يبدو أن أكراد العراق مصرّون على إجراء استفتاء استقلال إقليمهم في موعده المقرر غدا، رغم الرفض الذي يبديه العراق ومخاوف الدول المجاورة والقوى الغربية من أن يؤدي إلى تقسيم البلاد وإشعال شرارة صراع عرقي وطائفي أكبر في المنطقة.وبينما قال رئيس كردستان العراق مسعود البرزاني أمام حشد جماهيري في أربيل بأنه ينبغي دفع أي ثمن من أجل الاستقلال بعيدا عن التبعية والاضطهاد، في إشارة واضحة إلى الالتزام بتنظيم الاستفتاء، جدد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي رفض بلاده “الثابت” لاستفتاء إقليم كردستان لعدم دستوريته، لافتا إلى أن “الأولوية هي للحرب ضد الإرهاب وتحرير كامل الأراضي العراقية”.
قال مكتب العبادي إن “رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي استقبل في مكتبه رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق يان كوبيتش”، مضيفا أن هذا الأخير هنأ بالانتصارات العراقية المتحققة على عصابات داعش الإرهابية في “عانة” و«الحويجة”.
وثمن رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق جهود هذا الأخير في حربه ضد الإرهاب، مؤكدا موقف الأمم المتحدة “الواضح برفض الاستفتاء في إقليم كردستان، وأهمية اللجوء إلى الحوار” .
وأضاف أن الإجماع الدولي “كان واضحا في بيان مجلس الأمن الدولي، الذي أبدى معارضته للاستفتاء الأحادي الجانب، لأن من شأنه زعزعة الاستقرار في المنطقة”، لافتا إلى أن “دول العالم متمسكة بسيادة العراق ووحدته وسلامة أراضيه”.
تحذيـــر تركـــي
من جانبه، قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إن الخطوات التي ستتخذها تركيا ردا على الاستفتاء المزمع على الاستقلال في المنطقة الكردية بشمال العراق ستكون لها أبعاد دبلوماسية وسياسية واقتصادية وأمنية.
وكان يلدريم يتحدث للصحفيين قبل جلسة للبرلمان التركي بعد ظهر أمس للتصويت على تمديد تفويض بنشر قوات تركية في العراق وسوريا.
وقال يلدريم ردا على سؤال عما إذا كان القيام بعملية عبر الحدود من ضمن الخيارات “إنها مسألة وقت عندما يتعلق الأمر بتنفيذ الخيارات الأمنية والاقتصادية والأمنية. تطور الأوضاع سيحدد ذلك”.
وتعارض تركيا التي تواجه تمردا انفصاليا كرديا على أراضيها بشدة استفتاء الاستقلال الذي تعتزم الحكومة المحلية للإقليم إجراءه غدا الاثنين.
وكانت تركيا قالت يوم الجمعة إن الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق سيهدد أمن تركيا وسيرغم أنقرة على فرض عقوبات على جار وشريك تجاري رغم أنها لم تحدد الإجراءات التي قد تتخذها.
وتعتبر تركيا منذ سنوات منفذ حكومة إقليم كردستان العراق إلى العالم الخارجي، وقد أقامت روابط تجارية قوية مع المنطقة شبه المستقلة التي تصدر مئات الآلاف من براميل النفط يوميا للأسواق الدولية عبرمرفأ جيهان التركي.
ومعلوم أم تركيا تخشى أن يعزز حصول أكراد العراق على استقلالهم طموحات الأقلية الكردية التركية التي تمثل ربع السكان في تركيا البالغ عددهم 80 مليونا.
في المقابل، يرى الأكراد أنهم أكبر قومية حرمت من دولة في العالم بعد أن ظلوا مشرذمين بين إيران والعراق وتركيا وسوريا إثر انهيار الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.
ويوجد العدد الأكبر منهم في تركيا حيث يخوض حزب العمال الكردستاني الانفصالي حركة تمرد سعت أساسا إلى إقامة دولة كردية منذ 1984.
كـــركوك والنفــط
رغم أنه غير ملزم، يرى كثير من الأكراد في الاستفتاء فرصة تاريخية لتقرير المصير بعد قرن من اتفاقية سايكس-بيكو التي رسمت فيها بريطانيا وفرنسا الحدود في الشرق الأوسط ووزعت 30 مليون كردي بين إيران وتركيا وسوريا والعراق.
ويهدد الاستفتاء بصراع عرقي في مدينة كركوك المنتجة للنفط التي تطالب بها بغداد وتقع خارج حدود كردستان المعترف بها، ويتألف سكان كركوك من عرب وتركمان لكنها تخضع لإدارة كردية.
ولطالما أعلنت تركيا عن مسؤولية خاصة في حماية التركمان، وبعض التركمان العراقيين شيعة .
هذا وتسببت التوترات بين حكومة كردستان وبغداد في تجميد إيرادات النفط التي يعتبرها الأكراد الدعامة الأساسية لدولتهم المستقبلية. ويتهم الأكراد منذ فترة طويلة بغداد بوقف مدفوعات الميزانية المخصصة للمنطقة بينما رفضت بغداد صفقات النفط التي أبرمها الأكراد دون موافقتها.
وقد يهدد صراع إقليمي إمدادات النفط من الحقول الواقعة في كردستان وفي شمال العراق والتي ينقلها خط أنابيب عبر تركيا إلى الأسواق العالمية.
الأكراد في الصين صوّتوا إلكترونيا
وفي الأخير يمكن الإشارة إلى أن المزاج العام يبدو مواتيا للاستفتاء لكن كثيرين خاصة من غير الأكراد قالوا إنهم يشكون في حكمة إجراء التصويت في الوقت الراهن.
وقالت كريمة عطية وهي عجوز عربية عاشت كل حياتها في كركوك “عشنا دوما في سلام ولا نريد مشاكل... لا أؤيد الاستفتاء”.
واكتسب البرزاني قوة على مدى أكثر من عقدين تجنب فيه شمال العراق الاضطرابات التي أثرت على باقي أنحاء البلاد.
ويحق لأكثر من 5.2 مليون شخص التصويت في الاستفتاء.
وقالت اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء في كردستان التي تشرف على التصويت إن الأكراد في الصين أدلوا بأصواتهم إلكترونيا في أول اقتراع في الخارج.