لايزال قطاع النسيج يتطلع لبلوغ درجة متقدمة على مسار الاستثمار المنتج في ظل ازدهار سوق الملابس المختلفة وكافة أنواع النسيج، مثلما تؤكده مرة أخرى مناسبة عيد الفطر التي تبعث الفرحة في الطفولة وتدفع بالأولياء إلى التوجه مبكرا إلى محلات الملابس وكذا المساحات الواسعة التي تخصص لهذا النوع من المنتوجات المرتبطة بقطاع الصناعة موقعا متميزا لكونه مصدرا لتحقيق الربح ويرتكز على الابتكار في تحقيق القيمة المضافة.
مرّ قطاع النسيج في بلادنا مباشرة بعد إلغاء احتكار الدولة للاقتصاد بأزمة أعادته إلى سنوات من التخلف فيما عرف هذا النشاط في أسواق أخرى رواجا، وبعد أن كانت للجزائر قاعدة في صناعة النسيج مشكلة من مؤسسات من القطاعين العام والخاص تحولت إلى سوق تتدفق فيها كميات غير طبيعية قادمة من بلدان أخرى جعلت من النسيج وإنتاج الألبسة قاطرة للنمو.
برزت في السنوات الأخيرة مشاريع للنهوض بهذا القطاع، من بينها استثمارات بالشراكة الجزائرية الأجنبية مثل مركب غليزان مع متعامل تركي، بالموازاة مع تخصيص الدولة مرافقة ملموسة للمؤسسات التي لا تزال تحافظ على نشاطها ولو في ظروف صعبة أحيانا.
لا يمكن تفسير سبب تأخر انجاز المشاريع المعلنة في وقت تواصل فيه المنتجات المستوردة فرض هيمنتها على السوق التي تحافظ على ارتفاع الطلب في ظل تحسن القدرة الشرائية خلال السنوات الأخيرة قبل أن يعود هاجس انهيار أسعار المحروقات، مما يؤدي بالضغط على القدرة الشرائية مجددا.
أمام مؤشرات متناقضة في قطاع مطلوب في السوق محليا وإقليميا يمكن إعادة التكفل بملفه مجددا ضمن رؤية صناعية جديدة تقوم على إعادة تثمين الموارد وتشخيص دقيق لواقع المؤسسات وضبط القدرات والاحتياجات من اجل إرساء عمليات استثمارية صغيرة ومتوسطة قابلة للاستمرار، مع انفتاح على مراكز التكوين في مختلف مهن الخياطة والتصميم بما يفتح الأفق أمام الابتكار لدخول السوق العالمية.
تتوفر قدرات في هذا المجال للانطلاق على أسس اقتصادية منسجمة تضمن ديناميكية النمو على امتداد السلسلة بانخراط متعاملين احترافيين في الميدان ويملكون الخبرة الكافية لتجسيد مشاريع يمكن السيطرة عليها وتحويلها إلى مساحات تنبض بالحياة من خلال إنتاج ما تطلبه السوق المحلية وبالنوعية الجيدة وهذا أمر ليس مستحيلا إذا ما اتضحت الرؤية وتبيّنت إرادة قوية لاختراق جدار الاستيراد وتعويضه بالإنتاج، ولتكن البداية على الأقل بتلبية طلب الدخول المدرسي والأعياد.
حقيقة هناك مبادرات ملموسة في الساحة تقوم بها وحدات إنتاجية تابعة للخواص غير أن الأسعار المطبقة لا تشجع على اقتنائها، مما يمهد السبيل أمام المنتجات النسيجية المستوردة لتلعب لعبتها بضمان نسبة عالية من الربح الذي يجب أن يبقى في الجزائر يتداول بين المتعاملين في كافة جوانب قطاع النسيج بمن في ذلك المستوردون الذين ينبغي أن يدركوا مدى التداعيات التي تنجر في حالة تضييع منعرج الاستثمار المنتج والتحول نحو إنتاج القيمة المضافة واشباع السوق والانتقال إثرها إلى التصدير.
يمكن لماركات نسيجية جزائرية أن تعود إلى السوق إذا ما توفرت إرادة صادقة من أصحابها ويكفي تذكر تلك العلامات الخاصة بالأقمصة والتي كانت تنافس المستورد منها مثل «شريعة» و»راد مان» قبل أن تستبدل بأقمصة مصنوعة من البوبوليستير من ذات الجودة الرديئة ولكن بسعرها الزهيد وغياب إنتاج محلي منافس يجد رواجا للأسف.