طباعة هذه الصفحة

”الشعب” تستطلع أحياء قسنطينة وأسرار المدينة الحالمة

التّرميم يراوح مكانه والاقتراحات العقيمة تغطّي العيوب

استطلاع / قسنطينة: مفيدة طريفي

المعالم التّاريخية والثّقافية تشوّهه والمدينة القديمة تستغيث

8 مكاتب دراسات ومقاولات لـ 27 موقعا أثريا والوضع باق على حاله

عائلات تعيش الجحيم والسويقة تستغيث

 

تعيش المدينة القديمة اليوم تحت تهديد الزوال والانهيار والقضاء نهائيا على تاريخ وتراث مدينة بأكملها، الصخر العتيق هذه المدينة التي تئنّ لخسارة أعتق مناطقها التاريخية، فبدءاً من الإهمال المقصود والفوضى التي طالت معالمها وأزقّتها القديمة التي تمثّل تاريخ مدينة بأكملها، وصولا إلى عمليات التّرميم المتوقّفة والمتمثّلة في 27 موقعا أثريا، والتي باشرتها قبيل التّحضير للتّظاهرة الثّقافية آنذاك 8 مكاتب دراسات ومقاولات محلية، هذه الأخيرة التي بإمكانها أن تخرج المدينة القديمة من خطر الزّوال والاندثار.

 أكّدت مكاتب دراسات ومقاولات محلية لـ “الشعب”، أنّ الوضع خطير ووضعية البنايات لن تصمد كثيرا في وجه الانهيارات، ولا يتحمّل الانتظار سيما وأنّ الأمر يتعلّق بالتراث المادي، هؤلاء الذين دخلوا في دوّامة التّساؤلات عن مصير هذا المشروع. وفي وزيارة ميدانية قامت بها “الشعب” للمدينة العتيقة، والتي وقفنا من خلالها على الوضعية المتردية التي آلت إليها رغم مشاريع إعادة الاعتبار التي برمجت بمناسبة احتضان قسنطينة للتظاهرة الثقافية والتي خصص لها مبالغ ضخمة قدّرت بـ 7.7 مليار دج لإعادة ترميمها، هذا في ظل تفاقم الانهيارات والإنزلاقات الخطيرة التي تعرفها دعامات البنايات، فضلا عن المعالم التاريخية على غرار الزوايا والمساجد، وكذا الحمامات والمواقع الأثرية التي تحوّلت بفعل الإهمال إلى أطلال وأوكار آمنة لكافة أنواع الانحراف الأخلاقي، وهو ما سيؤثّر مستقبلا بشكل سلبي على السير الحسن لعمليات الترميم، ويساهم في تشوّه الخريطة الأصلية للمدينة.

معالم أثرية تندثر وسياسة الإهمال واللاّمبالاة تحط بثقلها
 ومن خلال الجولة الاستطلاعية التي قادتنا للسويقة، استطعنا من خلالها أن نكشف الوضعية المتردية التي تتخبّط فيها المنطقة بما فيهم السكان القاطنين، الذين عبّروا لنا عن تخوّفهم اليومي من خطر الانهيارات المباغتة للبنايات الشاغرة التي تنهار بشكل يومي مخلّفة وراءها بقايا لبنايات عايشت كل الحقب الزمنية، ومثّلت بعاداتها وتقاليدها تاريخ وحضارة سكان مدينة الصخر العتيق، حيث وجدنا أنّ معظم البنايات هشّة، وتحوّلت بفعل توقّف عمليات الترميم بطريقة مفاجئة خاصة بعد تراجع الشركاء الأجانب عن مواصلة العمل بسبب غياب عقود قانونية، لتتفاقم الانهيارات وتتحوّل المناطق المرجو ترميمها إلى مجرد أطلال لا تصلح لهذه الأخيرة فما بالك للسكن، فالعائلات القاطنة تعيش أوضاعا مأساوية على الرغم من أنّ هذه البنايات كانت قد صنّفت لعمليات الترميم وإعادة الاعتبار، هذه الأخيرة التي تطرح العديد من التساؤلات، وعلى رأسها هل ستعرف السويقة طريقها؟


14عائلة بالسويقة تنتظر موتها أو خروجها من القبو
 فعلا لعمليات الترميم كغيرها من المدن العتيقة بالجزائر على غرار حي القصبة الذي تعرّض للترميم ويعتبر مثالا جيدا لعمليات استرجاع المناطق التراثية، وبدعوة من سكان المنطقة توجّهنا رفقتهم نحو عدد من البنايات المتضرّرة، والتي تقطنها عائلات يتملكها الخوف من الموت تحت الأنقاض بشكل يومي، متسائلين عن فوضى عمليات الترميم ومهزلة توزيع السكنات على قاطني حي السويقة، حيث أكّد لنا رئيس الحي الأكثر تضرّرا والذي يضم 14 عائلة والمتواجد بحي 11 نهج الإخوة حركات المتواجد أعلى السويقة، بأنّه يعاني وعائلته الأمرين جراء التشققات والتصدعات التي أصابت بنايتهم منذ وقت طويل، فضلا عن الانهيارات الكاملة التي مسّت الممرات الرئيسية المؤدية نحو الطوابق الأخرى، وهي الوضعية التي لم تتحرّك لها الجهات المعنية بملف إعادة الاعتبار.

 الاهمال والتّخريب يطالان الزّاوية الرّحمانية بحي ططاش
هذا فضلا عن منزل العلاّمة ابن باديس، الذي تحوّل إلى أكوام من النّفايات والرّدم التي جعلت من الموقع التاريخي والأثري يتحول إلى مجرد مكب للفضلات والفوضى التي خلّفتها الألواح والأعمدة الحديدية التي تم نصبها لعمليات الترميم. أما المواقع التاريخية التي تشتهر بها مدينة قسنطينة، نجد الزاوية الرحمانية المتواجدة بحي ططاش بلقاسم بوسط المدينة، التي تتعرّض للتخريب والإهمال منذ توقف عمليات الترميم، فضلا عن المواقع الأثرية التي تم اكتشافها، وتمّ إهمالها بطريقة تضمن اندثارها وسياسة الإهمال تضرب بالموروث التاريخي والثقافي بالمدينة الأقدم بالعالم، فضلا عن تراكم القاذورات بالقرب من أهم المواقع الأثرية بالمنطقة.

تتحوّل لأطلال مخيفة وأوكارا آمنة للأفعال المخلّة بالحياء
بعد التدهور الذي عرفته بنايات حي السويقة العتيق والتي تحولت بفعل التماطل وسياسة اللامبالاة إلى أماكن استغلت من طرف الغرباء، وتحوّلت إلى مجرد أوكار آمنة للأفعال المخلّة للحياء، وهي الوضعية التي أثارت استهجان سكان المدينة، ليلعب غياب الرقابة عن مثل هذه المواقع التي تصنف من المدن التاريخية والحضارية للمدينة التي تحتضر أمام عين المواطنين وصمت المسؤولين، الذين يماطلون إعادة إطلاق عمليات الترميم وإعادة الاعتبار للبنايات التي لا تزال تعاند خطر الانهيارات والتشققات اليومية، فالتردي والإهمال الذي تتعرض لها المدينة القديمة، وكذا التلاعب والبزنسة في الترميم الذي تأخر لسنوات، ويكاد يصبح دون جدوى في ظل معدل الانهيارات الحاصلة والتدهور الكبير في نسيج عمراني قديم ومتشابك ليتحول مشروع ترميم السويقة، التي ورغم الانهيارات لا تزال تعبّر عن حاضر ومستقبل سكان مدينة قسنطينة، إذ تجد الدكاكين الصغيرة التي تجد وسطها كل الأنتيكات القديمة وكل أنواع المحلات التقليدية، ذلك رغم الصعوبات والمشاكل التي يواجهها التاجر للإبقاء على جماليتها ورونقها الأصيل، حيث يقومون بترميم منازلهم ودكاكينهم باستعمال إمكانيات بسيطة تضمن لهم العمل والسكن إلى غاية معرفة ما ستؤول إليه الأمور، حيث أكّدت سابقا مصادر مطلعة لـ “الشعب”، أنّ الدراسة الخاصة بالتّرميم بلغت مرحلتها الأخيرة سيما مع عند انتهاء الدراسة، حيث أنّ المخطط سيضمن استراتيجية التكفل بإنهاء مشروع إعادة الترميم، هذا في ظل توفر أموال ضخمة للمدينة، حيث خصص حوالي 3000 مليار سنتيم لمتطلبات الدراسة وللأشغال الإستعجالية التي تطلبت 26 مليار سنتيم، وهي الوضعية التي مرت عليها سنة بأكملها ليبقى التساؤل يطرح ذاته حول الانطلاقة الفعلية لأشغال الترميم التي يشرف عليها ديوان مختص بعمليات الترميم.

سيرتا تضيع بين ملف التّحديث وعمليات إعادة الاعتبار
هي صفحة أخرى من صفحات تاريخ قسنطينة، وماض آخر يروي أصالة وتاريخ الصخر العتيق، فمن معاصرتها لحضارات تركت بصماتها على جدران وأزقة القصبة العتيقة، وكتابات روت لسكان القصبة عن عهود كان فيها الرومان والوندال والعثمان يصنعون التاريخ بالمدينة التي يعشقها كل من رأى جسورها المترامية بين أحضان الصخور وتتعالى عن واد الرمال بغرور طيور النورس التي تحلق بسماء قسنطينة، هي القصبة التي يعشقها سكان المدينة لجمالها ويجدون منها مكانا يعبر عن عادات وتقاليد أجدادهم، هي التي لا تختلف عن السويقة سوى لأنها منازل فردية منظمة ذات هندسة حديثة عكس السويقة التي تطبعها مظاهر الشعبية، فبدءاً من دار صالح باي المعروف بروعة الهندسة العثمانية أين وجدنا جدران المنزل منقوشة بآيات وصور من القرآن الكريم وأرضية مكسوة بالزليج الفخم، حيث أكّد لنا أحد السكان القدامى أن البناية شيّدت فوق مسبح روماني، وهي الآثار الفريدة التي تقف لحد الآن في وجه التهميش واللامبالاة من طرف الجهات المعنية بترميم مثل هذه المدن القديمة، هذا فضلا عن دار “الفرجيوي” التي لا تبعد كثيرا عن دار صالح باي هذه الأخيرة التي بنيت فوق خزان مائي سنة 1830 من طرف الرومان، فلدى دخولك لحي القصبة تلاحظ ومن الوهلة الأولى أصالة المدينة النائمة فوق خزانات مائية ضخمة التي استغلها سابقا العثمانيون، الذين اتخذوا منها عاصمة لهم حيث شيد قصر أحمد باي الذي تعرض لعملية ترميم مؤخرا لتسترجع به مدينة الصخر العتيق ماضيها وحاضرها، لنتوجه بعدها لدار الشيخ بن بادي سالت شيدت سنة 1700 و1800، والذي عاش فيها القاضي الأول “بن قارة علي” ذو الأصول التركية، لتتواصل القصص تتوارث عن هذه المدينة التي احتضنت عديد الحضارات وتركت حضارتها لسكان المدينة الذين لم يجدوا سبيلا لإنقاذها من الاندثار والزوال سيما في ظل الاهتمام بملفات التحديث والترحيل ووضع هذه الحضارة في مدرجات منسية، حيث أكّد سكان القصبة على الوضعية الخطيرة التي تعرفها البنايات، والتي برمجت سابقا للترميم حيث أنها تتعرض للانهيارات جزئية خطيرة تهدد حياة القاطنين بها، وكذا عن تاريخ هذه البنايات التاريخية.

سيرتا لا تبوح بأسرارها فالإهمال يلبسها إلى أخمص قدميها
فمدينة قسنطينة اليوم لا تنتظر أن تبوح لك بأسرارها، فالإهمال يلبسها من رأسها لأخمص قدميها، فبدءاً من التراجع الذي تغرق فيه مدنها القديمة وصولا إلى التلاعب الذي يعرفها ملف الترميم الخاص بها، فجل بناياتها التاريخية والتي زرنا عددا منها تعرّضت للانهيار التام، هذا في ظل ما يسمى بعمليات التّرميم.