نواصل اليوم حديثنا عن كتاب «الأستاذ عبد الرحمن شيبان» الصادر عن دار الهدى، ولكنّنا في هذه السّانحة سنركّز على علاقة صداقة لا يعرفها كثيرون جمعت بين الشّيخ شيبان والأديب الشّهيد أحمد رضا حوحو، علاقة بدأت بلقاء الاثنين في معهد عبد الحميد ابن باديس الذي أسّسته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1947، أين كان شيبان مدرّسا للغة العربية والبلاغة، وحوحو سكرتيرا عاما للمعهد. وقد أفرد الأستاذ الدكتور مولود عويمر من جامعة الجزائر 2 لهذه الصّداقة مقالا كاملا في الكتاب، عنوانه «بين عبد الرحمن شيبان وأحمد رضا حوحو».
ومن ثمار هذه الصّداقة تأسيس نادي «إخوان الصفا» الذي نتج عن لقاءاته تأليف أحمد رضا حوحو «مع حمار الحكيم»، التي نشرت في البداية في جريدة «البصائر» في شكل مقالات، ثمّ جمعت فيما بعد ونشرت بتقديم الشيخ شيبان. وفي ذلك يقول شيبان: «في ليلة من تلك اللّيالي الزّاخرة، قدّمت للأخ حوحو «حماري قال لي» للأستاذ توفيق الحكيم، فالتهمه في سهرة واحدة، وأعاه إليّ في الغد، وهو معجب بموضوعه، مأخوذ بأسلوبه، فقلت: لا تدع هذه الجذوة التي أوقدها الأديب الحكيم في نفسك تخمد دون أن تقوم بعمل ما. فقال: ماذا تريدني أن أعمل؟ قلت: تجنّد قلمك لتوجيه هذا الشّعب الذي كثر مستغلّوه وقلّ خادموه على نحو ما فعل توفيق الحكيم بمصر. وذلك ما كان».
وكان شيبان يحث حوحو على الكتابة بعدما انقطع عنها، إذ كتب مقالا في «البصائر»: «أين حمار الحكيم»، استجاب له حوحو وأعلن عن معاودة الكتابة فنشر أربع حلقات من سلسلته، قبل أن ينشر حلقتين من «بريد حمار الحكيم».
كما كتب الاثنان في الصحافة، حيث أسّس أحمد رضا حوحو مع أحمد حماني والصادق حماني الجريدة الساخرة «الشعلة» في ديسمبر 1949، واستمرت إلى غاية فيفري 1951، وساهم شيبان فيها بأسماء مستعارة.
وينقل أ - د - مولود عويمر مقتطفا من مقال نشره حوحو في «البصائر» في أفريل 1954، تحت عنوان «عبد الرحمن شيبان في الميزان»، يصف حوحو فيه صديقه شيبان بـ «البرجوازي الأنيق الذي يعشق الأدب والبلاغة، ويحبّ شراء الكتب والمجلات الشرقية التي يتداول على مطالعتها زملاؤه وطلبته في معهد ابن باديس».
أما شيبان، فبعد عام من استشهاد حوحو سنة 1957، نشر في جريدة «الصباح» التونسية ثلاث حلقات تحدث فيها عن ظروف استشهاد حوحو تحت تعذيب السلطات الاستعمارية، وعرّف فيها بالكاتب وأسلوبه ونزعته التحريرية وجرأته الأدبية...وكفاءاته ومواهبه المتعددة».
صداقة الرجلين وقربهما سمحت لشيبان بأن يكشف عن زوايا لم يعرفها الآخرون عن حوحو، الذي كان يحسن فنونا تطبيقية عديدية، «فقد باشر فنّ التمريض بمعهد ابن باديس أمدا طويلا، ويحسن الضرب على الآلات الكاتبة العربية والفرنسي، ويتقن تجليد الكتب إتقانا..وهو يحسن استعمال وإصلاح أدوات المنزل العصرية كالراديو والكهرباء».
في الأخير نشير إلى أنّ هذا الكتاب يزخر بالمعلومات القيّمة عن قامة فذّة مثل الشيخ عبد الرحمن شيبان، إلا أنّنا نلفت النظر إلى بعض النّقائص التي طالته.
ومن المآخذ التي نرفعها إلى ناشر هذا الكتاب التكرار الذي تتضمنّه بعض المقالات، كالحديث عن مولد شيبان ونشأته مطلع أكثر من مقال، رغم إفراد فصل كامل لحياة شيبان الشخصية. ولعلّ سبب ذلك كون المقالات كتبت منفردة مستقلة، ولم يتمّ تعديلها قبل جمعها في كتاب واحد، وهذا التكرار أدى إلى زيادة حجم الكتاب دونما فائدة.