يحمل رمضان خصوصية وتمايزا بقسنطينة حيث تسعى العديد من ربات البيوت خلال الشهر الكريم إلى تزيين المائدة بمجموعة من الحلويات التقليدية المتوارثة عن الجدات، تحضيرا «ليسنية» سهرات يجتمع حولها الأقارب والأحباب للسمر وتمضية أحلى الأوقات التي يتخللها عقد الفال و البوقلات..هي أجواء تضفي على سهرات القسنطينيين رونقا خاصا ترصده «الشعب» بعين المكان.
تنفرد «سينية» العائلة القسنطينية بباقة متنوعة من الحلويات اللذيذة التي تتميز بنكهات جد خاصة كالصامصة، المقرقشات، طمينة اللوز، و حلوة الجوزية...
إنها عادات رمضانية لا يمكن للمرأة القسنطينية استبدالها مهما كانت المغريات، لعدة أسباب أهمها: العلاقة الحميمية المتأصلة في الذاكرة الجماعية التي تربط أفراد المجتمع القسنطيني بعاداتهم المتوارثة عن السلف، وهي العادات والتقاليد التي تبصم بها المائدة القسنطينية ما جعلها تتميز عن باقي موائد ولايات الوطن، وإن كانت هناك عوامل مشتركة تترابط فيما بينها جراء الاحتكاك وتناقل الخبرات وتكييفها وخصوصيات كل منطقة.
تتزين «سينية» سهرة رمضان في جل بيوت مدينة الصخر العتيق بحلة رمضانية تفتن الناظر إليها قبل الشروع في تذوق طعمها الذي يأخذك بعبقه في رحلة إلى الزمن الجميل، أين لا يوجد محل لزخم المضيفات و المنكهات الصناعية التي جعلت أذواق العديد من الحلويات العصرية تتحول قلبا وقالبا، فعلى الرغم من ضغوطات الحياة العصرية التي صعبت على الكثيرات من ربات البيوت، سيما منهن الموظفات، التفنننن في إعداد هاته الحلويات التي تأخذ حيزا طويلا من الوقت لإعدادها، غير أنهن يحرصن دوما على تطويع الزمن لتحضير هاته الأخيرة التي تعد فال خير، لما تحمله من قيم ومورثات مجتمعية راسخة لا يمكن محوها على مرّ السنين. تحرص ربات البيوت على تحضير سينية سهرة رمضان المزينة بتشكيلة شهية من الحلويات التقليدية المرفوقة بفناجين القهوة المعطرة بماء الزهر الذي تسعى النساء لتقطيره خلال فصل الربيع لاستخدامه في إعداد أشهى المأكولات والحلويات وإضافته لتعطير مذاق البن المر، ما يجعل قهوة ناس قسنطينية جد خاصة، وهي «السينية» التي يتم إعدادها من طرف ربات البيوت من دون كلل ولا ملل طيلة شهر الصيام حفاوة بالضيوف و الزوار الذين يتسامرون حتى ليلة القدر و التي تسمى بليلة الفراق، على أن يتم الوصال فيما بينهم يوم عيد الفطر المبارك. كما تعمد الكثير من الأسر لاقتناء بعض الحلويات التقليدية من أسواق المدينة العتيقة على غرار حلوى «النوقة» المشهورة التي تصنع منذ سنين طويلة بحي سيدي جليس العتيق، إذ وبمجرد أن تطأ قدماك الحي تدغدغ أنفك على بعد كيلومترات قليلة الرائحة الشهية لحلوى «النوقة» التي يعد ثمنها في متناول الجميع، في حين يفضل ذوو الدخل الجيد اقتناء حلوى «الجوزية» اللذيذة التي تنفرد بصناعتها عاصمة الشرق الجزائري.