طباعة هذه الصفحة

المؤسســات الوطنيــة لحقــوق الإنســـان في الجزائــر

”من المرصد الوطني لحقوق الإنسان إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان”

بقلم الدكتور خالد حساني أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان عضو مخبر حقوق الإنسان في الأنظمة الدولية المقارنة، جامعة الجزائر 3

الحلقـة الأولى

لقد طرحت مسألة إنشاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان لأول مرة عام 1946 من طرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لهيئة الأمم المتحدة، كما شجّع المجلس في عام 1960 الحكومات على إنشاء تلك المؤسسات، ليتم بعدها إجراء العديد من المناقشات حول هذا الموضوع ، وذلك إلى غاية عام 1978 حينما عقدت لجنة حقوق الإنسان مؤتمر جنيف تمّ من خلاله التصديق على مجمل المعايير المتعلقة بسير عمل تلك المؤسسات وبنيانها، وقد قامت لجنة حقوق الإنسان سابقا في عام 1991، بتنظيم ورشة عمل مع مؤسسات وطنية والدول، والمنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية بهدف تحديد دور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وتكوينها والمبادئ التي تقوم عليها وذلك بالعاصمة الفرنسية باريس، إذ تمّ التصديق على هذه المبادئ في أكتوبر 1991، وأقرتها على التوالي لجنة حقوق الإنسان بموجب القرار رقم 54 / 1992، والجمعية العامة بموجب القرار رقم 134 / 48 الصادر بتاريخ 20 ديسمبر 1992.

هذا، ونشير أن “مبادئ باريس” تقوم على مجموعة من المعايير التي يجب على المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان مراعاتها، إذ يجب أن تتمتع هذه المؤسسات بالولاية الواسعة في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وأن يكون لها إدارة مستقلة عن الحكومة، ومتمتعة بالاستقلالية التامة لها في مجالها القانوني والتنفيذي والمالي، مع توافر عملية اختيار أو تعيين شاملة وشفافة لأعضائها، إلى جانب وجود الموارد المالية الوافية للنهوض بواجباتها، مع منحها الصلاحيات الكافية للتحقيق والنظر في أية مسألة بحرية تقع ضمن ولايتها.
إن المؤسسات الوطنية تعتبر من بين الآليات الفعالة في حماية حقوق الإنسان وترقيتها، وقد عرفت هذه المؤسسات دورا كبيرا غداة مصادقة الجمعية العامة على القرار رقم 134 / 48 بتاريخ 20 ديسمبر 1993، والمتعلقة بالمؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان والتي تتضمن في ملحقها جملة من المبادئ المتعلقة بالقوانين الأساسية لهذه المؤسسات والدور الذي يمكن أن تضطلع به في هذا المجال.
ومع ذلك، يجدر الذكر أن الجزائر سبق لها أن قامت بإنشاء آليات وطنية استشارية لحماية حقوق الإنسان تتمثل في المرصد الوطني لحقوق الإنسان وذلك قبل تبني قرار الجمعية العامة رقم 134 / 48 (1993)، ثم أنشأت فيما بعد اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها لتحلّ محل المرصد الوطني، وأخيرا المجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة استشارية جديدة، والذي جاء ليعزز الإصلاحات التي باشرتها الجزائر من أجل تعزيز ودعم منظومة الحقوق والحريات، عقب التعديل الدستوري الذي أقره البرلمان المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا بتاريخ 7 فيفري 2016؛ لذا فإننا سندرس ضمن هذا المقال المؤسسات الوطنية لحماية حقوق الإنسان في الجزائر، حيث نبحث في مضمونها ودورها في حماية حقوق الإنسان وترقيتها.
أولا: المرصد الوطني لحقوق الإنسان
قامت الجزائر باستحداث عدة هيئات وطنية تختص بحماية حقوق الإنسان، وهذا في إطار سعيها لتنفيذ التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، ومن بينها الوزارة المنتدبة لحقوق الإنسان التي أنشئت بموجب المرسوم الرئاسي رقم 91-198 الصادر في 18 جوان 1991 والذي يتضمن تعيين أعضاء الحكومة.
كما تمّ لاحقا إنشاء المرصد الوطني لحقوق الإنسان الذي أوكلت إليه مهمة مراقبة وبحث وتقويم مدى احترام حقوق الإنسان، وقد تمّ إنشاء المرصد بموجب المرسوم الرئاسي رقم 92 - 77 المؤرخ في 22 فبراير 1992.
1/ تشكيلة المرصد الوطني لحقوق الإنسان
يعتبر المرصد الوطني لحقوق الإنسان جهازا للمراقبة والتقويم في مجال احترام حقوق الإنسان، وهو كذلك مؤسسة مستقلة تمتع بالاستقلال الإداري والمالي، وهو جهاز وضع لدى رئيس الجمهورية حامي الدستور وحريات المواطنين الأساسية، بمعنى أن المرصد هيئة تابعة مباشرة لرئاسة الجمهورية، وقد أنشئ في ظروف سياسية و أمنية خاصة عرفتها الجزائر في تلك المرحلة بهدف حماية وترقية الحقوق والحريات العامة للمواطن الجزائري.
يتم اختيار أعضاء المرصد الوطني البالغ عددهم ستة وعشرون (26) عضوا من ضمن المواطنين المعروفين بالاهتمام الذي يلونه للدفاع عن حقوق الإنسان وحماية الحريات العمومية، حيث يقوم رئيس الجمهورية بتنصيبهم بعد تعيينهم حسب الكيفيات التالية:
- أربعة (4) أعضاء يختارهم رئيس الجمهورية،
- أربعة (4) أعضاء يختارهم رئيس المجلس الشعبي الوطني،
- عضوان (2) يختارهم رئيس المجلس الدستوري،
- عضو واحد (1) تختاره المنظمة الوطنية للمجاهدين،
- عضو واحد (1) يختاره المجلس الإسلامي الأعلى،
- عضو واحد (1) يختاره المجلس الأعلى للقضاء،
- عضو واحد (1) تختاره النقابة الوطنية للمحامين،
- اثني عشر (12) عضوا، منهم ست (6) نساء، تعينهم الجمعيات ذات الطابع الوطني والتي تعنى بحقوق الإنسان.
 ويتم تعيين أعضاء المرصد الوطني لحقوق الإنسان لمدة أربع (4) سنوات، يجدد نصفها كل سنتين، حيث يختار الأعضاء من بينهم رئيسا ونائبا للرئيس، و يمكن أيضا المرصد أن يعين مراسلين جهويين، ويتعين بأي مختص أو خبير.
2/ مهام المرصد الوطني لحقوق الإنسان
يعدُّ المرصد الوطني لحقوق الإنسان جهازا للمراقبة والتقويم في مجال احترام حقوق الإنسان، ويتولى، طبقا للمادة السادسة (06) من المرسوم الرئاسي رقم
92 - 77، على الخصوص، المهام التالية:
- يقوم بكل عمل للتوعية بحقوق الإنسان،
- يؤدي كل عمل عندما يلاحظ إخلالات ما بحقوق الإنسان أو يخطر بذلك،
- يقدم حصيلة سنوية عن حالة حقوق الإنسان، ترسل إلى رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الشعبي الوطني، وتنشر بعد شهرين (2) من ذلك بعد تصفيتها من القضايا التي كانت محل تسوية.
لقد أصدر المرصد الوطني لحقوق الإنسان منذ إنشائه خمس تقارير سنوية، بداية من تقرير عام 1994 الذي خصص لحق المواطنين في الحياة والانعكاسات التي تخصّ حقوق الإنسان والإجراءات الأمنية والتشريعات الخاصة المترتبة عن هذه الوضعية، كما ناشد التقرير الثاني الصادر عام 1995 ضمير الجميع لاحترام حقوق الإنسان، حيث تضمن أرقاما حول المساس بالحق في الحياة وأمن الممتلكات والأشخاص وكذا التعسفات المسجلة عند تطبيق القوانين، بينما أعطى التقرير الصادر عام 1996 حصيلة عن انتهاكات الحق في الحياة و المساس بأمن الأشخاص والممتلكات، وهو ما جاء تقريبا في تقرير عام 1997 مع تزايد الأعمال الإرهابية وانتهاكات حق الحياة، وبالمقابل تضمن التقرير الصادر عام 1999 مسألة المفقودين التي يقترح فيها معطيات رقمية لتقييم المشكلة، علاوة على ذلك، فإن كل التقارير التي يصدرها المرصد تتضمن جزءا خاصا بأعماله في مجال حماية حقوق الإنسان وخاتمة عامة للتوصيات التي يعتبرها المرصد ضرورية لحماية الحقوق والحريات العامة في الجزائر.
ثانيا: اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها
بهدف تطوير النظام المؤسساتي لحماية حقوق الإنسان في الجزائر، فقد تمَّ إلغاء المرصد الوطني لحقوق الإنسان وحله بموجب المرسوم الرئاسي رقم 01 -71 المؤرخ في 25 مارس 2001، وحلّت محله لجنة جديدة هي اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، وتعد اللجنة جهازا ذو طابع استشاري للرقابة والإنذار المبكّر والتقييم في مجال حقوق الإنسان.
كما صدر الأمر رقم 09 - 04 المؤرخ في 27 أوت 2009 يتعلّق باللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، والذي نصّ على أن تحدّد مهام اللجنة وتشكيلتها وكيفيات تعيين أعضائها وكذا سيرها بموجب مرسوم رئاسي، ثم صدر المرسوم الرئاسي رقم 09 - 263 المؤرخ في 30 أوت 2009، يتعلق بمهام اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان وحمايتها، وتشكيلتها وكيفيات تعيين أعضائها وسيرها.
تتولى اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، دور الرقابة والإنذار المبكّر والتقييم في مجال احترام حقوق الإنسان، بمعنى أن اللجنة مؤسسة وطنية رسمية تضطلع بمهمة رقابة وتقييم وضعية حقوق الإنسان في الجزائر، كما تقدّم تقريرا سنويا عن حالة حقوق الإنسان في الجزائر، وتعد اللجنة مستقلة، وتوضع لدى رئيس الجمهورية، حامي الدستور والحقوق الأساسية للمواطنين والحريات العامة، وهي تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي.
1/ تشكيلة اللجنة وكيفية تعيين أعضائها
سنقوم بإبراز تشكيلة اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها في نقطة أولى، ثم نبرز اختصاصاتها في نقطة ثانية.
أ/ تشكيلة اللجنة
 تؤسس تشكيلة اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها وتعيين أعضائها على مبدأ التعددية الاجتماعية والمؤسساتية، حيث تتشكل من ممثلين عن الهيئات العمومية، كرئاسة الجمهورية، مجلس الأمة، المجلس الشعبي الوطني، المجلس الإسلامي الأعلى، المجلس الأعلى للغة العربية، المحافظة السامية للأمازيغية، المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، والمجلس الوطني للأسرة والمرأة.
كما تتشكل اللجنة أيضا، من أعضاء يمثلون المنظمات الوطنية والمهنية والمجتمع المدني كالمنظمة الوطنية للمجاهدين (عضو واحد)، المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا للعمال (عضوان)، الهلال الأحمر الجزائري (عضو واحد)، الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين (عضو واحد)، المجلس الوطني لأخلاقيات الطب (عضو واحد)، المجلس الوطني لأدبيات وأخلاقيات الصحافيين (عضو واحد)، المجلس الوطني للأشخاص المعوقين (عضو واحد)، علاوة على إثنا عشر (12) إلى ستة عشر (16) عضوا، نصفهم من النساء، بعنوان الجمعيات ذات الطابع الوطني الناشطة في مجال حقوق الإنسان.
إضافة إلى ذلك، فإن اللجنة تتشكل أيضا من ممثلين عن مختلف الوزارات التي لها صلة بحقوق الإنسان؛ كوزارة الدفاع الوطني (عضو واحد)، وزارة العدل (عضو واحد)، وزارة الداخلية والجماعات المحلية (عضو واحد)، وزارة الشؤون الخارجية (عضو واحد)، وزارة التربية الوطنية (عضو واحد)، الوزارة المكلفة بالشباب (عضو واحد)، الوزارة المكلفة بالصحة (عضو واحد)، الوزارة المكلفة بالاتصال (عضو واحد)، الوزارة المكلفة بالثقافة (عضو واحد)، الوزارة المكلفة بالعمل والحماية الاجتماعية (عضو واحد)، والوزارة المكلفة بالتضامن الوطني (عضو واحد)، مع الإشارة أنه يمكن لممثلي رئاسة الجمهورية وكذا ممثلي الوزارات المشاركة في أشغال اللجنة بصفة استشارية وبدون صوت تداولي.
ب/ تعيين أعضاء اللجنة
يتم اختيار أعضاء اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها من بين المواطنين ذوي الكفاءات الأكيدة والأخلاق الرفيعة والمعروفين بالاهتمام الذي يولونه للدفاع عن حقوق الإنسان وحماية الحريات العامة، وذلك بموجب مرسوم رئاسي بناء على اقتراح المؤسسات الوطنية وجمعيات المجتمع المدني ذات الطابع الوطني التي يتصل موضوعها بحقوق الإنسان، ويعين كذلك رئيس اللجنة من قبل رئيس الجمهورية بموجب مرسوم رئاسي، حيث يتم تنصيب رئيس وأعضاء اللجنة لعهدة مدتها أربع (4) سنوات قابلة للتجديد.
غير أنه تجدر الإشارة إلى أن المادة الرابعة (4) من المرسوم الرئاسي رقم 09 - 263 ميَّزت بين فئتين من أعضاء اللجنة؛ حيث تُعَيَّن الفئة الأولى منهم عن طريق مرسوم رئاسي بناء على اقتراح من الهيئات التي يمثلونها، ويتعلق الأمر بممثلي رئاسة الجمهورية ومجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني.
 أما الفئة الثانية من الأعضاء، فيتم تعيينهم بموجب مرسوم رئاسي، لكن بعد أخذ رأي لجنة تضم الرئيس الأول للمحكمة العليا (رئيسا)، رئيس مجلس الدولة (عضوا)، ورئيس مجلس المحاسبة (عضوا)، ويتعلق الأمر ببقية الأعضاء الذين يمثلون الهيئات العمومية والمنظمات الوطنية والمهنية والمجتمع المدني وكذا ممثلي الوزارات.
هذا، ونشير إلى أن المادة 13 من المرسوم الرئاسي رقم 01 - 71 تنص على أن اللجنة تصادق على نظامها الداخلي الذي يحدد كيفيات تنظيمها وعملها، وبناء على ذلك، صدر المرسوم الرئاسي رقم 02 - 47 المؤرخ في 16 يناير سنة 2002، يتضمن الموافقة على النظام الداخلي للجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، حيث نصّت المادة الثانية منه أن أعضاء اللجنة لا يمثلون في إطار نشاطاتهم داخل اللجنة، المؤسسات أو الجمعيات التي عيّنوا بعنوانها باستثناء الأعضاء ممثلي الوزارات، كما أن كل عضو في اللجنة ملزم بمراعاة الحقوق والواجبات المحددة في النظام الداخلي للجنة، كالعضوية في إحدى اللجان الفرعية الدائمة، تقديم الملفات أو التوصيات التي تندرج في إطار مهام اللجنة، ويتمتع الأعضاء أيضا بالحماية من التهديد أو الإهانة أو السب أو القذف أو الاعتداء، مهما تكن طبيعتها التي قد يتعرضون لها بمناسبة أداء مهامهم.
كما يلتزم أعضاء اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها بالواجبات الآتية:
- التعهد بالدفاع عن حقوق الإنسان وترقيتها،
- التضامن في تنفيذ توصيات اللجنة،
- المشاركة الفعلية في تطبيق برنامج عمل اللجنة،
- الحفاظ على سرية المداولات والملفات المدروسة،
- مراعاة واجب التحفظ،
- احترام أحكام النظام الداخلي،
- عدم استعمال صفة العضوية لأغراض تتنافى ومهام اللجنة.