عندما يكون الجنين ذو زمرة دم إيجابية والأم سلبية الذي قد يتسبب في إصابة الطفل بالشلل، كما يحمي من أمراض متنقلة عديدة يمكن للكشف المبكر شفاءها أو وقف تطورها، لذلك نحدد في الاستمارة أو في شهادة طبية ما قبل الزواج فصيلة الزمرة الدموية التي يساهم تحديدا بتفادي الإجهاض أو التشوه الخلقي للجنين، فعندما تأتي المرأة وهي حاملة لزمرة دم سلبية والزوج إيجابية قد تتعرض للإجهاض دون أن تعي ذلك لأنّها ستظن أنها الدورة الشهرية، وأنّ عليها تناول المضاد الخاص خلال 72 ساعة حتى تحمي أطفالها في المستقبل من الإعاقة، أما عند إصابتها بمشكل في الغدد نطلب منها استشارة طبيب متخصص في الغدد قبل الحمل، وبهذا «نحاول حماية الطفولة والأمومة والزوج والزوجة من العدوى».
وأكّدت صبايحي عتيقة في ذات السياق أنّ الإسلام يوصي اختيار الشريك لبناء أسرة سوية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه: «تخيّروا لنطفكم فإنّ العرق دسّاس»، وهذا إعجاز لأنه دين على علم بالمشاكل التي يمكن أن تقع فيها العائلة بسبب المشاكل الصحية، ويقول صلى الله عليه وسلم أيضا فيما معناه: «تفادوا القرّابة المقربة»، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن زواج الأقارب سبب في كثير من الأمراض الوراثية التي لا تظهر على الوالدين، لذلك لا يمكن اعتبار الاستهانة بالفحص قبل الزواج غير مرتبط بالدين بل متعلق بثقافة سائدة تقلل من شأن هذه الخطوة، حيث يقوم الكثير من المقبلين على الزواج بإحضار الاستمارة الخاصة بالفحص دون الخضوع له، وهنا يجب وضع الطبيب أمام مسؤولياته، فلا يُسمح له بالخطأ ولا يمكنه تسليم شهادة أو ملء الاستمارة دون فحص، وفي الأول والأخير هو من يتحمّل أكبر مسئولية في جعل هذه الخطوة فعّالة وسط الشّباب المقبل على الزواج.
وكشفت رئيسة مصلحة الطب الشرعي أنه يجب أن يعلم المعني بإجرائه أن الطبيب لا يمكنه إخبار ضابط الحالة المدنية بنوع المرض الذي يعانيه الشخص لأن الطبيب خاضع للقانون الجزائي الذي يلزمه بالسر المهني، وهو ملزم بعدم إطلاع حتى الشريك بنتائج التّحاليل الطبية.
فالطّبيب يفحص المريض بمفرده ولا يملك الحق في إخبار الشريك حتى وإن كان مصابا بالسيدا أو الزهري لأنّ المشرّع طلب من الطبيب فحصه وإعلامه بالمشاكل الصحية التي يعانيها أما ضابط الحالة المدنية فمعني بالتصريح الذي يكتبه في الشهادة الطبية ما قبل الزواج، حيث يصرح بأنّه أعلم المعني بنتائج الفحوصات الطبية التي خضع لها وبكل ما من شأنه أن يقي أو يلحق الخطر به أو بزوجه أو ذريته. مع لفت انتباه الزوجين إلى مخاطر الحميراء الذي يمكن أن يتعرضا له أثناء فترة الحمل، وكذا التأكيد على عوامل الخطر بالنسبة لبعض الأمراض، فمثلا هناك شخص حامل لمرض وراثي وزوجته قريبته هي أيضا حاملة لنفس المرض الوراثي، لذلك على المريض إخبارهما أنّه حتى وإن لم يظهر عليهما المرض، فالطفل سيظهر عليه أكيد، وشدّدت صبايحي على أهمية إجراء الفحص قبل مدة طويلة من موعد الزفاف حتى يمكن علاج المرض.
وأوضحت أن نقص الوعي لدى المواطنين والطبيب ساهما في الارتباك عند إجراء الفحوصات الخاصة بهذه الشهادة، فيجب أن يعلم الجميع أن مثل هذه الإجراءات تساهم في الوقاية من الأمراض، وكذا التعرف على الأمراض المنتشرة في المجتمع وكذا مناطق تمركزها، فكل مجتمع يعمل على الوقاية هو مجتمع يسير نحو التطور، فالنتائج المتحصّل عليها تدخل في بحث شامل يساهم مستقبلا في وضع استراتيجية صحية تتلاءم والمتغيرات الموجودة على أرض الواقع. واستطردت عتيقة صبايحي قائلة إنّها كانت تأمل وجود مطوية مع الاستمارة تعطي شروحا حول طرق الوقاية من الأمراض المتنقلة جنسيا، أمراض الأطفال، فهناك أمراض يستحي الرجال التكلم عنها حتى مع زوجاتهم، لكن عن طريق هذه المطوية نعرفهم بطرق العلاج والمراكز الصحية المتخصصة بعيدا عن الحرج.
ولاحظت الأستاذة أنّه على المساجد أن يساهموا في نشر الوعي وسط المواطنين حول الشهادة الطبية ما قبل الزواج لأن المشرّع لم يضعها اعتباطا، ويجب أن يشرح للمواطن أنّها تدخل في إطار دراسة لها هدف وقائي هام والبحث العلمي غايتها الأولى الحفاظ على صحته والمجتمع كاملا، دون أن ننسى دور وسائل الاعلام وما تستطيع فعله في عملية تحسيس المواطن بأهمية هذه الخطوة، لأنّها في الأول والأخير هي حماية ووقاية للأزواج والمجتمع، وليست تطفّلا على خصوصياتهم.