وضع وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية نور الدين بدوي، أمس، خارطة طريق لولاة الجمهورية الجدد لتسيير المرحلة المقبلة، تتضمن أربعة عناصر، ترتكز على تنمية روح المقاولاتية والمبادرة خدمة لاقتصاد فاعل ومتطور، تحقيق إدارة عصرية مبدعة متفتحة خالية من الممارسات والتعقيدات البيروقراطية، تعزيز ديمقراطية شفافة أكثر تجذرا تستجيب لتطلعات الشعب الجزائري وتتطابق مع مقوماته وثوابته الوطنية، ووضع إدارة يقظة متواصلة مع المواطن ومصغية لكل انشغالاته ومتفاعلة معه.
أمر بدوي، خلال إشرافه على تنصيب ولاة الجمهورية الجدد بقصر الأمم نادي الصنوبر، أن تكون خارطة الطريق «دليلا» يعمل به الولاة لتحقيق الأهداف المسطرة باحترافية ومهنية، داعيا إياهم إلى إحداث «القطيعة» مع الممارسات السابقة والتخلي عن منهجية العمل «القديمة»، فـ«الثقة» التي منحها رئيس الجمهورية لهم «لا تقف عند متابعة المشاريع بل هي أوسع من ذلك، وتقتضي وضع المواطن في صلب إستراتجية الإدارة الإقيليمة ومركز اهتماماتها، للاستجابة لتطلعاته وتحسين مستوى معيشته، وإشراكه في الخيارات المتعلقة بالتنمية المحلية».
في رأي بدوي، فإن الولاة الجدد أمام تحد «شخصي» لوضع بصمتهم على مسار تنمية الولايات، وقدراتهم على محك تعبئة الطاقات المحلية والنهوض بها من خلال مسارات مبدعة قوامها العمل المنتج، خاصة وأن حركة التغيير في هذا السلك جاءت مواكبة لبرنامج الحكومة الجديد المصادق عليه مؤخرا، في ظل معطيات اقتصادية خاصة، تفرض الإسراع في الانتقال بالبلاد من نموذج اقتصادي ممول أساسا من الموارد النفطية إلى نموذج متنوع مبني على المبادرة الحرة المنتجة والخلاقة للثروة، وهي الديناميكية الجديدة التي تفرض ـ كمال قال - «مراجعة النفس والتخلي عن مناهج عمل قديمة تجاوزها الزمن، وتقتضي اعتناق منهجية اقتصادية مقاولاتية جديدة، يكون فيها الولاة أعوانا اقتصاديين بأتم معنى الكلمة، لا يدخرون أي جهد من أجل تثمين مكنونات الأقاليم الاقتصادية وتعبئة القدرات الاستثمارية التي تزخر بها».
ذكّر بدوي بقرار الحكومة المنبثق عن المجلس الوزاري المصغر المنعقد بتاريخ 11 جويلية 2017، والمتعلق بوضع اللبنات الأولى لإعادة بعث العقار الصناعي، وعملا بقرار الوزير الأول القاضي بإنشاء لجنة وزارية مشتركة بهذا الشأن لدى وزارة الداخلية، يتعين على الولاة « توطين أكبر عدد ممكن من الاستثمارات الناجحة بعيدا عن العادات البيروقراطية »، وتوفير العقار الصناعي المهيأ لاستقبال استثمارات اقتصادية محلية محفزة للتنافسية، وايلاء الأهمية لهذا الملف لتحقيق الأهداف المسطرة له في أقرب الآجال، لأن « هذا التوجه ليس خيارا اقتصادا من بين خيارات أخرى بل هو خيار وحيد لا محيد عنه».
كما وجه رسالة للمجالس الشعبية البلدية المقبلة لكي تتحمل مسؤوليتها هي الأخرى وتتجاوب مع الوضع الجديد بوعي وفاعلية وتعمل على تحسين الإطار المعيشي لمواطنيها وتستقطب الاستثمارات المنتجة.
وأوصى بدوي الولاة بعدم التقليل من حجم الإنجازات والمكاسب التي تحققت في عهدة من سبقوهم، فأحسن وسيلة للتقدم –كما قال- هي تحصين ما تم بناؤه والعمل على استكماله وتطويره، كما طالبهم بجعل المجالس الولائية «إطارا حقيقيا لتدارس أمهات الأمور في الشأن المحلي والخروج بحلول ناجحة تندرج في صميم السياسات العامة للحكومة وليس مكانا لعقد اجتماعات روتينية لتجميع المعطيات الإحصائية أو قراءة تقارير دورية».
تهيئة كل الظروف لإنجاح محليات 2017
استكمالا لوضع النصوص القانونية والتنظيمية المجسدة لمبادئ المراجعة الدستورية التي قام بها رئيس الجمهورية في إطار تعزيز البناء الديمقراطي للدولة، صونا للحريات الفردية والجماعية، وضمانا لحقوق الأجيال في التمتع بنفس الفرص التنموية، يقع على عاتق الولاة تهيئة الظروف اللازمة من اجل احترام إرادة الشعب السيد، وتمكين المواطنين من التعبير عن خياراتهم بكل أمانة في الانتخابات المحلية المقبلة التي تقتضي من كل واحد منكم جهدا مضاعفا من أجل إنجاح هذا الموعد الديمقراطي الهام، وقد وعد بدوي بتقديم كل الدعم والمرافقة للإدارة المحلية من أجل إنجاح هذه الاستحقاقات، التي يبقى لرئيس الجمهورية الصلاحيات الواسعة في تحديد تاريخها وإصدار المرسوم الخاص باستدعاء الهيئة الناخبة.
و خاطب الولاة بالقول «ضروري اليوم أن تتعاطوا مع الواقع بموضوعية وحزم والتحلي بروح المبادرة والشفافية في منهجكم وتسييركم للشأن المحلي، فالتنمية المحلية ليست شأنا يخص المصالح المركزية بقدر ما هي دينامكية محلية يقع على عاتقكم تفعيلها».
وذكر ذات المسؤول أن القطاع مقبل على مراجعة قانوني البلدية والولاية، حيث تعتزم مصالحه إعداد قانون عام للجماعات الإقليمية يرمي إلى تعميق اللامركزية وتحرير المبادرات المحلية من كل العوائق التي تحول دون تجسيدها حتى تضع الجماعات المحلية في سياقها التنموي وتسمح لها بتحقيق انطلاقة تنموية حقيقة لأقاليمها، داعيا الولاة إلى المشاركة بقوة في إثراء القانون الجديد بتعميق المشاورات بشأنه مع كل الأطراف المعنية والفاعلة في إطار خلايا تفكير وأفواج عمل من أجل الخروج باقتراحات متميزة ومفيدة، تتجاوب مع التوجه الجديد المكرس في المراجعة الدستورية الأخيرة.
جعل مشروع الحكامة الإلكترونية الشاملة واقعا ملموسا
اعترف وزير الداخلية أن ما تحقق لحد الآن في مشاريع عصرنة خدمات المرفق العام مازال بعيدا عن الأهداف المرجوة، وإن سجل بعض النتائج الإيجابية على غرار التخلص من المعالجة اليدوية للوثائق الإدارية وتعويض ذلك بالحواسيب، وتعميم خدمات كانت محصورة في عدد محدد من الدوائر على كل البلديات، وإصدار وثائق بيومترية مؤمنة، وهي إنجازات لا تعني «أننا بلغنا مقاصدنا بل على العكس لسنا سوى في بداية الطريق وما نرتقبه يفوق بكثير ما تم تجسيده».
وعليه ألزم الولاة بجعل مشروع الحكامة الإلكترونية الشاملة واقعا ملموسا في جميع مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وطالبهم بأن يكونوا خير حاضن للإبداع التكنولوجي ومجسدين لمخرجاته، من خلال الاهتمام بالشباب حاملي المشاريع الصغيرة والمتوسطة المتحكمين في تكنولوجيات الإعلام والاتصال بجدية وباحترافية وفتح الطريق أمامهم لضمان مستقبلهم ومساهمتهم في التنمية الوطنية، «فتطوير الخدمات الإدارية عن طريق المعلوماتية سيقود نحو تطوير الخدمات الاقتصادية لما في ذلك من أثر مباشر على بيئة الأعمال، كما سيقود إلى تطوير مجالات اقتصاد المعرفة التي قد تكون أحسن رافد للتنوع الاقتصادي المنشود».
وأعلن بدوي في هذا السياق عن إعداد قانون خاص بالجباية المحلية، يكون إطارا قانونيا فعالا لتجسيد لا مركزية جبائية محلية لتحرير المبادرات وتحقيق الأهداف المسطرة الرامية لبناء اقتصاد فاعل للجماعات المحلية.
خدمة المواطن أحسن ردّ على المشككين في نوايا السلطات
استغل وزير الداخلية والجماعات المحلية المناسبة، ليسدي نصائح للولاة الجدد في كيفية التعامل مع المشككين في نوايا السلطات العمومية الذين ينتقدون كل ما تقوم به وإن كان أثره ايجابيا وباديا للعيان، حيث دعاهم إلى التعامل مع كل نقد بناء وتثمين «ما تقوم به» والعمل على تعزيز التواصل مع جميع الإرادات الحية والتجاوب معها بسرعة وفاعلية، وعدم ادخار أي جهد للتواصل مع كل أطياف المجتمع مستغلين كل الوسائل المتاحة لاسيما الأكثر شعبية.
أما بالنسبة للأوساط التي تتربص بالبلاد للمساس بسمعتها في الداخل والخارج والتي لا تتوانى في وضع يدها في يد أعدائنا للخوض في درب المغامرة والفتنة، فقد أوصى بدوي الولاة الجدد بعد ادخار أي جهد للتصدي لها باحترافية ومهنية، متسلحين بروح يقظة وتواجد مستمر في الميدان، موضحا أن أحسن رد على هؤلاء يكون بخدمة المواطن بتفان والتواصل معه ببساطة وصدق والتواجد إلى جانبه في أوقات الرخاء والضيق.
وأكد أن الأمن مكسب لا يمكن التنازل عنه، وعلى كل واحد التمسك به وتثمينه لأنه أساس الرقي والازدهار، داعيا الولاة إلى التنسيق مع اللجان الأمنية المختصة لحفظ الأمن العمومي وتفويت بسرعة وحزم الفرصة على كل ما يحاول المساس باستقرار البلاد، فالوقاية والاستباقية هما «أساس المقاربة الأمنية التي يجب أن تحذوكم جميعا».