في تحدٍّ للعراق وللمجموعة الدولية التي دعتهم للتريّث وعدم الاستعجال، مضى الأكراد في تنفيذ قرارهم بتنظيم استفتاء استقلال إقليم كردستان العراق في الموعد المقرر، أمس، حيث شهد مشاركة قوية من الأكراد الذين صوّتوا بكثافة لصالح انفصال إقليمهم، وسطإجراءات أمنية مشددة، ورفض مطلق من حكومة بغداد وتركيا وإيران خاصة، ومختلف دول العالم عامة وبتأييد دولة واحدة هي إسرائيل.
أدلى، أمس، نحو خمسة ملايين ناخب كردي بأصواتهم في 12 ألف مركز اقتراع، توزعت على محافظات الإقليم الثلاث (أربيل والسليمانية ودهوك) ومناطق متنازع عليها مع حكومة بغداد، أبرزها محافظة كركوك.
وقد تجددت عبر كل مراكز الاقتراع صور الطوابير المكتظة بالناخبين الذين أعرب الكثير منهم عن غبطتهم بهذه الخطوة التي ستكون، بحسبهم، مقدمة لإنشاء دولة كردية.
وبيّن المراسلون الذين تابعوا هذا الحدث، أن حركة التغيير والجماعة الإسلامية في كردستان العراق انضمتا إلى المؤيّدين لإجراء الاستفتاء، ودعتا أعضاءهما للتوجه إلى صناديق الاقتراع والتصويت بنعم لصالح انفصال الإقليم عن العراق. علما أن الجماعتين كانتا ضد إجراء الاستفتاء، وبذلك تكون جميع القوى الكردستانية تقريبا أيدت المشاركة فيه.
ونصّ سؤال الاستفتاء الذي طرح بأربع لغات، وهي العربية والكردية والسريانية والتركية، على الإجابة بـ “نعم” أو “لا”، على: “هل تريد أن يصبح إقليم كردستان والمناطق الكردستانية خارج الإقليم دولة مستقلة؟”.
ويهدف الاستفتاء غير الملزم، إلى منح تفويض لرئيس الإقليم مسعود البرزاني لإجراء مفاوضات مع بغداد ودول الجوار على انفصال الإقليم المنتج للنفط.
والمفارقة، أن حكومة كردستان أجرت الاستفتاء ليس فقط في الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي، بل أيضا في مناطق أوسع في شمال العراق، توغلت فيها قواتها في إطار قتال تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي وتضم هذه المناطق أعدادا كبيرة من السكان غير الأكراد.
وعارض السكان غير الأكراد في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وحكومة كردستان الاستفتاء، خاصة في كركوك الغنية بالنفط والمتعددة الأعراق.
أردوغان يلوّح بالخيار العسكري
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن بلاده لا تعترف بنتائج الاستفتاء شمال العراق ولا ترى أنها مشروعة، وأنها مستعدة للقيام بكل الخيارات للوقوف أمام التهديدات التي تزعزع أمنها القومي.
وأضاف أردوغان في كلمة ألقاها، أمس، في إسطنبول، أن بلاده قررت إغلاق الحدود مع شمال العراق خلال الأيام القادمة. وأن تركيا تدرس كافة الخيارات بما فيها الخيار العسكري، تجاه التهديدات الموجودة على حدودها.
وتابع أردوغان، إن خطوة الاستفتاء “رسول للسنوات الطويلة المقبلة التي ستنزف الدماء فيها بالمنطقة، لا يمكن لأحد أن ينتظر منّا قبول تشكل منطقة أزمة جديدة على حدودنا، إننا نرى الاستفتاء بحكم العدم دون النظر إلى نتيجته، ونرى أنه استفتاء غير مشروع”.
وقال الرئيس التركي، “لقد قامت القوات المسلحة في سلوبي بالخطوات اللازمة وكذلك فعلت إيران، وكذلك قواتنا الجوية. وفي هذه اللحظة جرى إغلاق الحدود من جانب واحد وسيجري إغلاق الحدود بالكامل خلال أسبوع”.
وأوضح أردوغان، أنه سيجري إعلان التدابير والخطوات الأخرى، وتساءل: “لنر إلى من سيبيع إقليم كردستان النفط بعد هذه اللحظة، صمام أنابيب النفط بيدنا، وحين نغلقه يكون الأمر قد انتهى”.
وأكد أردوغان، أن بناء الأكراد دولة على حدود بلاده “مجرد أحلام بالنسبة لهم، إن هذا الأمر مسألة بقاء لدولتنا، يمكن أن نأتي على حين غفلة بلا موعد في ليلة، كل الخيارات التي لن نتوانى عن استخدامها موجودة أمامنا على الطاولة”.
إيران تغلق حدودها وأجواءها
من جانبها، أغلقت إيران حدودها وأجواءها مع إقليم كردستان العراق، احتجاجا على إجراء إدارة الإقليم استفتاء الانفصال عن العراق.
قال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، إن إغلاق طهران المعابر الحدودية والمجال الجوي أمام الإقليم، جاء استجابة لطلب من الحكومة العراقية.
ووصف قاسمي الاستفتاء الذي نظمه الإقليم، رغم معارضة بغداد ودول مجاورة، بأنه “غير قانوني وغير مشروع”.
ولاحقا قالت الخارجية الإيرانية في بيان، إن استفتاء كردستان العراق قرار متعجل، وإن طهران تعارضه ولا تعترف بنتائجه.
وكان الحرس الثوري الإيراني أعلن، أمس الأول، مناورات برية على الحدود المتاخمة لتركيا وكردستان العراق.
خطأ تاريخي
عراقيا، وصف رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري الاستفتاء الكردي بأنه خطأ تاريخي وإجراء غير قانوني ومعدوم الأثر قانونا.
قال الجبوري في مداخلة له بجلسة البرلمان، أمس، التي غاب عنها نواب الكتلة الكردستانية، إن مجلس النواب سبق أن أعلن موقفه الرافض للاستفتاء “ويجدد موقفه اليوم بالقول إن هذا الاستفتاء غير قانوني وإن المجلس يجدد الدعوة لجميع الأطراف إلى اتخاذ كافة الإجراءات القانونية من أجل الحفاظ على وحدة العراق”.
وكان المجلس الوزاري للأمن الوطني العراقي، الذي يرأسه رئيس الوزراء حيدر العبادي، قد دعا إقليم كردستان إلى تسليم المعابر الحدودية والمطارات للحكومة الاتحادية. كما طالب الدول الأجنبية بوقف تجارة النفط مع إقليم كردستان.
من جهته، أعلن رئيس تيار الحكمة الوطني العراقي الزعيم الشيعي عمار الحكيم، مساء الأحد، أن المتضرر الوحيد من استفتاء كردستان هو الشعب الكردي.
سوريا... لا نعترف إلا بعراق موحد
أكد وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، أنّ بلاده ترفض أي إجراء يؤدي إلى تجزئة العراق.
وقال المعلم في تصريحات صحفية، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأحد: “نحن في سورية لا نعترف إلا بعراق موحّد ونرفض أي إجراء يؤدي إلى تجزئة العراق.. هذه خطوة مرفوضة ولا نعترف بها”.
وأكد أنه أبلغ نظيره العراقي موقف بلاده تجاه الاستفتاء.
في سياق متصل، انتقد معاون وزير الخارجية السوري أيمن سوسان الاستفتاء الذي قال، إنه “وليد السياسات الأميركية التي سعت إلى تفتيت دول المنطقة وخلق الصراعات بين مكوناتها”.
واعتبر، وفق تصريحات نقلتها صحيفة الوطن السورية، إن الاستفتاء “يضر بالعراق ويضر بالأخوة الأكراد”.
ويعد الأكراد أقلية في سوريا، حيث كانوا يشكلون أكثر من 15 في المئة من سكان سوريا قبل اندلاع النزاع في العام 2011. بعد اندلاع الأزمة، بدأوا بتعزيز موقعهم ما سمح لهم بالسيطرة على مناطق واسعة في شمال وشمال شرق البلاد.
وفي مارس 2016، أعلن الأكراد النظام الفدرالي في مناطق سيطرتهم التي قسموها إلى ثلاثة أقاليم هي الجزيرة (محافظة الحسكة، شمال شرق) والفرات (شمال وسط، تضم أجزاء من محافظة حلب وأخرى من محافظة الرقة) وعفرين (شمال غرب، تقع في محافظة حلب).
ونظم أكراد سوريا، الأسبوع الماضي، جولة أولى من الانتخابات المحلية في مناطق سيطرتهم، في خطوة تعد تعزيزا للنموذج الفدرالي الذي يدافعون عنه لسوريا.
ورفضت دمشق الانتخابات الكردية السورية، معتبرة إياها “مزحة”.