يبعث الشهر الفضيل في نفسية الصائمين شعورا لا مثيل له من الروحانية والهدوء النفسي، كيف لا وهو الأيام المعدودات التي لها فوائد لا تحصى على الروح والبدن خاصة فيما يتعلق بأسباب الإصابة ببعض الأمراض المزمنة والتقليص من حدتها، فبطريقة ما يوّلد صيام الشهر الفضيل لدى الأشخاص القدرة على تحمل المشقات ويمنحهم القدرة على تحمل الضغوطات اليومية وتدريب أبدانهم على نمط معيشي منظم.
كما يمنح الصيام كشريعة دينية مقدسة الاستقرار النفسي ويبعث التواصل بين أفراد المجتمع، فيخفف لدى البعض الشعور بالاكتئاب ويخفف عنهم الشعور بالعزلة والانطواء من خلال النشاطات التي يتعود الفرد على أدائها خلال الشهر من حركية داخل الأسواق إلى الاختلاط بأفراد العائلة والأصدقاء بعد الإفطار، وكذا من خلال أداء الفرائض الدينية التي تبعث ممارستها شعور الثقة بالنفس والراحة الربانية.
ويعلن سائر البشر من المسلمين توبتهم عن المعاصي خلال الشهر المعظم فيدخلون في دين الله أفواجا، وينقطعون عن أسوء العادات السلبية ما بطن منها وما ظهر على الأقل مؤقتا أو خلال فترات الصيام، على غرار التدخين الذي له ما له من أثار سلبية على صحة ونفسية الإنسان، حيث تجد شريحة واسعة من المدخنين في شهر رمضان فرصة ذهبية لا تعوض للإقلاع عن عادة التدخين وتناول السجائر بشراهة، كما يشجع الأطباء وذوو الاختصاص على اغتنام فرصة الشهر الفضيل للتخلي عن هذه العادة السيئة ذات التأثير السلبي على صحة الإنسان، الأمر الذي يتيح إمكانيته الانقطاع عن السجائر طيلة ساعات طويلة من الصيام، فضلا عن عديد النشاطات المساعدة على ذلك بعد الإفطار مثل تعويض ممارسة الرياضة بصلاة التراويح وإيجاد طرق أخرى للإلهاء على غرار الاختلاط بالناس والمعارف من خلال الزيارات العائلية والجلسات الحميمية التي تشغل أحاديثها - المدخن - عن عاداته السيئة فضلا عن الاعتكاف الطويل في المساجد ودور العبادة الذي يوفر كثيرا على المدخن عناء الانقطاع على السجائر.
الدكتور زاوي لـ «الشعب»:
رمضان فرصتك لترك العادات السيئة
كل ذلك في حال توفر إرادة قوية لدى المدخن تسمح له بترويض نفسه وتعويد بدنه على الإقلاع النهائي عن التدخين، على حد ما أكده لنا أحد الأصدقاء المختص في الطب العام أن الإرادة هي حافز نفسي داخلي تقويه الظروف المحيطة بالشخص المدمن على التدخين، كما من شأن هذه الظروف أن تضعف الإرادة و العزيمة في الإقلاع عن هذه العادة.وأوضح الطبيب «زاوي - ح» أن أي شخص مدخن يرتقب حلول شهر الصيام للإقلاع عن التدخين هو شخص صاحب إرادة وعزيمة يمكن أن ينجح في الإقلاع عنه ويمكن أن يفشل بحسب الظروف وعوامل الضغط التي تحيط به، وعليه على المدخن الذي ينوي استغلال فرصة شهر رمضان للإقلاع عن التدخين أن يتحكم في العوامل التي تدفعه أصلا إلى هذه العادة السلبية من بينها القلق الزائد والكآبة والانطوائية وتعويضها بتغيير جذري في شخصيته، حيث يكون التفكير الايجابي قاعدة لهذا التغيير والاستغلال الأمثل لظرف الصيام بعدم إهمال العبادات وتطويع النفس على الطاعات.
وأضاف الدكتور زواي باعتبار السجائر مصدر إلهاء كبير عن الذكر والعبادة التي تتضاعف حسناتها خلال الشهر الكريم، سيجد المقلعون عن التدخين في رصيدهم حسنات مضاعفة فضلا عن مكسب الصحة والسلامة الجسدية في نهاية الشهر، وذلك يستوجب المثابرة والابتعاد عن كل ما يثير رغبات المدخن بعد فترة شهر من الصيام، عدا ذلك أكدت عينة من أصحاب التجارب الفاشلة مع بعض الطرق غير المجدية للإقلاع عن التدخين أن الوصفات التقليدية من مستحضرات الطب الشعبي التي يشاع أنها تساعد على التخلي عن السجائر نهائيا، أو وصفات منزلية لتنظيف الرئتين من النيكوتين قد توقع المدخن في مشاكل صحية لا حصر لها في حال أقبل على هذه الوصفات غير المؤكدة نتائجها والتي كثيرا ما يكون مصدرها محركات البحث على الانترنيت، لتبقى الارداة والعزيمة القوية في الإقلاع عن التدخين هي الشرط الأساسي لذلك، ويظل شهر رمضان فرصة لا تعوض لخوض تجربة الإقلاع و محاربة الإدمان على تناول السجائر.
الإرادة أولا
وعليه يمكن القول أنها مهمة صعبة قد تتحقق نسبيا في شهر رمضان، لارتباطها بوجود إرادة قوية لدى المدخن من أجل الإقلاع عنه، فذلك لا يتحقق فقط بمجرد العمل بنصيحة ما، إنما يعتمد على مدى قناعة المدخن بفكرة الإقلاع كأن يكون مهددا بأحد الأمراض الخطيرة التي يتسبب بها التدخين، كما لا يجب أن يُنظر إليه كعلاج أو حالة مرضية لا تختلف عن الإصابات المرضية الخطيرة والمزمنة، وعليه لا بد للمجتمع الجزائري خصوصا أن يغير تفكيره أولا حيال فكرة الإدمان المتفرعة إلى الإدمان على مختلف العادات والطباع السلبية منها المخدرات أو التدخين الذي استفحلت ظاهرته كثيرا بين الجنسين من مختلف الفئات العمرية، ليصبح العلاج الجماعي المعمول به في الدول المتطورة على مستوى مراكز مكافحة الإدمان فعّالا ومُفعّلاً لمراكز مكافحة الإدمان المحدثة مؤخرا،
والتي لن ينتظر منها الكثير في حال استمر انغلاقها على نفسها، حيث تستدعي مكافحة استفحال آفة التدخين بين الشباب والقصر ومن كلا الجنسين تفعيل دور المراكز المتخصصة في مكافحة الإدمان والتشجيع على ارتيادها من أجل تطوير الرغبة الخفية لدى المدخن في العلاج من إدمان السجائر، من خلال العلاج الجماعي ودراسة كل حالة على حدى باعتبار أن كل شخص هو حالة خاصة، ولا يعتبر التوقف عن التدخين هاما بالدرجة التي يعتبر فيها تسيير قرار التوقف والحفاظ عليه أكثر أهمية، وذلك له صلة مباشرة لمعرفة دواعي ودوافع التوقف عن التدخين، وهي أمور في شكل دوافع نفسية يحتاج الطبيب المعالج لدراستها بهدف توجيه المريض الذي يحتاج بدوره إلى المرافقة والدعم النفسي والاجتماعي من أجل تحقيق الإقلاع النهائي عن التدخين، حيث يعتبر بعض الأطباء أن الظروف المعيشية، محيط المدخن الاجتماعي ونمط عيشه، هي التي قد تفشل أي مخطط لإدارة وتسيير رغبته في الإقلاع عن التدخين.