دور المـرأة فــي حــرب التحريـــر وصمودهــا بمراكــز التعذيــب
تطّرقت الباحثة عائشة ليتيم في كتابها بعنوان “جرائم فرنسا في الجزائر وجهاد المرأة الريفية”، إلى كفاح المرأة الجزائرية الذي لم يكن وليد الساعة، بل تعود جذوره إلى المراحل الأولى التي وطئت فيها أقدام الغزاة أرضنا وتطور إبان الثورة إلى المشاركة الفعلية في دحر العدو المتجبر، كما تحدثت عن مراكز التعذيب الشهيرة، قائلة أنه لا يمكن لأي جاحد أن يتنكر لدورها الريادي في الثورة ولا يمكن حصر هذا الكفاح المرير في أسطر عابرة.
أكّدت الباحثة أن المرأة الريفية، قدّمت عبر كل مراحل التاريخ تضحيات جسام من أجل الكرامة والحرية جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل، وفعلت نفس الشئ أثناء ثورة التحرير، بحيث أدركت منذ الوهلة الأولى أن هناك واجبا مقدسا ينتظرها وأن المسؤولية ضخمة اتجاه وطنها ودينها وأبنائها باعتبارها النواة المركزية، في كل بناء وكانت السباقة في العطاء، دخلت صفوف الثورة بإرادة صلبة وإيمان كجندية مقاتلة وممرضة تداوي الجراح، وطبّاخة تطعم الجياع وإعلامية تجمع الأخبار وجاسوسة تنقل المعلومات، ودليلا لكل من تاه الطريق في الليالي الحالكات.
وأضافت: “مشت بأرجل حافية، في وسط طريق محفوف بالعواصف الرملية والرعود الثلجية والأمطار الغزيرة، وسارت بكل ثبات في طريقها المحفوف بالمخاطر والمزروع بالأشواك وقدمت صورا للتضحية والبطولات، وواجهت جميع الأساليب الوحشية التي وظفها برابرة العصر ضدها بكل شجاعة، وصمود نادرين في تاريخ البشرية، لقد أذهلت حتى جلاديها القساة والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة”.
لقد واجهت التعذيب الوحشي في المراكز السرية بمختلف الأساليب مرورا بالقتل والإعدام والاغتصاب الرهيب بمختلف الطرق والأساليب الحيوانية المنحطة، في أدنى المستويات وفي منتهى الهمجية والبشاعة يصعب وصفها ومقارنتها، منافية لكل القوانين الدولية والربانية من أجل تعقيمها كي لا تلد مرة ثانية شبيها لها في التحدي، وكان هذا الاختراع من ابتكار جلاديها وهناك عينات حيّة ومروعة رواها الناجون من ذلك الجحيم، قالت عائشة ليتيم.
في هذا الصدد، “استعرضت الباحثة أهم الأدوار التي قامت بها المرأة الريفية، وهي الاستقبال الرائع ورفع معنويات المجاهدين عند وصولهم إلى القرية أو مركز من مراكز جيش التحرير بالفرح والابتهاج، تقوم بغسل ثيابهم في الليل وتجفيفها على النار بالتناوب، وتلف الجندي في ثوبها أو ثوب أبنائها حتى تجف ملابسه وتعالج جروح أرجلهم الملتهبة، من شدة الحرّ والبرد بالماء الساخن الذي تضع فيه الملح وحجر الزرقاء المقاوم للتعفنات، تغسل جراحهم وتجففها وتضع الحناء لتضميد الجروح، تحضر القهوة والأكل، كما أن ربط الاتصال من المهام البارزة بين التنظيمات السياسية والعسكرية بين المجاهدين والفدائيين والمسبلين واللجان الشعبية وجمع المعلومات والأخبار المفيدة، حول نشاط العدو وتحركاته وتنقلها على الفور إلى المسؤولين”.
مراكز تعذيب سرية مارست جرائم وحشية بمباركة السلطة الفرنسية
بالمقابل، قدمت الباحثة لمحة تاريخية عن نشأة مخيمات التعذيب السرية في الجزائر، وأنواعها والقائمون عليها وكذا هوياتهم وطرق الانتقاء والاختيار وتكوينهم، بحيث حوّلت مزارع المعمرين المغتصبين بما فيها مخازن الخمور والحطب والفلين وبيوت الكلاب والأرانب حتى أقبية الدجاج إلى أماكن للحجز والتعذيب.
بالإضافة إلى الأنفاق الأرضية التي كان أصلها مناجم مستنفذة فمورس التعذيب الوحشي والاستنطاق بداخلها، خاصة في جوف الليل كي لا يسمع صراخ المعذبين، وحتى قنوات الصرف والثقوب الصغيرة تحوّلت إلى محطات تعذيب وحجز، قائلة أن تلك المراكز لا تخضع لأي سند قانوني ضحاياها تحت رحمة جلاديهم القساة مباشرة والمتخرجين من مدرسة “جان دارك” الإجرامية التي أسسها السفاح بيجار عام 1957 في ولاية سكيكدة، رفقة بول سواريس، ماسي، جاك سوستال، لاكوست وعلى رأسهم الجنرال ديغول الذي كان على علم بما يجري من جرائم وحشية يندى لها الضمير البشري بل باركها. وكذا المعمرون الغلاة وأبناؤهم الحاقدون على الجزائر المسلمة.
في هذا الشأن، أكدت المؤلفة أن هذه المدرسة تعتبر الوحيدة في إفريقيا، وربما في العالم، كانت تلقّن لطلابها في فرع المباحث فنون التعذيب وعلم الإجرام، بالإضافة إلى الفروع المختصة في علم النفس والاجتماع، وحين يتخرجون يوزعون على مراكز التعذيب المنتشرة في كل مكان عبر تراب الوطن، وهم على استعداد لتنفيذ الأوامر بعد غسيل المخ وتلقي الدروس النظرية والتطبيقية وفن الاستنطاق لتطبيقه، على أجساد الجزائريين بمختلف فئاتهم وأعمارهم.
أوضحت أن هؤلاء القتلة المجرمون ينتمون إلى جنسيات مختلفة كالكرسيين، الألمان، الأسبان، الايطاليون، المالطيون، اليهود، الفرنسيون والحركى الخونة من أبناء جلدتنا الذين باعوا ذمتهم إلى الشيطان، كلهم يحملون الجنسية الفرنسية وجرثومة الإجرام في دمهم. بحيث يختارون على أساس ميولاتهم النفسية القابلة للإجرام كقسوة القلب والتعطّش لسفك الدماء وانعدام الرحمة أمام ضحاياهم، العنصرية والحقد الدفين على الإسلام والمسلمين، كلهم مرتزقة تربوا خارج الدفء العائلي جلهم أبناء الزنا والحرام دون جذور عائلية، قلوبهم خالية من الحب الإنساني.
بالمقابل أشارت ليتيم إلى، أننا ضيّعنا جزءا مهما من تاريخ ملحمتنا المجيدة، بالتهديم العمدي لجميع مراكز التعذيب الرهيبة المنتشرة بكثرة في شرق البلاد ووسطها، والتي سقط فيها كم هائل من الشهداء تحت آلة التعذيب، مبرزة أهمية الآثار المادية والشهادات الحيّة من أفواه الفاعلين كمصادر رئيسية في كتابة تاريخ الثورة. كما استطاع الغلاة محو أثار جريمتهم بحرق الوثائق المكتوبة قبل الرحيل ونقل البعض الآخر إلى ما وراء البحر، كما تمّ تدمير مراكز التعذيب.
تفنّـن في وسائل التعذيب
ومن وسائل التعذيب آلة طحن أعلاف الحيوانات ويسمى “القرط بالعامية”، بعد أن تمرّ الضحية المعذبة على جميع الوسائل ولم تعترف ولم تعد تنفع معها الوسائل الجسدية والنفسية واللاأخلاقية، التي مورست عليها بكثافة فيرمون الضحية داخل تلك الآلة فتكسر عظامها وتدك جسدها الضعيف من شدّة التعذيب المتواصل، فيخرج من الناحية الأخرى عبارة عن كتلة لحم مفروم، والتعذيب بخرطوم الماء، حوض الماء القذر الممزوج بالصابون والدم والعفن، عملية الطابوري وهي أخطر وسائل التعذيب الرهيبة المتقدمة في فنّ علم الإجرام، التعذيب بالسلم، الصلب على الجذران والتعليق في الهواء، التعذيب برفع الأثقال، اللوحة المغروسة بالمسامير، التعذيب بالكلاب الألمانية، بقلع الأسنان والأظافر وحرق اليدين والرجلين، قطع الأذن والأجزاء الحيوية للرجل، الجرارة، الكهرباء، وغيرها من الأساليب الوحشية.
زيادة على التعذيب النفسي واللاأخلاقي، بممارسة الفاحشة بين السجناء، إرغام الإخوة على ممارسة الفاحشة أمام السجناء، عملية الاغتصاب الجماعي للمرأة، التعذيب بالإهانة الجنسية والتجرد من الملابس والمشي في الشارع أمام المارة، التعذيب بضربة الشمس، النوم فوق الثلج والاسمنت عاريا، التجويع، الأعمال الشاقة، الحرمان من النوم، العقاب الجماعي، دفن السجين حيا، حشو الفم بالمنشفة المبللة وغيرها.
وذكرت في هذا الإطار، ببعض مراكز التعذيب السرية المشهورة بقسوتها وجرائمها الوحشية، منها مركز سيدي نصر قرب عزابة، فيرمان أمزيان بقسنطينة، مركز واد العنب المسمى كفر، وبرج نام بالدرعان، مركز التعذيب المسمى الأحمر بفرجيوة، تيليوات بجنوب البويرة، الأنفاق الأرضية بأسطورة غرب سكيكدة، معتقل قصر الطير، حوش الوهراني بجنوب العاصمة، كما نقلت في كتابها شهادات حيّة من أفواه أصحابها الذين تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب منها قصة المجاهدات فاطيمة جديد، عائشة كامش، فاطمة النميري، زينب مناجلي، الزهرة بورشاق، الزهرة مبروك، فاطمة ليتيم وأختها حفصية، فاطيمة بوعقبة، قصة المناضل يوسف بن جدو، المجاهد إبراهيم منصوري،وفلة منصوري وعائشة حلاسي.
ومن بين المجازر التي ارتكبتها قوات العدو ضد المدنيين العزل، منها مجزرة حيونا وقرية الزفزاف، مجزرة عرش الثوارة، جهاد الكرمات، شهادة الصحفي المصري سعد زغلول، عينات حيّة عن تلك الفضائع الوحشية وأسماء بعض الضحايا من الأحياء والأموات، مجزرة عرض الصراف بناحية العلمة، وغيرهم.