يقف المنسق الوطني للكناس الدكتور عبد الحفيظ ميلاط، في هذا الحوار الذي خص به «الشعب»، على أهم الخلفيات التي انحدرت بالجامعة الجزائرية اتجاه العنف، وهو المنعرج الخطير الذي قال أنه لا يبشر بخير، مرجعا تفشي هذه الظاهرة الخطيرة إلى غياب الحوار بين مختلف الفعاليات على مستوى الجامعة، لذا أصبح يراه البعض مخرج نجدة من الانسدادات القائمة، والتي غالبا ما نجد أفراد وجماعات مصالح تستثمر فيها على حساب مصلحة الجامعة ومصلحة الطالب ومصلحة العلم والتكوين الجامعي.
-) الشعب: حادثة اغتيال الدكتور قروي سرحان، القطرة التي أفاضت الكأس، واتجاه الجامعة نحو العنف، هل يمكن أن تعطي لنا الجذور الحقيقية للعنف في الحرم الجامعي؟
عبد الحفيظ ميلاط: أولا أعزي عائلة الفقيد الدكتور قروي بشير سرحان والأسرة الجامعية في فقدان احد خيرة أبنائها، وأمام هذا المصاب الأليم نحن متكاتفون من اجل حماية جامعتنا من أي انزلاقات، كشركاء والجهات الوصية، واستفحال ظاهرة العنف في الوسط الجامعي والتي تقريبا قبل أسبوع فقط تناولناها في ملتقى وطني ضم العديد من الفعاليات من اجل وضع أهم الترتيبات لإنشاء التنسيقية الوطنية لمحاربة العنف في الوسط الجامعي ، والتي تضم الشركاء الثلاثة والجامعة الجزائرية، الأساتذة والطلبة والإدارين، من خلال وضع الإجراءات اللازمة للقضاء على هذه الظاهرة التي باتت تتوسع يوما بعد يوم، فظاهرة العنف في الجامعة الجزائرية ليست جديدة لكنها تشهد توسعا كبيرا في وجود العديد من الأسباب المغذية لهذا العنف في الحرم الجامعي وصلت إلى حد إزهاق الأرواح، وهذا منعرج خطير جدا، وكلنا شركاء فيما يحصل خلف أسوار الجامعة الجزائرية كأساتذة، وإداريين وعمال وطلبة.
إذا أردنا البحث في أسباب العنف داخل الحرم الجامعي نجد أن أهم سبب مباشر هو غياب الحوار بين مختلف الفعاليات على مستوى الجامعة، وهو السبب المباشر لهذا العنف كمخرج نجدة للعديد من الانسدادات القائمة، والتي غالبا ما نجد أفراد وجماعات مصالح تستثمر في هذه الانسدادات على حساب مصلحة الجامعة ومصلحة الطالب ومصلحة العلم والتكوين الجامعي.
- ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الإدارة في معالجة هذه الإشكاليات؟
اعتقد السبب الجوهري لهذا العنف هو غياب الأدوار الفعلية والحقيقية للإدارة، لأن وبكل صراحة العديد من المسؤولين على مستوى العديد من المعاهد والجامعات الجزائرية باتوا يستثمرون في العنف من أجل البقاء في مناصبهم وهذا حقيقة وواقع معيش لا ينكره احد، أمام مسمع ومرأى الوزارة الوصية ولا أحد يحرك ساكنا، لما ترى مدير جامعة أو عميد كلية أو رئيس قسم يقبع لسنوات في ذات المنصب مع أداء إداري هزيل، فكيف يتم تفسير هذا الوجود اللاوظيفي وغير الفعال، وبالتالي يلجأ إلى العديد من الأساليب والممارسات لترهيب كل من تسول له نفسه للاقتراب من هذه المناصب الإدارية والتي باتت حسب نظر هذه الفئات حقا مكتسبا لا يمكن التنازل عنه، وبالمناسبة أناشد الوزارة الوصية من اجل وضع ميكانيزمات للتسيير وطريقة جادة لتقلد هذه المناصب الإدارية مع متابعة دورية وعن قرب لهاته الأدوار، وإلا النتائج معروفة سلفا، ستكون هناك ممارسات وبلطجة للحفاظ على هذه المكاسب من طرف هذه الشخصيات الإدارية.
في ذات السياق أيضا العديد من المسؤولين في الجامعة الجزائرية استثمروا في العنف من خلال خلق قوى متضامنة معهم داخل العديد من التنظيمات الطلابية، كأسلوب لردع كل من يقترب من هذه المناصب الإدارية كما سبق ذكره، وإقحام الطالب بهذه الطريقة المبتذلة عن طريق التنظيمات الطلابية فتح باب جهنم على الجامعة الجزائرية، الأمر الذي تراجعت أمامه الصورة الذهنية للأستاذ في الجامعة الجزائرية، هذا التشويه ناتج عن أفعال البلطجة والطمع والجشع التي بات العديد من الإداريين في الجامعة الجزائرية وللأسف أقولها شركاء فيها، وأداتها الطالب بالدرجة الأولى.
- هل ترى أن غياب الأستاذ عن دوره النخبوي والتهميش الممارس عليه اجتماعيا سببا مباشرا لاستهدافه؟
أكيد هذه أهم نقطة فيما يتعلق بالدور النخبوي للأستاذ الجامعي والذي بات في الحضيض إن صح التعبير فأحيانا نجد المعلم في الأطوار القاعدية له من المكانة الاجتماعية والظروف الاجتماعية ما يفوق الأستاذ في الجامعة والذي من المفروض نخبة المجتمع، على انه أصبح في ذيل المجتمع بسبب العديد من الممارسات المقصودة بطبيعة الحال من طرف العديد من الجهات الوصية، فكيف تنتظر أن يحترم الأستاذ الجامعي وتكون له المكانة اللائقة به وهو لازال يحتك بالطلبة في الأحياء الجامعية لا لشيء سوى أن الجامعة لم توفر له سكنا وظيفيا يليق به، بل غالبا ما نجد علاقات وطيدة تربط الطلبة بالأساتذة، وهذه العلاقات تكون على حساب التعليم والتكوين والتقييم العلمي، أيضا هناك سبب آخر مهم جدا لصورة الأستاذ الجامعي، لا بد من التقيد بأخلاقيات التعليم العالي على مستوى الأستاذ في الجامعة وعلى مستوى الطالب أيضا، فبعض الأساتذة وللأسف لهم تصرفات ربما تكون أقرب منها إلى الطلبة منها إلى أساتذة خاصة اعتماد الجامعة الجزائرية نظام «ال. ام. دي»، حيث باتت تخرج دكاترة في سن متقدمة دون أي أبجديات للتعليم العالي أو تدرج في ممارسة التعليم في الجامعة، فنجد هذه الفئات قريبة جدا للطلبة، الأمر الذي تراجعت أمامه الصورة الذهنية للأستاذ كنخبة اجتماعية يمكن أن تعطي صورة لائقة اجتماعيا، بل بات الأستاذ في هذه الحالات محسوب على الطلبة أكثر منه انه يمثل فئة اجتماعية راقية، الأمر الذي يجعله عرضة للمضايقات تصل إلى حد العنف من طرف الطلبة في بعض الحالات.
- ما الحلول التي تراها مناسبة لاجتثاث هذا العنف؟
الحلول أراها من منطلق الوقاية خير من العلاج، أولا يجب اجتثاث البؤر الموبوءة على مستوى أزيد من 36 جامعة ومركز جامعي وطنيا، فكل من ثبت في حقه وجود أي أسباب لترويج العنف داخل الجامعة يجب أن يوقف وبصورة فورية مهما كانت درجته الإدارية أو منصبه أو درجته العلمية، على أن تحال هذه الفئات على المجالس القضائية والدوائر الأمنية المختصة بعيدا عن الجامعة لغلق المنافذ أمام أي وساطات قد يتم من خلالها تمييع العديد من المطالب الشرعية.
هذا الردع كافي لكي يعيد القطار إلى سكته الصحيحة بصورة أولية، أما أننا نرفع شعارات وبصورة ظرفية ثم نخمد ونبقى نتفرج وعاجزين أمام العديد من الممارسات المبتذلة يوميا من طرف مسؤولين في الجامعة الجزائرية سواء في المعاهد والكليات وحتى إدارة الجامعة وفي الأحياء الجامعية والاقامات الجامعية، وبتواطؤ العديد من الأطراف، فهذا هو الجرم بعينه.
الآمر الآخر الذي لا يقل أهمية عن سابقيه، وهي هذه التنظيمات الطلابية التي أصبحت اليد الطولى لدى العديد من المسؤولين، يجب أن تعاد عملية هيكلتها لخدمة الجامعة وليس لهدم الجامعة، وكل من يثبت في حقه ممارسات للعنف يجب أن يوقف بصورة مباشرة ويحال أيضا على الجهات الأمنية للدرع، فهذه التنظيمات الطلابية يجب أن لا تخرج مساعي الجهات الوصية عن تحديد وظائفها العلمية من خلال قوانين رادعة تضبط هذا النفوذ الكبير الذي باتت تمارسه هذه المنظمات على العديد من الأطراف في الجامعة الجزائرية وصلت إلى حد تهديد الأستاذ في حياته الشخصية وابتزازه بمختلف الطرق والأساليب.
أيضا هناك مشكل كبير وهو الوزارة التي وقفت وقفة المتفرج أمام العديد من الممارسات غير اللائقة لمديري الجامعات إلى درجة احتساب هذه الجامعة ملكية شخصية يتم التصرف فيها بالطريقة المزاجية، الأمر الذي ضاعت أمامه حقوق الأستاذ والطالب وكذا تراجعت أمامه مستويات الجامعة الجزائرية، لننهض اليوم على آخر مستجدات الجامعة الجزائرية وهي الانحدار تجاه العنف، وهي نتيجة كانت منتظرة بطبيعة الحال نظير العديد من الممارسات الهمجية التي سبق ذكرها أفرغت الجامعة الجزائرية من محتواها، وباتت حلبة تتصارع فيها العديد من الأطياف نظير حرب المصالح والنفوذ والفساد المالي والإداري، وهذا كله سوف يعجل بانفجار الجامعة الجزائرية إذا لم يتم تدارك الوضع وبصورة استعجالية.