تعزيز الانقسام الداخلي يفتح المجال للأصوات المنادية بالتواجد الأجنبي
تغليــب منطــــق القــــوة علـى منطـق الحـوار يعمــــق الأزمـــــة
أوضح استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3 الدكتور أعراج سليمان بأن عودة داعش الإرهابي إلى ليبيا في هذه الأيام هو تهديد آخر سيعمق من الحلول الأمنية في المنطقة، خاصة بعد التحالف الذي تم بينها وبين جماعة بوكوحرام، بعد الضربات الأخيرة التي لقيها التنظيم الإرهابي في العراق وسوريا.
كما أكد في السياق ذاته بأن هناك أطرافا ما تزال تسعى إلى إطالة عمر الأزمة في ليبيا عبر تأمين المعابر والسلاح لإغراق ليبيا وضمان استمرارها، وتعقدها أكثر، وضمن هذا السياق فإن المسألة تخدم أكثر الفصيل المطالب برفع حظر التسليح عن الجيش الليبي، وفي حديثه لـ “الشعب” يبرز أعراج أهم بعض القضايا التي طرأت على المشهد الليبي المحلي والدولي.
الشعب: بماذ ا تفسرون عودة قوات حفظ السلام إلى ليبيا بعد خروجها من المشهد الأمني سنة 2014؟
د. أعراج سليمان: يمكن النظر للمسألة عبر فرضيتين أولها أن المجموعة الأممية تريد دعم السراج وأنصاره أكثر لخلق نوع من التوازن بين القوات الموالية له في طرابلس وبين قوات حفتر في بنغازي، هذا التوازن الذي يسعى المبعوث الأممي إلى بحثه من خلال التأكيد على أن تعدد المبادرات والمسارات من شأنها تشتيت الجهود حول الحل في ليبيا، خصوصا إذا ما أشرنا إلى الصراع والاختلاف الواضح بين روما وباريس حول إدارة ملف الأزمة في ليبيا عقب إعلان لقاء “سان كلو” في فرنسا، وتلك المساعي كلها تأتي من أجل خلق بيئة مواتية للتحضير لانتخابات في 2018 وضمان قبول نتائجها والإجماع حولها كما يقول المبعوث الأممي غسان سلامة في خطوة يمكن اعتبارها محاولة لتسريع وتيرة الحل في ليبيا، لوضع حد لتعدد المبادرات والمسارات السياسية للحل في ليبيا والتي اعتبرها مؤشرا سلبيا يساهم في تشتيت الجهود.
أما الفرضية الثانية فتتعلق بأن وجود قوات أممية في ظل حالة الفوضى والانفلات الأمني ستشكل مبررا لصعوبة التحكم في الأوضاع وتعزيز الانقسام الداخلي بما يفتح المجال للأصوات المنادية بالتواجد الأجنبي خصوصا وأن الفواعل الدولية تعول على اجتماع الأمم المتحدة القادم لتسطير خارطة طريق للحل في ليبيا والتي لا شك انها ستراعي تطورات الاوضاع الحالية بتعقيداتها المختلفة في ظل الاختلاف بين روما وباريس حول ليبيا. والتي تسعى فيه الأخيرة الى تهميش دور دول الجوار.
بماذا تفسرون تهديدات داعش وعودة الإرهابيين بشكل يثير أكثر من تساؤل؟
عودة الإرهابيين إلى ليبيا يفسر من خلال عدة نقاط، أولها مرتبط ببحث هذه التنظيمات عن بؤر توتر جديدة للنشاط، وفي إطار انتقال الإرهابيين من سوريا والعراق بعد تضييق الخناق عليهم، وبالتالي التوجه إلى ليبيا أو الالتحاق بجماعة بوكوحرام التي بايعت التنظيم الإرهابي داعش سابقا لإدامة استمرار التهديد الإرهابي لداعش لتشكل بذلك منطقة الساحل الإفريقي المحطة الثانية لتجربة التنظيم الإرهابي داعش بعد الشرق الأوسط، والمسألة الثانية تتعلق بأنه ما تزال هنالك دول تسعى إلى إطالة عمر الأزمة في ليبيا عبر تأمين المعابر والسلاح لإغراق ليبيا وضمان استمرار الأزمة وتعقدها أكثر، وضمن هذا السياق فإن المسألة تخدم أكثر الفصيل المطالب برفع حضر التسليح عن الجيش الليبي، كما يخدم الأمر أكثر الدول التي تسعى إلى دعم طرف على حساب الآخر في إطار بحث حلول الازمة الليبية، إذا ما تحدثنا عن فرنسا والقمة التي استضافت فيها المشير حفتر ورئيس مجلس الوفاق فايز السراج، ومن ذلك يمكن القول إنه ما تزال توجد مساعي ليبية ودولية لتبيان أن منطق القوة هو الخيار الوحيد لحل الأزمة الليبية، ويكون العمل على تبرير هذا المنطق سواء داخل ليبيا عبر تعزيز الفجوة بين الفصائل المتناحرة ودعم من يمتلك القدرة ميدانيا، أو خارجيا من خلال التدخل العسكري الأجنبي المباشر بمسمى إحلال السلام وحماية استقرار المنطقة وبالتالي تغليب منطق القوة على منطق الحوار.
ماهي قراءاتكم لقمة برازافيل حول ليبيا؟
قمة برازافيل تأتي تحضيرا من الاتحاد الإفريقي لمسودة قرارات يمكن أن يرفعها حول ليبيا إلى اجتماع الامم المتحدة الذي سيكون في نهاية الشهر وتأتي في ظل الاختلاف الواضح بين ايطاليا وفرنسا حول إدارة الازمة الليبية بعد أن أعرب ترامب عن دعوته لأوروبا لإيجاد حل للأزمة في ليبيا، كما يشكل الاجتماع محطة لاحتضان اجتماع المجلس الأعلى للدولة حول تعديل اتفاق السلام الليبي الموقع في 2015، وذلك في خطوة لخلق دعم إقليمي وإفريقي لليبيين من أجل استكمال تطبيق اتفاق السلام بصفة نهائية.
هذا وتشكل جهود دول الجوار يضاف إليها الجهود الإقليمية مبادرة إيجابية لصالح الليبيين وتأمين الظروف والبيئة الداعمة نحو المظي في الحوار والمصالحة.
فالواضح أن لمجهود الدولي ما يزال يسابق الزمن ويتجاذب أطراف الحل، في ظل استمرارية غياب الإجماع الليبي حول ضرورة المصالحة والاتفاق السلمي، وفي إطار أيضا تعنت حفتر والسراج وغياب المساهمة والحضور القوي لرؤساء القبائل الليبية، والانتشار الرهيب والفوضوي للسلاح الذي بات من الضروري على حكومة الوفاق أن تفكر بجدية في سبل جمعه، حتى وإن اقتضى الأمر شراءه ممن يمتلكه من الليبيين ضمن مشروع وطني لتنقية ليبيا من السلاح.
إعادة تفعيل دور الاتحاد الإفريقي لحلحلة القضية الليبية هل ينجح الاتحاد في لعب الدور الرئيس في ذلك؟
من شأن الجهود التي يقودها الاتحاد الإفريقي، قطع الطريق على المساعي الغربية المتصارعة حول ليبيا، وبالتالي إبقاء حالة الانقسام بعيدة عن بلوغ التأثير على الوضع في ليبيا، لكن المسألة تبقى مقرونة أيضا بإرادة الليبيين أنفسهم حول الإقرار بضرورة المصالحة وضرورة تقديم التنازلات من طرف كل فصيل للآخر لصالح الدولة الوطنية الليبية، وأهمية توحيد القوات المسلحة تحت مظلة جيش وطني ليبي موحد يخضع للسلطة المدنية.