عاد الحديث بقوّة عن صندوق دعم الصّحافة في ظل تصاعد الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالكثير من المؤسسات الإعلامية وعجّلت بغلق الكثير منها، حيث تشير أرقام وزارة الاتصال إلى توقّف 26 جريدة يومية و34 جريدة أسبوعية عن الصدور منذ 2014، في حين ينشط 140 عنوان في الساحة الإعلامية، وتحدثت الوصاية عن إمكانية اختفاء عناوين أخرى في ظل تواصل تبعات الأزمة الاقتصادية والمالية.
يحدث هذا في ظل تراجع سوق الاشهار بنسبة 65 % بين سنتي 2015 و2016 مع ارتفاع ديون الصحف لدى شركة الطباعة بالجزائر، ما بات يهدّد استمرار نشاطها، وتسبّبت الأزمة الاقتصادية والمالية كذلك في انخفاض عدد سحب الصحف بأكثر من 50 بالمائة، حيث أشار وزير الاتصال مؤخّرا إلى 900 ألف نسخة كإجمالي سحب الصّحافة الوطنية بعد أن كانت قبل 03 سنوات حوالي 03 ملايين نسخة.
أدّى هذا الوضع كذلك إلى تحرّك الحكومة والخبراء لدراسة سبل إعادة بعث صندوق دعم الصحافة، الذي لم يستقر على أمر منذ تأسيسه في بداية التسعينات، حيث تمّ وضعه تحت تصرّف المجلس الأعلى للإعلام الذي نص عليه قانون الإعلام 90 - 07، من خلال المادة 59 في الباب السادس المتعلق بالمجلس الاعلى للإعلام، والذي يحدّد قواعد الاعانات المحتملة والمساعدات التي تمنحها الدولة للأجهزة الاعلامية التي تخولها صلاحيات الخدمة العمومية، والسهر على توزيعها العادل. وفي بعض الأحيان تمّ إدراج الاعانات في مختلف قوانين المالية، وهو ما دفع بالاختصاصيّين لتأسيس صندوق دعم مستقل يعمل وفقا لمعايير الاحترافية.
الحكومة تعد بإعادة بعث نشاط صندوق دعم الصّحافة
وعدت الحكومة عبر مخطّط عملها الذي عرضه الوزير الأول أحمد أويحيى على البرلمان شهر سبتمبر المنصرم بإعادة تفعيل صندوق دعم الصحافة، حيث جاء في المخطّط «..ستعمل الحكومة على إعادة تفعيل صندوق دعم الصحافة المكتوبة في شفافية تامة وفي اطار دفتر أعباء الخدمة العمومية».
وتسعى الحكومة من خلال هذا الصندوق لمساعدة الكثير من وسائل الاعلام المهددة بالغلق وفقا لشروط محدّدة وصارمة حتى لا تذهب أموال الدعم لوجهات أخرى.
وساهم دعم السلطات في بداية التسعينات في ميلاد الصحافة المكتوبة الخاصة، حيث استفادت من أموال طائلة وإعفاءات ضريبية وتخفيض في فاتورات الخدامات والكراء، وتميّزت تلك الفترة بإصدار عدد كبير من الصحف والنشريات الخاصة بينما حوّلت «العمومية إلى شركات مساهمة ذات مسؤولية محدودة».
وتمّ تحريض أكبر عدد من المهنيّين على اختيار طريق الصحافة الخاصة، وذلك بدفع مرتّبات سنتين مسبقا لتكوين رأسمال، وبتقديم مساعدات شتى للتأسيس منها الحصول على مقر مجانا لمدة 5 سنوات والاستفادة من السحب في مطابع الدولة، وقروض بنكية خاصة لأجل التجهيز مع الاحتفاظ بحق العودة إلى المؤسسات الإعلامية الأصلية في حالة فشل المشروع».
الدّعم يتم وفق معايير صارمة
يذكر أنّ الدولة وخاصة في عهد رئيس الحكومة مولود حمروش ساهمت كثيرا في دفع الصحافة المكتوبة الخاصة، حيث خصّصت الحكومة مبلغ 10 ملايين دج طبقا للمرسوم التنفيذي الصادر عن رئيس الحكومة الصادر في 20 مارس 1990، والذي صادق عليه مجلس الوزراء في 13 فيفري 1990، حيث نصّت المادة 4 تشمل الإعانات المنصوص عليها في المادة الثالثة أعلاه ما يأتي:
الأجور ومجموع التكاليف الاجتماعية والجبائية بما فيها حصص العمال،وأرباب العمل والصحافيين ومن يماثلهم الذين يزاولون وظائفهم منذ 15 أفريل 1990 في أجهزة الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية، التابعة للقطاع العام وكذا ضمانات الترقية في المهنة والامتيازات المرتبطة بها،الواردة في القانون الأساسي.
«وسطّرت الدولة بموجب قانون المالية لسنة 1991 مبلغ 400 مليون دينار لترقية الصحافة المكتوبة والسمعية، إذ تمّ تخصيص 260 مليون دج لتغطية مصاريف طبع الجرائد، غير أنّ هذا الدعم لم يكن يخضع لمعايير مضبوطة، والتي عرفت النور مع تنصيب المجلس الأعلى للإعلام في 4 جويلية 1990، والذي حدّد بموجب قرار مؤرخ في 5 جويلية 1991 معايير دعم الصحافة، وورد ذلك في المادة الثالثة :
«يخضع توزيع الإعانات والمساعدات المحتملة للمقاييس الأساسية التالية مراعاة عدد النسخ المباعة عن كل عدد، وحصة العائدات الاشهارية في رقم الأعمال، وتشريف اللغة الوطنية وترقية الثقافة الوطنية والتعميم العلمي والتقني، وترقية الإعلام المحلي ونشر الإعلام في المناطق المحرومة والبلاد والخارج».
ووضعت المادة الرابعة من نفس المقرر شرطا عاما بمقتضاه لا يمكن لهذه الإعانة أن تؤول وتمنح إلا إذا ثبت العجز المالي للصحيفة، وكذا التي يقل عدد النسخ المباعة عن 150 ألف نسخة أو تقل عائداتها الاشهارية عن 30 بالمائة من رقم أعمالها السنوي.
كما استفادت الصحافة أيضا من مساعدات أخرى تمثلت حسب ما جاء في بيان المجلس الوزاري في جوان 1995، إعفاء سنتين كاملتين من الضريبة على أرباح الشركة، والرسم الإضافي على الضريبة الإضافية والدفع الجزافي، كما أقرّ نفس المجلس تخفيض الرسم على القيمة المضافة إلى 7 بالمائة.
تضمّن قانون مالية 2012 دفتر الشروط العامة الذي يحدّد حقوق وواجبات الأطراف المعنية بتنفيذ التعليمات المقررة في حساب التخصيص الخاص رقم 093 - 302 الذي عنوانه «صندوق دعم هيئات الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية والالكترونية ونشاطات تكوين وتحسين مستوى الصحفيين والمتدخلين في مهن الاتصال».
وتضمّن الدفتر أمورا إيجابية يمكن الرجوع اليها كتجربة أو نموذجا، حيث نصت المادة الأولى: على الحقوق والواجبات التي تضمنها دفتر الشروط مثلما ورد «...يهدف دفتر الشروط هذا إلى تحديد حقوق وواجبات الأطراف المستفيدة من الإعانات أو من التمويل.»
وفصّلت المادة 2 في الأطراف التي يمكن أن تستفيد من الدعم من المؤسسات الاعلامية بدقة، حيث نصّت «تمنح هذه الإعانات أو التمويلات حصريا لهيئات الصحافة الوطنية العامة والخاصة، وفق المعايير التأهيلية الناشطة في مجال الإتصال، والتي تستوفي الشروط الآتية، فالمؤسسة يجب أن تكون خاضعة للقانون الجزائري، المقيدة في السجل التجاري، والتي قامت بتسوية مجمل الأعباء الاجتماعية والجبائية المنصوص عليها في التشريع والتنظيم المعمول بهما مع إثبات إبرام الذمة».
وتشير المادة 3 إلى الجهة المخوّلة لمنح الاعتمادات المالية وهي وزارة الاتصال، حيث يشرف الوزير على منحها وجاءت المادة كما يلي «...تمنح هذه الإعانات أو التمويلات للأطراف المستفيدة بقرار من الوزير المكلفة بالاتصال في حدود الاعتمادات المفتوحة في حساب التخصيص الخاص رقم 93 - 302 الذي عنوانه صندوق دعم هيئات الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية والإلكترونية ونشاطات تكوين وتحسين مستوى الصحفيين والمتدخلين في مهن الاتصال».
ولإضفاء الشفافية على العملية وتوجيه الأموال لغرضها، فصلت المادة الرابعة في الأمر كما يلي «...يوضّح قرار الوزير المكلف بالإتصال مبلغ الإعانة أو التمويل، موضوع الإعانة أو التمويل، الطرف المستفيد، نسبة مصاريف التسيير والتي لا يمكن أن تتجاوز 10 ٪ من مبلغ الإعانة أو التمويل».
ويخضع الدّعم لاتفاقية صارمة وهذا ما نصت عليه المادة : «تتبع كل إعانة أو تمويل بإبرام اتفاقية توضح كيفيات منح واستعمال الإعانة أو التمويل، بين الوزارة المكلفة بالاتصال والطرف المستفيد من الإعانة أو التمويل».
أما المادة 6 فتجبر الطرف المستفيد من الاعانة بضرورة فتح حساب خاص بها لمراقبة مسارها موضحة «..تلتزم الأطراف المستفيدة من الإعانات أو التمويلات بفتح حساب خاص بالمبالغ المخصصة حصريا لهذا الغرض».
وتشير المادة 7 في سياق الشفافية دائما» يجب أن توضح الاتفاقية المبرمة بين الوزارة المكلفة بالاتصال وبين الطرف المستفيد من الإعانة أو التمويل، لاسيما ما يأتي:
ـ العمليات التي سيتم إنجازها ، آجال الإنجاز، كيفيات وشروط استعمال الإعانة أو التمويل، الحالات المتعلقة بسحب أو تعليق الإعانة أو التمويل / أو فسخ الاتفاقية، كل بند آخر من شأنه ضمان تحقيق هدف الاتفاقية».
وفي سياق متصل قالت المادة 8: «تلتزم الأطراف المستفيدة من الإعانات أوالتمويلات بإرسال الوثائق والمعلومات للوزارة المكلفة بالاتصال قصد التحقق من استعمال الأموال الممنوحة وفقا لوجهتها».
أما المادة 9 فتلتزم الأطراف المستفيدة من الإعانات أو التمويلات في كل مرحلة من إنجاز العمليات المقررة في الاتفاقية، بتقديم حصيلة المراحل للوزارة المكلفة بالاتصال. كما تلتزم بتقديم حصيلة عن استعمال الإعانات أو التمويلات للوزارة المكلفة بالاتصال في غضون الثلاثة (٣) أشهر التي تلي اختتام العملية أو العمليات وفي نهاية كل سنة».
وتفرض المادة 10 إعداد ملحق يمس كل تعديل أو تغيير على المساعدة وفقا لما يلي» كل تعديل أو تتميم لدفتر الشروط هذا، يكون محل ملحق تعده الوزارة المكلفة بالاتصال موقع وموافق عليه من الأطراف المستفيدة من الإعانات أو من التمويل».
وعليه يمكن من خلال هذه التجارب وضع نموذج يراعي التحولات المالية والاقتصادية والإعلامية للوصول الى معايير وآليات شفافة وفعالة، خاصة وأن وزارة الاتصال تشدّد بعد إعلانها تطهير الساحة من الدخلاء والطفيليين، حيث كشف واقع الصحافة عن تجاوزات بالجملة من بعض أرباب الصحافة الذين يرفضون التصريح بالصحافيين والعمال لدى مصالح الضمان الاجتماعي، ولا يقومون بأي جهد لتطوير مضمون وسائلهم الاعلامية وتحسين الخدمة العمومية.
الدّعم يجب أن يكون للمؤسّسات النّاجحة مع الحذر من الاحتكار
أكّد نصر الدين بوزيان، أستاذ علوم الاعلام والاتصال بجامعة قسنطينة، أنّ صندوق دعم الصحافة يجب أن يكون هيئة مستقلّة، من الأحسن أن ينتخب أعضاؤه حتى يكون بعيدا عن مختلف التأثيرات السلبية التي يمكن أن تستغل تلك الاعانات بعيدا عن الوجهة المخصصة لها.
وقال نفس المصدر في حديث لـ «الشعب»، إن الأزمات المالية والاقتصادية باتت مهدّدا حقيقيا وصريحا للحق في الاعلام وحرية التعبير والصحافة، والخدمة العمومية التي تتقلص من يوم لآخر بفقدان مؤسسات إعلامية كانت توفي بالغرض.
وقال إن تمويل الصندوق لا يجب أن يكون من خزينة الدولة مباشرة، فيمكن إحداث ضرائب بسيطة تمس بيع التلفزيونات ووسائل الاعلام بصفة عامة، وكذا ضرائب تحصل مع فاتورة الكهرباء خاصة للبيوت التي تضم أكثر من جهاز تلفزيون، وهكذا حتى يتم ضمان تمويل دائم للصندوق، ومنه تفادي الوقوع في أزمات من شأنها أن توقف نشاط المؤسسات الاعلامية.
وأشار أنّ ما ذكره نابع من اطّلاعه على عديد التجارب في الدول الغربية التي تبقى تدعّم الصحافة بالنظر لما تقدّمه من خدمة عمومية.
واعتبر مدى انتشار الصحافة المكتوبة وارتفاع عدد سحبها ووعاء جمهورها، وتنوّع مضمونها، عملها الدائم نحو التطور وتحسين انتشارها وطنيا ودوليا معايير للحصول على الدعم الذي يجب أن يشمل المؤسسات الناجحة، ونفس الأمر ينطبق على القنوات الاذاعية والتلفزيونية.
ونصح نصر الدين بوزيان بتنويع الدعم لمختلف المؤسسات حتى نتفادى الوقوع في الهيمنة والاحتكار.