الالتزام بأخلاقيات المهنة والتفرغ للتعليم بعيدا عن المطالب الاجتماعية
ينطلق اليوم الموسم الدراسي 2017/ 2018 بالتحاق 09 ملايين تلميذ، وأكثر من 500 ألف أستاذ ومساعد تربوي وإداريين تحت شعار «الجميع يتجند من أجل مدرسة مواطنة وذات جودة»، هذا الموسم الدراسي الذي لم يختلف كثيرا عن المواسم الدراسية السابقة لا نريد أن يكون تقييمه على معيار عدم وجود إضرابات أو التباهي والتفاخر بنسب النجاح لأننا نعتقد أن قطاع التربية والتعليم أسمى بكثير من هذه المعايير لكونه القاعدة الأساسية لبناء إنسان الغد وتلقينه مختلف القيم والمبادئ التي تجعل منه شخصا أو فردا سويا قادرا على خدمة الوطن والشعب وقول الحقيقة والتعامل بواقعية مع مختلف الملفات.
تراهن الوزارة هذا العام على الجانب البيداغوجي بالدرجة الأولى من خلال مواصلة التحسينات في القطاع بصدور 30 كتابا مدرسيا جديدا من بين 37 تخص أقسام الطور الثاني من التعليم الإبتدائي والمتوسط وكذا 6 كراريس للأنشطة. مع استحداث بطاقات مرافقة للتلاميذ تدخل في سياق الإستراتيجية الوطنية للمعالجة البيداغوجية، حيث سترصد النقائص والصعوبات خاصة في مادتي الرياضيات واللغة العربية. جاءت هذه المعلومات التي أعلنت عنها الوزيرة بن غبريت بمنتدى «الشعب» مؤخرا.
كما وضعت الوصاية ملف التكوين كأولوية لترقية المورد البشري مع التشديد على تعميم تعليم الأمازيغية وتحسين الحوكمة ورقمنة القطاع مع ترقية قيم المواطنة لدى التلاميذ من أجل تكوين جيل وطني غير معقد من تراثه ولا من قيمه من أجل الحفاظ على الهوية الوطنية في عالم باتت فيه الحروب الثقافية والانسلاخ والاغتراب الثقافي السمة البارزة عليه مع انتشار رهيب للعنف واستمالة الشباب نحو السلوكات غير السوية.
وبعد أن افتكت بن غبريت المكاسب فيما يخص التوظيف والترقية والفصل في بعض المناصب شددت على أسرة التربية أن تلتزم بميثاق أخلاقيات المهنة وتعهدها بالاندماج إيجابيا في سياق التفرغ لترقية جودة التعليم بعيدا عن المطالب الاجتماعية والمالية التي كانت دائما الفتيل الذي يشعل الإضرابات بينما لم نسجل ولا مرة أي إضراب حول تدني مستوى استيعاب التلاميذ أو المشاكل التي تهدد المدرسة الجزائرية.
التربية تبحث عن التخلص من الصراعات السياسية والأيديولوجية
ويجزم الكثيرون أن المنظومة التربوية أو المدرسة الجزائرية هي ثمرة ونتيجة سنوات طويلة من عدم الاستقرار على استراتيجية معينة وحتى التوجيهات السبعة التي شددت عليها الوزيرة بن غبريت في الندوة التي جمعتها بإطارات القطاع نهاية أوت المنصرم تعكس الوضعية المتأخرة لتطلعات المدرسة الجزائرية حيث كان تشديدها على ضرورة توفير في كل مؤسسة تعليمية التأطير البيداغوجي والإداري اللازم دليلا على أن الكثير من المؤسسات التربوية ستعاني من نقص في التأطير البيداغوجي والمدرسين، وهذا بعد أن بلغ عدد الأساتذة الذين أودعوا ملفات التقاعد 40 ألف أستاذ، وهو ما سيجعل استخلافهم أمرا صعبا للغاية.
فحتى مسابقات التوظيف والدورات التكوينية التي لم تتعد أياما لم تكن كافية لضمان تلك النوعية في تقديم الدروس وتلقين المعارف، فالوزيرة بن غبريط التي وجدت القطاع في منطقة اضطرابات شبيه بتلك التي تدخل فيها الطائرات مجبرة من أجل الهبوط بسلام.
وتعتبر التربية الوطنية من أبرز الملفات الشائكة منذ 1962 فما يحدث في القطاع من تحولات وتجاذبات وإضرابات واختلافات فكرية يعود إلى ما قبل الاستقلال حيث سعت فرنسا إلى طمس الشخصية ومحاربة مقومات الشعب الجزائري، حيث حاربت اللغة العربية والدين الإسلامي والمقومات التاريخية، ورغم ذلك بذل الكثير مجهودات كبيرة للحفاظ على مكاسب الأمة،ولكن كانت هناك حالات مقاومة شرسة تظهر عند الوصول لوضع اليد على الجرح.
وبدت الخلافات عميقة بعد الاستقلال حول قطاع التربية وانتشار الهوة بين الداعين لمحو الأمية وتشجيع التعليم ودمقرطته والذين دافعوا على ضرورة الحفاظ على نظام التعليم الفرنسي دون الخلط بين اللغة الفرنسية والاستعمار الفرنسي، وامتداد الصراعات بين مختلف التيارات الأيديولوجية حول استراتيجية التربية الوطنية وكيفية تسطير خطة لتدارك العجز في المؤطرين ورد الاعتبار للغة العربية ليست كمادة تدرس ولكن كأداة للتعليم من خلال تعميم التدريس بها وإدخالها على العلوم الدقيقة، ومازال شبح العربية يخيم على المدرسة الجزائرية حتى أن اختصاص الطب عرف حربا غير معلنة بين الداعين لتعريبها وبين الداعين للحفاظ على تدريسها بالفرنسية مع تكثيف تعليم اللغات الأخرى.
ويدفع قطاع التربية اليوم ثمن الاختلافات الجوهرية منذ الاستقلال من خلال تطبيق العديد من الاستراتيجيات التي لم تتواصل، وكانت في كل مرة ترجع إلى الصفر، وكان الثمن هو تضييع الكثير من الوقت وجعل التلاميذ فئران تجارب وجدوا صعوبات جمة في التأقلم مع التحولات التي كان يعرفها قطاع التعليم العالي وقطاع الشغل.
وبدأت مرحلة الإصلاحات الفعلية في سنوات السبعينات حيث برز وزير الشؤون الدينية والتعليم الأصلي الراحل مولود قاسم نايت بلقاسم الذي بنى استراتيجية تعتمد على تعميم التعليم بالعربية وتحديثها بالتركيز على تدريس العلوم الدقيقة ونجح في إرساء تعليم أصلي تمهيدا لتكوين جامعات. ولكن وبعد سنوات من مشروع مولود قاسم نايت بلقاسم وبروز تلاميذ المدرسة الأصلية لم يكتب له النجاح وتم توحيد أنظمة التعليم بعد ميثاق 1976، وهو ما اعتبر ضربة موجعة للتعليم الأصلي الذي راهن عليه مولود قاسم نايت بلقاسم من قبل لتكوين شخصية جزائرية نموذجية والتخلص من تبعات ما قامت به فرنسا الاستعمارية من محاولات طمس الشخصية الجزائرية.
وزادت متاعب التربية الوطنية بعد إقدام الرئيس الراحل هواري بومدين، على تعيين الراحل مصطفى لشرف على رأس الوزارة في 1977 وهو ما أحدث ردود فعل متضاربة خاصة بعد مواقف الرجل من اللغة العربية واختلاف نظرته واستراتيجيته لتطوير القطاع. فقام الراحل مصطفى لشرف بإرسال خبراء إلى تونس للإطلاع على تجربتها والتي كانت تعتمد على التعليم باللغة العربية والفرنسية أو ما يسمى التعليم المزدوج وهو النظام الذي نصح الخبراء التونسيون بتجنبه حسب ما أفادت به العديد من المصادر التي كانت تتابع الملف.
ولم يستقر القطاع على استراتيجية معينة في الثمانينات حيث نجحت الدولة في تعميم الحق في التعليم لكن على مستوى الجامعات لم تتمكن من بناء مؤسسات كبيرة جعلت نسب النجاح في مختلف الشهادات محدودا بسبب عدم القدرة على استيعاب العدد الهائل من التلاميذ وضيع الكثيرون الدراسة في الجامعة بحجة عدم وجود مقاعد بيداغوجية كافية وتواصل الأمر على ما هو عليه إلى غاية منتصف التسعينات، وهي الفترة التي تميزت بتراجع تطبيق الحق في التعليم بعد امتداد المد الإرهابي وحرمان فئات كبيرة من التعليم وخاصة الفتيات وعرفت العديد من المناطق النائية اغتيالات كثيرة في حق الأساتذة خاصة حادثة سيدي بلعباس أين تم اغتيال أساتذة بدم بارد ذنبهم الوحيد كان إصرارهم على تربية وتكوين الأطفال وتحضيرهم للمستقبل.
كما تم حرق الكثير من المدارس والثانويات بالمناطق التي عرفت توترا، وتم إجبار الكثيرين على قطع مئات الكليومترات يوميا لضمان مواصلة تمدرسهم قبل أن تعود الأوضاع إلى حالتها مع نهاية التسعينات.
إصلاحات بن زاغو ...أي تقييم ؟
نصبت السلطات سنة 2000 لجنة وطنية لإصلاح قطاع التربية وضعت على رأسها بن زاغو الذي قدم مقترحات عديدة أهمها تقديم تدريس الفرنسية إلى السنة الثانية ابتدائي مع تدريس الرياضيات من اليسار إلى اليمين وغيرها من المقترحات التي انقسمت الآراء حولها، فهناك من اعتبرها واقعية طالما أن التنوع اللغوي والثقافي والتفتح على العلوم الدقيقة بالفرنسية أمرا ليس عيبا، بينما نادى آخرون بضرورة الالتزام بتعميم التعريب وتطويره وجعله أداة تدريس ولغة عالمية لمنافسة اللغات الأخرى وتشجيع القيم الوطنية والتمسك بالهوية في ظل العولمة وتهديد الثقافات المحلية بالزوال.
ولكن وبعد مرور السنين لم يكن هناك تقييم فعلي لهذه الإصلاحات سوى الحديث عن ارتفاع نسب النجاح في مختلف الشهادات وهو الأمر الذي يعتبر غير كاف طالما أن المطلع على أحوال الجامعة يتساءل عن المستوى الهزيل للكثير من الطلبة وتحدث أساتذة عن كيفية نجاح هولاء في شهادة البكالوريا حيث انتشر الشك بين الجميع وبات الجميع يتساءل عن مصير المدرسة الجزائرية.
وما يزيد من حالات القلق والاحتقان هو انتشار المدارس الخاصة وسيطرة الدروس الموازية التي يقدمها أساتذة خارج أسوار المدرسة ليتأكد الجميع بأن المدرسة باتت نشاطا تجاريا وخرجت بالتالي عن الهدف الذي أنشأت من أجله، كما أن الجميع يتساءل عن سر إقدام الأستاذ على القيام بنشاطات موازية مقابل أموال طائلة تغنيه عن الأجرة الشهرية، وبين تبادل الاتهامات حول نشاط الدروس الخصوصية يتساءل الكثيرون عن الظروف السوسيومهنية للأستاذ وعن ضرورة توفير مستوى معيشي جيد حتى يتفرغ الأستاذ لمهنته النبيلة، وتنقل العديد من الشهادات عن ظروف قاهرة يعيشها الكثير من الأساتذة وما ملف السكنات الوظيفية، وطرد متقاعدي التربية للشارع إلا دليل على أن الأوضاع في القطاع بحاجة إلى وقت طويل قبل الانتقال للحديث عن الجانب البيداغوجي.
وتضاف لكل هذه المشاكل استقالة الأسرة وترك الأمور للتلفزيون والدروس الخصوصية وهو ما يخلق جوا متوترا لدى التلاميذ الذين باتوا يعبرون بالعنف عن مشاكلهم وهي الظاهرة التي باتت تهدد المدرسة وجعلت الوصاية تقترح حلولا أمنية لحماية المدرسة من هذه الظاهرة.في الوقت الذي يجب التفتح على الجامعة من أجل القيام بدراسات معمقة لمعرفة أسباب تدني الاستيعاب وانتشار العنف والسلوكات غير السوية.
وحتى حرمة المدارس باتت منتهكة من خلال إدخال أجهزة الهاتف النقال ونقل ما يجري في حجرات التدريس والتي باتت بدورها مادة إعلامية دسمة جعلت من قيمة المدرسة تتراجع في أعين الكثيرين في ظل الزحف التكنولوجي وتراجع أداء الكثير من المؤسسات التي من المفترض أن تقوم بالتنشئة الاجتماعية على غرار المساجد والجميعات ودور الثقافة والشباب.
وبين آمال الأولياء وطموح الوزارة وتطور المناهج وتأثير السياسة والتحولات الأخرى يبقى قطاع التربية مطالبا بتجاوز الصراعات والخلافات مع مرافقة القطاع الخاص، وضبط الدروس الخصوصية ومحاربة التسرب المدرسي والعنف للخروج بالمدرسة الجزائرية إلى بر الأمان وتأهيلها لتربية النشء وتكوين كفاءات للمستقبل.
إختلالات في الخارطة التربوية وأحياء دون مدارس بسيدي بلعباس
يلتحق اليوم 152588 تلميذ بمقاعدهم الدراسية بسيدي بلعباس، موزعين على 441 مؤسسة تربوية عبر الأطوار التعليمية الثلاثة، بعدد أفواج يزيد عن 5 آلاف فوج وبمعدل 30 تلميذ في الفوج الواحد، مع تسجيل زيادة في عدد التلاميذ مقارنة بالموسم الدراسي الماضي، حيث فاق عدد تلاميذ الطور التحضيري 10260 تلميذ و73160 تلميذ بالابتدائي و49495 بالمتوسط فضلا عن 19310 بالطور الثانوي.
تشهد الخارطة التربوية بسيدي بلعباس حالات من الإختلالات بعديد البلديات والدوائر بسبب انعدام التوازن في عملية توزيع التلاميذ بالمجمعات المدرسية، والمؤسسات التربوية حيث تشهد العديد منها حالات إكتظاظ خاصة في الطورين الإبتدائي والمتوسط، أين وصل عدد التلاميذ إلى أزيد من 40 تلميذ على غرار بلدية سيدي بلعباس بكل من أحياء سيدي الجيلالي، بن حمودة وهي الأحياء التي تشهد توسعا عمرانيا كبيرا، وكذا بلديات العمارنة، تلموني، سيدي علي بوسدي، بن باديس وبلعربي، الأمر الذي يتطلب إعادة رسم خارطة تربوية جديدة لها يحترم فيها التوزيع العمراني للسكان، ومراعاة الأحياء السكنية الجديدة التي تخلق أزمة متكررة للمدارس المحاذية لها.
لاحتواء الوضع وبصفة مؤقتة، تم وضع إجراءات وترتيبات لتجاوز مشاكل الإكتظاظ داخل المؤسسات أهمها اللجوء إلى نظام الدوامين بالطور الإبتدائي والأقسام الدوارة بالطور المتوسط، إضافة الوحدات، وكذا تعديل التقطيع الجغرافي وفتح الملحقات، أما بالأقسام التحضيرية والتي تعرف هي الأخرى اكتظاظا كبيرا بعديد البلديات فقد أعطيت تعليمات للتسجيل وفق الأفواج المفتوحة، ترتيب التلاميذ وفق تواريخ الميلاد ورفع التعداد في الفوج.
سيدي بلعباس: غ.شعدو