تنطلق، غدا، وعدة الولي الصالح «سيدي غالم» بالقرية التي تحمل اسمه بأعالي جبل ماخوخ ببلدية طفراوي، جنوب وهران، حيث من المقرر أن تقام احتفالية شعبية كبيرة على هذه الأرض المجاهدة، المتشبّثة بثقافتها الأصيلة وحضارتها العريقة.
تدوم فعاليات «وعدة سيدي غالم» على مدار ثلاثة أيام كاملة، تخصّص خلال اليومين الأولين لتخييم أولاد سيدي غانم، واستقبال الضيوف، ومن المنتظر أن تعرف مشاركة قياسية يوم الخميس المنصرم لأعيان المدينة وعروشها وعديد الشخصيات الثقافية والسياسية والدينية وكذا الزوار والسياح من مختلف بقاع الوطن، يشتركون في إحياء هذه العادة المتوارثة منذ القدم وترسيخها لدى الأجيال.
وهي احتفالية متأصلة في جذور التاريخ، تقام بمجموعة من الأنشطة الدينية والفنية والثقافية، منها تقديم المدائح الدينية التي يشارك في أدائها عدد من أئمة المساجد، إضافة إلى الاستعراضات الفلكلورية وعروض الفروسية والفنتازية، يشارك فيها كافة سكان المدينة وضيوفهم من ربوع ولايات الوطن، على غرار تيارت وسيدي بلعباس ومعسكر وغليزان وتلمسان والبيض وغيرها من الولايات المشهورة بالفنتازيا وركوب الخيل.
لم تفوّت هذه التظاهرة الشهيرة كظاهرة إنسانية فرصة فتح المجال على الحرف اليدوية والصناعات التقليدية، وعلى رأسها الألبسة والحلويات الشعبية بمختلف ألوانها وأشكالها، من خلال تخصيص مساحات هامة لهذا الجانب الذي تتميّز به احتفاليات «سيدي غالم»، وذلك بمشاركة مكثفة من التجار المختصين.
وحسب السيد لحمر مجيد، من مواليد قرية سيدي غالم وإطار ببلدية طفراوي، فقد أسّس هذه الوعدة فلاحي المنطقة وسكانها للتعبير عن ابتهاجهم بنهاية الموسم الفلاحي وانتهاء عملية الحصاد وجمع الغلال، وذلك من خلال إقامة مؤدبات الغذاء الجماعية وغيرها من الممارسات والطقوس الاحتفالية، بغية تسويق منتجاتهم الزراعية والحيوانية، وعلى رأسها الماشية والحبوب.
مدّ جسور التلاقي والحوار بين أبناء الوطن الواحد
قال لحمر نقلا عن أجداده أن أبناء المنطقة وكبار العرش وشيوخ المدينة حافظوا على اجتماعهم إلى يومنا هذا في محيط مقام ضريح الولي الصالح تبركا وصدقة على روحه الطاهرة كما تهدف، حسب نفس المتحدث، إلى مدّ جسور التلاقي والحوار بين أبناء الوطن الواحد، ونشر قيم التعايش والتضامن خصوصا بين سكان المنطقة.
كما استغل هذه المناسبة لاستذكار المعركة الشهيرة التي قادها أبناء المنطقة ضد الاستعمار الفرنسي والتي تعرف بمعركة سيدي غالم، من بين أشهر المعارك التي دارت رحاها من 18 إلى 20 جويلية 1956 ولا تزال محفورة في الذاكرة الشعبية، بالنظر إلى الخسائر الفادحة التي تكبّدها المستعمر وردود الفعل الوحشية من قبل الجيش الفرنسي الذي تفنّن في ابتداع أقسى وأبشع طرق التعذيب والإبادة في حقّ سكان المنطقة.
من جانبه أشاد نائب رئيس المجلس الشعبي البلدي، السيد فاضل عابد بالدور البارز لشباب المنطقة في الحفاظ على العادات والتقاليد والقيم الثقافية والروحية لأجدادهم، من خلال تسابقهم لإقامة مؤدبات الغذاء الجماعية وتوفير كافة الظروف لضيوفهم، إلى جانب مشاركة شيوخ وأعيان «عرش الغوالم» في إصلاح ذات البين وحل النزاعات والمشاكل القائمة ما بين العائلات والجيران.
كما نوّه فاضل بأهمية مثل هذه التظاهرات الشعبية في»ترسيخ قيم وتعاليم تربوية واجتماعية وأخلاقية، أهمها التربية على الإيفاء بالوعود والتشبث بالأرض والتضامن والتعاون بين مختلف فئات المجتمع، وهو ما يتجلى واضحا من خلال مؤدبات الغذاء الجماعية وغيرها من التعبيرات المادية واللامادية على شكل فنون، رقصات، أهازيج، لباس وطقوس ومراسيم يشترك فيها الرجال والنساء، أطفالا وكبارا»...