رغم أن أعلام كردستان بدأت تملأ شوارع مدينة أربيل استعدادا لاستفتاء استقلال الاقليم عن الدولة العراقية، إلا أن مظاهر الاحتفال تخفي مفاجآت المرحلة الأخيرة، إذ تتعالى الأصوات العراقية والدولية الداعية إلى إلغاء الاستفتاء أو على الأقل تأجيله، ما يجعل أمر تنظيمه أو تأجيله بمبرر أن الوقت غير مناسب، وأن الحكومة الكردية الحالية لا تمثل جميع الأكراد، غير محسوم.
لازالت الاصوات الداعية إلى تأجيل استفتاء كردستان تتعالى وبينها صوت مجلس الأمن الدولي الذي أعرب أعضاؤه عن قلقهم حيال الأثر المحتمل المزعزع للاستقرار نتيجة عزم حكومة إقليم كردستان العراق إجراء استفتاء للانفصال من جانب واحد خلال هذا الأسبوع.
وأشار أعضاء المجلس في بيان إلى أن الاستفتاء المزمع تنظيمه يوم الاثنين، سيُعقّد الوضع في الوقت الذي تجري فيه العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، التي لعبت فيها القوات الكردية دوراً حاسماً.
ولفت البيان إلى احتمال انتقاص الاستفتاء من الجهود الساعية إلى ضمان عودة آمنة وطوعية لأكثر من ثلاثة ملايين لاجئ ونازح.
كما أعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي عن احترامهم الدائم لسيادة واستقلال ووحدة أراضي العراق، وحث البيان على حل المسائل العالقة بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان العراق من خلال الحوار.
وكان المجلس الأعلى لاستفتاء استقلال إقليم كردستان قال في وقت سابق إن جميع البدائل المقدمة عن استفتاء الإقليم لا يمكن أن تحل محله، ولا تضمن ما أسمته “استقلال الإقليم”، وطالب ببدائل تضمن هذا الاستقلال حسب تعبيره.
وأضاف المجلس في بيان أصدره بعد اجتماع بحضور رئيس الإقليم مسعود البارزاني، أنه إذا “لم تصل القيادة الكردية بدائلُ تضمن استقلاله، فإن الاستفتاء سيجرى في موعده المحدد”، مضيفا أن المجلس أبقى على أبواب الحوار والمفاوضات مفتوحة مع بغداد وأعطاها الوقت اللازم والمطلوب.
فتح باب الدماء على مصراعيه
في المقابل، اتفق وزراء خارجية العراق وتركيا وإيران، أمس، على عدم دستورية استفتاء كردستان، محذرين من اتخاذ إجراءات مضادة بالتنسيق فيما بينهم، دون تحديد طبيعتها. وقال الوزراء إن الاستفتاء “يعرّض الانتصارات التي حققها العراق على حساب تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي لمخاطر جمة”.
كما قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن استفتاء كردستان مرفوض لأنه يخالف الدستور العراقي وفيه تجزئة وإضعاف للبلاد. وأوضح العبادي في لقاء مع مجموعة من السياسيين والصحفيين أن تغيير الحدود من طرف واحد بالقوة، يعني “فتح باب الدماء على مصراعيه”.
وأكدت الولايات المتحدة رفضها الشديد للاستفتاء، وقالت وزارة خارجيتها إن واشنطن تحث الزعماء الأكراد العراقيين على الدخول في مفاوضات مع الحكومة العراقية بدلا من ذلك. وتتبنى دول غربية أخرى موقفا مشابها، وتقول إنه يتعين على الأقل تأجيل الاستفتاء.
وحدة العراق من الثوابت
أعلن تحالف القوى العراقية وحزب الدعوة رفضهما لمبادرة رئيس الجمهورية فؤاد معصوم لحل أزمة استفتاء إقليم كردستان للانفصال لأنها تخالف الدستور الضامن لوحدة العراق، بينما حذر زعيم التيار الصدري الزعماء الأكراد من أن انفصالهم يعني الانتحار.
فقد أعرب تحالف القوى العراقية -الذي يضم القوى السياسية السنية- في بيان عن “استغرابه من مبادرة الرئيس معصوم التي تتعارض مع اليمين الذي أداه وامتازت بعدم الحيادية والتبرير لعملية الاستفتاء ولو بعد حين”.
وأكد التحالف موقفه الرافض لمبادرة الرئيس معصوم لأنها تتضمن إعطاء الحق للأكراد بإجراء استفتاء الانفصال في حال فشلت المفاوضات بين بغداد وأربيل .
من جانبه، قال زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر في رسالة للزعماء الأكراد، إن انفصالهم عن العراق يعني الانتحار. وأضاف في بيانه أن الشعب الكردي لا يدرك مدى الخطر المحدق به من جميع النواحي بسبب الاستفتاء.
وأهاب بأكراد العراق عدم التفاعل مع الاستفتاء، لأنهم سيكونون المتضرر الأول منه. وطالب الصدر الحكومة العراقية باتخاذ التدابير اللازمة لإنهاء ما وصفها بالمهزلة “وإلا فإن الأمور ستؤول إلى ما لا يحمد عقباه”. وقال الصدر في بيانه إن وحدة العراق من الثوابت وكل من يعمل ضد ذلك “فهو واهم”.
مسألة أمن قومي لتركيا
قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم إن استفتاء انفصال إقليم كردستان العراق مسألة تمس أمن تركيا القومي، وذلك بالموازاة مع عقد الرئيس رجب طيب أردوغان اجتماعين في أنقرة لبحث الخطوة الكردية التي يرفضها المجتمع الدولي باستثناء إسرائيل، والتدابير الممكن اتخاذها ومن بينها فرض عقوبات على إدارة الإقليم.
ودعا يلدرم في تصريحات صحفية إدارة كردستان العراق إلى عدم الخوض في ما وصفها بالمغامرة، مشيرا إلى أن قرار الاستفتاء لا يحظى بأي دعم دولي وجميع الدول تعتبر أنه استفتاء خاطئ ويجب عدم إجرائه.
وأشار رئيس الوزراء التركي إلى أن إدخال منطقة كركوك المتنازع عليها في استفتاء كردستان العراق كارثة، مؤكدا أن تركيا لا ترضى بأي مبادرة لتغيير الوضع الحالي في العراق وسوريا وستقوم بما يلزم للرد.