يتجه قريبا لفتح نقاش واسع حول دعم الدولة للشرائح المحدودة الدخل والفئات الهشة، ودون شك أن الدعم لن يتنازل عنه وإنما سوف يضبط وفق خيارات ناجعة، يتم فيها تحويل الدعم بشكل مرن لا يحرج المستفيد منه، مثل إرساء آليات مباشرة على غرار صبه في الأجور، بعيدا عن الحلول المرتجلة غير مرغوب فيها وتتعلق ببطاقات المعوز التي ينفر منها المستفيد، لأنها تتعارض مع فلسفة الدعم للدولة الجزائرية.
من أجل ذلك بات من الضروري الذهاب إلى انتقاء حلول تقنية متوازنة وعادلة وشفافة، شرط أن لا تكون هذه الحلول على حساب الطبقة المتوسطة الضامنة للاستقرار والنمو.
ينتظر أن يلعب المجلس الاقتصادي والاجتماعي كعادته دورا محوريا وبارزا في تعميق النقاش حول الخيارات التي يمكن اعتمادها في إطار تقييم الدعم الاجتماعي وتحسين أدائه، استجابة لمسعى الحكومة القاضي بفتح مشاورات واسعة مع مختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، وكان الخبراء قد أثاروا مسألة إعادة النظر في الدعم الاجتماعي ومن يستفيد منه ودعوا إلى مراجعته، خاصة بعد تراجع إيرادات المحروقات والتآكل التدريجي لاحتياطي الصرف.
يأتي تصريح الوزير الأول حول السير نحو إعفاء الأجور والمداخيل الصغيرة من الضرائب على الدخل، ليعكس ذلك نية الدولة الجزائرية وإرادتها القوية في تعزيز القدرة الشرائية والتنويع من إجراءات حماية أصحاب الدخل المحدود من التهاب الأسعار، وسوف تعكف الحكومة خلال الأيام القليلة المقبلة على تنصيب لجنة وطنية استشارية مهمتها دراسة ملف الدعم الاجتماعي الموجه للفئات الهشة والشرائح المحتاجة، عن طريق السهر على ضبط وإعداد النصوص التشريعية واستحداث الإجراءات الفعلية، التي يمكن عن طريقها أن يحول دعم الدولة المادي لمن يحتاجه من المواطنين، والجدير بالإشارة فإن يتزامن ذلك مع التفكير في إعفاء المواطنين ذوي الدخل الضعيف من الضرائب، مقابل فرض رسوم وضرائب جديدة على الثروة، لم يتم تحديد طبيعتها ولا إجراءاتها وإن كانت تمس سقفا محددا من الأموال أو العقارات.
إذا يبقى من أولويات الجزائر منذ الاستقلال الحفاظ على الدعم الاجتماعي، الذي لن يتم التخلي عنه في أي ظروف ولعل مخطط عمل الحكومة الذي عرضه الوزير الأول عبد المجيد تبون مؤخرا على غرفتي البرلمان وتمت المصادقة عليه، يعكس هذا التوجه الثابت في السياسات والبرامج الوطنية، علما أنه يهدف إلى تغيير النمط الاقتصادي طبقا لمستجدات وتغيرات المرحلة الحالية، لكن مع عدم التنازل عن المكاسب الاجتماعية المحققة، ولعل الانشغال الجوهري للحكومة اليوم صار يتمحور حول رهانات تنموية دقيقة، عن طريق تكريس الآليات القادرة على الحماية والحفاظ على ما يصطلح عليها بالتوازنات المالية الكبرى، تفاديا للجوء إلى الاستدانة الخارجية وتعزيز التماسك الاجتماعي.
كانت فئة المتقاعدين، قد استفادت مؤخرا بقرار من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة من زيادات في معاشاتها ناهزت نسبة 2.5 بالمائة وبأثر رجعي حيث مست نحو 2.8 متقاعد عبر كامل التراب الوطني، في إطار عملية تثمين سنوي ثابتة، تتمثل في إحدى طرق دعم القدرة الشرائية غير المباشرة.