لم يخرج نقاش ممثلي الشعب بالغرفة البرلمانية السفلى، لمخطط عمل الحكومة عن دائرة المألوف، إذ اغتنم النواب المناسبة لتجديد دعم برنامج رئيس الجمهورية، ومن خلاله مخطط عمل حكومة أحمد أويحيى، الذي عرضه أمس وتستمر مناقشته على مدى 3 أيام نظرا لتسجيل 290 تدخل، ولعل ما يميزه أن أحزاب المعارضة قررت المناقشة لتقديم وجهة نظرها، جازمة على لسان ممثليها بأن المقاطعة تتنافى ومهمتهم النيابية.
أفرد نواب الأحزاب السياسية الممثلة للأغلبية بالمجلس الشعبي الوطني، الحيز الأكبر من مناقشتهم لمخطط عمل الحكومة لتشخيص وضع اقتصادي ومالي صنفوه في خانة الحرج، كما توقفوا عند الاستقرار الاجتماعي والأمني الناتج عن مسعى المصالحة الوطنية، مثمنين المقترحات ومؤكدين دعمهم لمخطط مستمد من برنامج رئيس الجمهورية، فيما انتقد نواب المعارضة الإجراءات المتضمنة فيه كونها تقر حلولا ظرفية فقط على حد تعبيرهم، كما جزموا بأن اللجوء إلى التمويل غير التقليدي لا يكون فاعلا إلا في البلدان التي لها اقتصاد منتج.
وتركزت في مجملها على استرجاع المواطن الثقة، كما قدمت تشخيصا دقيقا عن الوضع الاقتصادي والمالي الصعب، فيما انتقدت المعارضة الحلول الظرفية التي اقترحتها وثيقة عمل الجهاز التنفيذي، أول متدخل عن حزب جبهة التحرير الوطني سي عفيف عبد الحميد، حرص منذ البداية على التأكيد بأن معرفة الوزير الأول بالواقع الصعب وتجربته تمكنه من إيجاد البدائل، مثمنا الخيارات التي تبناها المخطط تماشيا مع الأولويات التي تحددها المرحلة، وفي مقدمتها عدم اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، والحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة، وخلق الثروة ومناصب الشغل، وتوقيف تمويل المشاريع غير المجدية.
كما اعتبر سي عفيف أن مراجعة قانون النقد والقرض، يوفر الأدوات القانونية لرسم نمط جديد لتمويل الاقتصاد الوطني، كما أنه يمكن من إدخال الكتلة النقدية الموازية، وإن كانت الإجراءات مؤقتة، إلا أنها لا تقلل ـ حسبه ـ بأي حال من الأحوال من جهود الحكومة لإيجاد بدائل بهدف إرساء اقتصاد منتج.
وذهبت زميلته في التشكيلة نعيمة جيلالي عيسى في نفس الاتجاه، مؤكدة أهمية اعتماد مفهوم التخطيط والاستشراف على المدى البعيد، واعتبرت أن تحقيق نسبة نمو تتراوح ما بين 5 و7 بالمائة بات ضرورة، ونفس الأمر ينطبق على تحسين القدرة الشرائية بالتحكم في المواد الواسعة الاستهلاك، ولم تفوت المناسبة لتشيد بإجراء تخفيف العبء الجبائي على أصحاب المشاريع في قطاعي الفلاحة والسياحة.
وبالنسبة للنائب عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي صلاح الدين دخيلي، فإن القيمة المضافة التي حملها المخطط، أعادت الاعتبار لقيمة العمل والهيبة للدولة، ووجه بالمناسبة انتقادات لاذعة لبعض الأحزاب، معيبا عليها تسبيق مصالح حزبية اتخذت منها شماعة للابتزاز والمساومة، وتكتفي بالتحريض دون تقديم البديل رغم أن الأخير حق مكفول لها دستوريا.
من جهته بهاء الدين طليبة عن «الأفلان» شدد على ضرورة تجسيد إستراتيجية ناجحة في مناخ الأعمال، مقترحا تركيز الاستثمار فيما يغني الجزائر عن الاستيراد، وبالنسبة لمحمد قيجي عن «الأرندي» فإن استعادة الثقة المفقودة بين المواطن والحكومة، أكبر التحديات وتتوقف بدرجة كبيرة على تبني خطاب واقعي، وتحدث خالد رحماني عن «الأفلان» عن الظروف الحساسة المترتبة عن الوضع الاقتصادي الصعب، جازما بأن رئيس الجمهورية له القدرة على حماية الجزائر واستقرارها، وبدوره ثمن عدم اللجوء إلى الاستدانة الخارجية.
المعارضة حرصت على أن تكون حاضرة وتقول كلمتها وإن انتقدت المخطط، وكان أول تدخل لرمضان تعزيبت عن حزب العمال، الذي أكد بأن المخطط تضمن «تشخيصا خطيرا للوضع الاقتصادي والمالي الهش»، مؤكدا أن «الشعب يتساءل كيف وصلت البلاد إلى هذا الوضع»، مضيفا في السياق «لا يمكن لأحد إنكار الإنجازات التي تحققت في السنوات الأخيرة»، إلا أنه لا يفسر فراغ الخزينة حسبه، وانتقد تعزيبت عدم تطرق المخطط إلى «تغول رجال الأعمال، والفساد المعمم، ولوبيات تبييض الأموال»، كما لم يشر حسبه إلى تحصيل الضرائب التي تعادل قيمتها 12 ألف مليار دج، لم يتم تحصيلها.
من جهته، أكد رئيس المجموعة البرلمانية لحركة مجتمع السلم حمدادوش، في تصريح لـ «الشعب» على الهامش أن معارضة المخطط لا تمنع الحزب من مناقشته وحضور جلسة التصويت، مؤكدا أن المقاطعة ليست أسلوب عمل الحركة، وأبرز ما أعابه على المخطط أنه أعد في ظرف جد وجيز، كما أن المضمون لا يرقى حسبه إلى حجم التحديات، ولا يحوز على بدائل فعالة، كما أن الإجراءات تنطوي على مخاطر في إشارة إلى قانون النقد والقرض.
وذهبت النائب فطة السادات عن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية «الأرسيدي»، في نفس الاتجاه جازمة بأن المخطط جاء في وقت قصير، معتبرة أن ما جاء فيه مجرد اقتراحات ووعود وأماني، لا يمكن أن تكون حلا للخروج من الأزمة، وأكد جمال بهلول عن جبهة القوى الاشتراكية، بأن المخطط لا يشخص الوضع الحقيقي، وبأن الحلول للوضع الراهن تقدمها كل الطبقة السياسية، وإذا كان مراجعة قانون النقد والقرض حلا فعلا، لماذا لم يتم اللجوء إليه قبلا، وأوضح بأن نواب حزبه لن يقدموا مداخلات رغم حضورهم، وسيتم الاكتفاء بتدخل رئيس المجموعة البرلمانية فقط.