توسيــــع الثّـورة إلى ربـوع الجزائـــــر رهـان كسـب
نعود إلى الذكرى المزدوجة 20 أوت لما تحمله من أهمية في التاريخ الوطني، الذي يحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام به وتعريفه للأجيال. الذكرى تحمل قيمة في إنجاح الثورة الجزائرية التي غيّرت مجرى نضال الشعوب التواقة للحرية والاستقلال. التفاصيل في هذه الشّهادات الحيّة لمن عايشوا الحدث وكانوا صانعيه بالشمال القسنطيني.
«الشعب” بهذه المناسبة التاريخية سلّطت الضوء على الذكرى المزدوجة من خلال الحديث مع عدد من المجاهدين الذين عايشوا هجومات 20 أوت 1955، هي اليوم حقائق صارخة من أفواه صانعيها وشهادات حية لذلك اليوم المشهود، عهدنا إلى تسجيل وقائعها من ذاكرة أولئك المجاهدين الذين اقتحموا أسوار المدن في عز النهار، بسلاح أمضى ما فيه إيمان بعدالة القضية وعزم دافع على تلقين الاستعمار وأذنابه درسا آخر بعد عشرة أشهر من اندلاع الشرارة الأولى لثورة نوفمبرالمجيدة.
عمّي السعيد لوصيف.....ثائر لم تخنه الذّكريات
لوصيف محمد السعيد، مجاهد شجاع يعتبر من سكان قسنطينة القدماء، عايش تفاصيل الثورة وتأثّر بهجمات 20 أوت 1955، من مواليد 1934 بمنطقة واد زناتي، يعتبر من أهم المجاهدين بالناحية الثانية، “الشعب” التقت به بمتحف المجاهد ونقلت أهم الشهادات عنه.
تحدّث لوصيف بنشوة لنا عن أهم المحطات التي سبقت هجومات الشمال القسنطيني قائلا في هذا الشأن: “بعد تفجير الثورة ورغم العمليات العسكرية آنذاك من طرف المجاهدين والمسبّلين والفدائيين، كان هناك فراغ كبير مقارنة بما كان يحدث بالناحية الأولى الأوراس، والذي كان يعيش الحصار والتضييق العسكري من طرف العدو الفرنسي، ما جعل من الشهيد زيغود التفكير في عمل شيء مغاير بعيد كل البعد عن الهجومات العادية وتلفت النظر عن الأوراس، ليتم بعدها تلقي رسالة من طرف الشهيد شيهاني البشير نائب المنطقة الأولى بضرورة التنظيم لهجومات ضد فرنسا، لتنطلق حسبه التحضيرات للهجومات وفك الحصار عن الاوراس وإخراج الثورة من الريف للمدينة”.
وأضاف لوصيف: “شاركت في هجومات 20 ماي 1955 بواد زناتي رفقة رفقاء السلاح، حيث تم قتل عدد من الفرنسيين وتخريب الوسائل اللوجيستيكية للعدو على غرار شبكة الهواتف والجسور.
ومقابل هذا الانتصار الرائع لجنود جيش التحرير اضطرت القيادة العسكرية الفرنسية إلى تغيير خططها وبرامجها لمواجهة المجاهدين، فراحت ترتكب المجازر الرهيبة في حق أبناء الشعب الجزائري، من أجل إيقاف المد الثوري وفصل الجماهير الشعبية عن الالتفاف حول جيش التحرير الوطني، وبالرغم من الأعمال الإجرامية التي ارتكبها الجيش الاستعماري منها خاصة الإبادة الجماعية للسكان على مدى أسبوع كامل، فإن الثورة التحريرية من جهتها فرضت في الميدان واقعا معاكسا تماما لأحلام الاستعمار”.
بحسب لوصيف، فإن تحضير هجومات ٢٠ أوت إلى شهر جوان ١٩٥٥، حيث تمكّن القائد زيغود يوسف من الاجتماع بضباط المنطقة، وذلك في جبل الزمان من أجل ضبط قائمة الوسائل المادية التي يمكن استخدامها في تنفيذ عملية الهجوم، وبدأت مرحلة التجنيد والتعبئة في أوساط المدنيين إلى جانب جمع الأسلحة.
أستاذ التّاريخ الصادق مزهود...
الدكتور الصادق مزهود الأستاذ الجامعي المتخصص في الحركة الوطنية، ابن شهيد، شاهد على أحداث الثورة التحريرية، تحدّث لنا عن شهامة وبسالة البطل زيغود يوسف الذي يعتبر حسبه من القادة الأوائل الذين تشبعوا بالروح الوطنية الفذة، كان وطنيا إلى درجة النخاع متشبعا بأفكار جمعية العلماء المسلمين على رأسها العلامة عبد الحميد ابن باديس،انخرط في المنظمة السرية سنة 1947 برئاسة محمد بلوزداد، والذي كان أحد ركائزها.
الدكتور مزهود وقبل حديثه عن تاريخ 20 أوت تطرق إلى شخصية زيغود يوسف، مذكرا بأنه تحصّل على الشهادة الابتدائية باللغة الفرنسية واشتغل بمهنة الحدادة مع احد الحدادين الكولون، وهو “بول برنار” حيث كان شابا نشطا لا يتجاوز عمره 16 سنة، أصبح فيما بعد شريكا مع بول برنار بالحدادة، انخرط في الحركة الوطنية سنة 1938 أو حزب الشعب الجزائري الحزب الوحيد الذي كان ينشط آنداك رفقة لخضر بن طوبال، عمار بن عودة وعبد الحفيظ بوالصوف. كان رفيقا للبطل ديدوش مراد الذي كان مسؤولا عن المنطقة الأولى آنذاك وعوض مكانه عند استشهاده في 18 جانفي من سنة 1955.
واصل مزهود في الحديث عن زيغود قائلا لنا: “كان من الأوائل الذين تلقوا الرسائل من مصطفى بن بوالعيد، الذي حثه بضرورة إيجاد حل لفك الحصار عن منطقة الاوراس وبضرورة تعميم الثورة بكل ربوع الوطن، وهي الرسائل التي أسفرت عن تفكير زيغود مليا بهذه الهجومات ليتمكن بعدها رفقة قادة النواحي أمثال لخضر بن طوبال، مسعود بو جريو، علي كافي وغيرهم من قادة النواحي من ضبط تاريخ 20 أوت 55 لتنفيد الهجوم. تمّ اختيار 700 مناضل ممّن كانوا بجبهة التحرير الوطني في مختلف نواحي الشمال القسنطيني لتجنيد الجماهير لذلك”.
عن دلالة التاريخ أوضح الدكتور مزهود، أن زيغود يوسف بعد سلسلة من الاجتماعات بقادة النواحي قام بتحديد 29 هدفا شمل ثكنات عسكرية لفرنسا وثكنات للدرك الفرنسي بما يعادل 29 مركزا مستهدفا ولقن زملائه كلمة سر وهي “المفتاح”، وحث على نشرها بين المناضلين مع العلم أن كلمة المفتاح ترمز للمفتاح الذي صنعه من أجل الفرار من سجن عنابة، ليكون أول شخص يضع كلمة سر في الثورة الجزائرية، حيث كان كل مجاهد أو مناضل أو مسؤول يمر على تجمع إلا ويذكر كلمة السر.
أما بالنسبة لتنفيذ الهجومات، فقد حمل المشاركون بها الفؤووس والخناجير وكل الاسلحة البيضاء والأسلحة الأخرى، وقاموا بالهجوم على مدينة سكيكدة وكل بلديات قالمة وقسنطينة من الناحية الغربية وغيرها من النواحي، كان الهجوم يوم السبت على الساعة 12 نهارا.
قامت فرنسا خلالها بقتل ما يزيد عن ألف شهيد في مدينة سكيكدة في يوم واحد، كما قامت بحفر خنادق ودفن المواطنين بها وهم أحياء، حتى الأبرياء الذين قدموا من فرنسا نزولا من الباخرة عبر ميناء عنابة تمت إبادتهم على مستوى ملعب 20 أوت، وهو ما يفسّر الجنون الذي أصاب المحتل جراء ذلك واستمراره بالقتل لمدة أسبوع كامل.
لم تفرّق فرنسا في عملية الابادة بين الرجال والنساء ولا حتى الأطفال، فضلا عن قيامها بقتل 400 شخص بعين عبيد خلال يوم واحد، وهناك البعض من المجاهدين أكدوا أن العدد اكبر من ذلك لأن العمليات استمرت فيما بعد واستغل الإعلام الفرنسي حادثة قتل طفلين فرنسيين للقيام بالدعاية من أجل تشويه صورة الثورة الجزائرية لتلقى تضامن كبير من قبل الدول الأوروبية والحلف الأطلسي الذي كان متضامنا دائما مع فرنسا ضد الثورة الجزائرية.
10 آلاف شاب يلتحقون بالثّورة
أما بالنسبة لما حقّقته هجومات الشمال القسنطيني، فهي تمكّنت حسب الأستاذ من فك الحصار على الثورة في الأوراس، وساهمت الأخيرة في انتشار الثورة في الجزائر ككل، وتمكّن الشباب من الالتحاق بها، حيث تصوّر بعض الوثائق عدد الذين دخلوا جبهة صفوف جيش التحرير في تلك السنة أزيد من 10 آلاف شاب بعد شهر أو شهرين من الهجومات.
كما اعتبر الكثير من المؤرّخين الجزائريين يوم 20 أوت بمثابة نوفمبر الثاني وانطلاق الثورة التحريرية، أما على الصعيد الخارجي فتمكّنت الثورة الجزائرية من الحديث عن نفسها وفتحت مكاتب خاصة بجبهة التحرير الوطني بأوروبا، كما سرعت الأحداث بوضع القضية الجزائرية على طاولة الأمم المتحدة لأنها أصبحت ثورة فعلا، وتمكّن خلالها الجزائريون من القيام بالعديد من العمليات العسكرية والمعارك عبر الوطن بالتالي كان لها صدى كبير جدا.
بو لحليب السعيد مجاهد حكم عليه بالإعدام في شهادات مثيرة
بو لحليب السعيد، مجاهد شجاع، يعتبر من سكان قسنطينة القدماء، عايش تفاصيل الثورة وتأثّر بهجمات 20 أوت 1955، وانضم بسببها لجيش التحرير الوطني، من مواليد سنة 1936 بقسنطينة، يعتبر من أهم المجاهدين بالمدينة، قال لـ “الشعب”:
«كنت في سن التاسع عشر طالبا قبض عليه بالقرب من مسكننا العائلي بباب القنطرة من طرف عسكريين، حاصروني عندما أطلقوا صافرة الطوارئ والاستنفار التي سادت بعد انطلاق الهجومات، حيث تقرر قتلي من قوات العدو إلا أنهم أطلقوا صراحي بعد أن تبين لهم أنني مجرد طالب ولا علاقة لي بالأحداث الجارية وقتها، حيث رجعت إلى منزلي ولدي أحاسيس غريبة بسبب هذه الأحداث التي أثّرث في أكثر، وهو ما جعلني إتصل بالشهيد الحسن بن جاب الله وقلت له أنّني أريد الانخراط في الثورة”.
توقّف بولحليب وهو يحرص على عدم نسيان أية تفاصيل في مساره النضالي قائلا لنا: “هنا بدأت النضال بعد أن سلمني مركز سيد أحمد بو معزة السلاح وأصبحت من الفدائيين حيث نفّذت عديد العمليات منها جلب الأدوية، إضعاف اقتصاد فرنسا بتفجير وحدة باستوس للسجائر وغيرها من العمليات حتى قبض علي في 13 ديسمبر 1956، تمّ تعذيبي وحكم علي بالإعدام، سجنت بالقصبة وشهدت عمليات إعدام الكثير من الأبطال، نقلت إلى سجن باتنة حتى الاستقلال سنة 1962، وكتب لي العيش والاستمتاع بنشوة الحرة والانعتاق.