هو الفنان التشكيلي عبد الرحمان بختي، العضو المرح والنشط بالاتحاد الوطني للفنون الثقافية وخريج المدرسة الفنية السريالية المرتبطة بقوة الأحلام ولغة الأفكار التجريدية، إلا أنّ هذا الانتماء الذي حصل صدفة منذ عقود خلت من الزمن لم تمنع الفنان من التعلق بمدينته شرشال التي قضى بها مشوار حياته، وتعلّم بها أبجديات لغات البحر والآثار والطبيعة العذراء، ومن هنا كانت البداية.
مع مرّ السنين تمكّن الفنان عبد الرحمان بختي من اكتساب ميزة خاصة يعترف له بها جلّ الفنانين المختصين، وهي ترتبط أساسا بطبيعة اللون الأزرق الذي يجسّده بلوحاته باعتباره يبقى فعلا متميّزا عن باقي الفنانين، بحيث أكّد الفنان في تبريره لهذه الحقيقة بأنّه قضى جلّ مشوار حياته بمدينة شرشال، وسبق له السكن بجوار ميناء المدينة لفترة 30 سنة مما أكسبه ارتباطا وثيقا بزرقة مياه البحر التي تتحد مع زرقة السماء في الأفق و ظلّ هذا المشهد يتكرّر في مخيلته لسنوات طوال مما أجبره على التفنّن في أسراره وخباياه و ظلّ هذا المشهد مصدرا مهما في الهامه عند رسم كلّ لوحة فنية،
كما يؤكّد الفنان عبد الرحمان بختي بأنّ فترة 30 سنة التي عايشها بالقرب من مياه البحر مكنته كم اكتساب أفكار مميزة يفتقد اليها العديد من بني البشر، بحيث تمّ التهجين بين الخيال الفني والصور الحيّة التي تزخر بها الطبيعة ليتم تجسيد لوحات فنية غاية في الجمال والروعة، ملؤها ركود البحر وهيجانه وسكونه وحركاته لتضاف لها حركات الصيادين بالميناء، وهي الحركات التي لا تكاد تنقطع على مدار السنة بالنظر الى ارتباطها باقتناء المنتجات البحرية أحيانا و تحضير أدوات الممارسة وإجراء عمليات الصيانة أحيانا أخرى وهي كلّها مشاهد تتكرّر يوميا ويصعب تخلي المخيلة عنها، ومن ثمّ فقد تحولت على مدار الزمن الى مصدر الهام ومادة خام يستغلها الفنان لتحضير لوحاته والتعبير عما يختلج بوجدانه وأحاسيسه.
قصاصات التّاريخ مرتعا لعدّة حضارات
ولأنّ شرشال لا ترتبط بالبحر وفقط، ولكنها تعتبر حسب قصاصات التاريخ مرتعا لعدّة حضارات مرّت من هنا على مدار 25 قرنا من الزمان، ولا تزال الآثار والدلالات شاهدة على ذلك، كما أنّ كتب التاريخ لم تغفل هي الأخرى هذه الحقيقة التي حاول الفنان عبد الرحمان بختي مرارا تأكيدها من خلال لوحاته الفنية الرائعة التي تجسّد عدّة حضارات مرّت من شرشال، ناهيك عن تجسيد مناظرها الطبيعية الخلابة، مشيرا في إحدى مداخلاته الهادفة الى أنّ كلّ من زار مدينة شرشال ينبهر بها، ويتمنى العودة إليها ثانية فكيف لا يتجرّأ الفنان الذي مكث بها طول حياته على الارتباط بها قلبا وقالبا، إلا أنّ الذي تجب الاشارة إليه هنا يكمن في تمكّن الفنان بختي من التعبير عمّا يختلج بأحاسيسه ووجدانه من خلال لوحاته الفنية المتميّزة، فكان الارتباط بذلك وجدانيا وروحيا، في حين تتفاوت الارتباطات المتعلقة بفنانين آخرين كتبوا عن شرشال من الجانب التاريخي المحض، كما غنّى عنها آخرون وكتب البعض أشعارا تمجّد هذه المدينة الساحرة دون أن تبرز في هذه الأعمال ملامح الارتباط الوجداني الأصيل. وهنا تبرز الفوارق وتتفاوت درجات التعلّق بهذه المدينة أو غيرها، إلا أنّ المدينة تبقى في كلّ الحالات مصدرا للالهام والابداع الفني والأدبي في حالات عديدة، ذلك ما أكّده الفنان بختي بنفسه في معرض تعقيبه على كون مدينة شرشال التاريخية مادة دسمة للعديد من الفنانين والمبدعين.
البحر..الكون..عمران المدينة الخالدة في الذّاكرة
وعن سرّ تعلّقه بزرقة البحر أكثر مما تخفيه المدينة من كنوز آثرية وحضارية أشار الفنان بختي عبد الرحمان الى كون البحر يستقبل مختلف التراكمات والترسبات والزوار والفضوليين حتى أنّ الراسبين في دراستهم يلجئون للبحر للاسترزاق في حالات عديدة، ومن ثمّ فقد تحوّل البحر إلى نقطة استراتيجي لمدينة شرشال، ناهيك عن كونه يرتبط ارتباطا وثيقا بتاريخها العميق ولا يزال مينائها يصنع مجدها ويميّزها عن مدن ساحلية عديدة، ولا يزال التألق مع زرقة البحر قائما إلى إشعار آخر.