أكّد الدكتور محمد حشماوي مدير المدرسة الوطنية العليا للتسيير والتجارة الدولية بالقليعة أنّ دور المدرسة الأساسي يكمن في تكوين نخبة الطلبة الحائزين على معدلات مرتفعة في امتحان البكالوريا وفقا لحاجيات المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية تجنبا لتخريج إطارات بطالة من جهة وتماشيا مع التوجه الاقتصادي الجديد المعتمد من طرف الدولة، والذي يرتكز على تشجيع انتاج السلع والخدمات خارج قطاع المحروقات والانتقال في مرحلة لاحقة إلى التصدير، الأمر الذي يتطلب تحضير إطارات مؤهلة وذات كفاءة بحيث تملك القدرة على تسيير عملية التصدير بطرق حديثة وناجعة. ويبرز حشماوي الذي استقبلنا بحرم المدرسة كل هذا التوجه الجديد ضمن هذا الحوار.
الشعب: في البداية ماهي أهم مؤشرات التحصيل بالمدرسة؟
د. محمد حشماوي: المدرسة مهتمة بتكوين الطلبة في ميادين الاقتصاد الرقمي والتجارة الدولية والمالية وهي واحدة من بين المدارس العليا المتواجدة بالقليعة والمعنية بتكوين النخبة من الطلبة الحاصلين على معدلات مرتفعة في امتحان البكالوريا، بحيث تستقبل المدرسة ما بين 300 و350 طالب سنويا للدراسة في طورين يعنى الأول بالجذع المشترك ومدته سنتان ويعنى الثاني بالماستر على امتداد سنتين، كما يتمّ الانتقال ما بين الطورين بمسابقة وطنية يتمّ فيها اختبار الطلبة حول تحصيلهم العلمي المكتسب طيلة سنتي الطورالأول. وتنوي المدرسة فتح عدّة تخصصات أخرى مستقبلا لم تكن مدرجة ضمن اهتمامات المدارس الأخرى ذات الصلة بالاقتصاد والتجارة لاسيما فيما يتعلّق بالمراجعة ومراقبة التسيير والتجارة الدولية التطبيقية بحيث تحتاج الجزائر إلى هذه المهن والتخصصات التي سجّل بها عجز معتبر وتريد المدرسة من خلال هذا التوجه مرافقة الاقتصاد الجزائري في نمطه التنموي الجديد، مع الإشارة إلى كون أول دفعة بالمدرسة تتواجد حاليا بمستوى السنة الأولى ماستر ومن المرتقب أن تستفيد مجمل الدفعات من فتح مجموعة تخصصات ذات صلة بالتجارة الدولية والتسيير والاقتصاد الرقمي، بحيث سيتم التركيز على التجارة الالكترونية والتسويق الالكتروني والإدارة الالكترونية الى جانب تخصصات أخرى ذات صلة بالمالية الدولية والإدارة السياحية. وما يمكن التأكيد عليه عموما أن مهمة المدرسة تتمثل أساسا في مرافقة السياسة الاقتصادية الجزائرية، ولكنّ لابد من الإشارة هنا إلى نقطة هامة جدا تتعلّق بالمسار الاحترافي للطالب وهي تتعلّق بتوجيهه للدراسة الجامعية العادية خارج المدرسة في حال عدم تمكنه من الانتقال الى المستوى الأعلى، الأمر الذي كان معمولا به في السابق، إلا أنّه أتخّذ قرار مهم العام المنصرم يتعلق بالسماح للطالب بإعادة السنة مرّة واحدة بكل طور دراسي، بحيث أعتمد في ذلك جملة من الظروف الخاصة التي قد تعترض الطالب خلال مزاولته للدراسة بالمدرسة، غير أنّ عدم تمكنه من الانتقال الى القسم الأعلى لمرتين بالطور الواحد يرغم إدارة المدرسة على توجيهه لمؤسسة جامعية أخرى.
تلاحظون إقبالا منقطع النظير على مدرستكم بداية كل موسم دراسي، فما الأسباب التي تقف وراء ذلك و كيف تتمّ مواجهة هذا الطلب المتزايد؟
@@ بالفعل، تستقطب المدرسة كغيرها من المدارس العليا نخبة الطلبة الحائزين على معدلات مرتفعة ويتزايد الطلب عليها من سنة لأخرى، الأمر الذي استدعى قيام الوزارة الوصية على الرفع من معدل القبول بها من خلال تطبيقة «بروقٌراس» الخاصة بتوجيه طلبة البكالوريا، وتكمن الأسباب المباشرة في ذلك في كون المدرسة تعتمد نظاما تكوينيا صارما وتحرص على إتمام مجمل البرامج الدراسية إضافة إلى كون أساتذتها من فئة الأكفاء والمتخصصين، مع الإشارة أيضا إلى كون مجمل المدارس العليا ومن بينها المدرسة العليا للتسيير والتجارة الدولية اكتسبت مع مرور السنوات سمعة طيبة في محيطها، ولكن تبقى المدرسة مقيّدة بسعة هياكلها وورشاتها وهيئة تأطيرها ولا يمكن استقبال عدد أكبر مما يتناسب والطاقة الاستقبالية المعهودة.
فيما تكمن قوّة المدرسة فيما يتعلق بالتأطير والمناهج البيداغوجية؟
ما تجب الإشارة إليه، أنّ جلّ الأساتذة الذين تمّ توظيفهم خلال السنوات الأخيرة هم من المتخصصين الأكفاء و80 بالمائة منهم تحصلوا على شهادة الدكتوراه، فيما يسير الآخرون في المسار ذاته، كما تضطر المدرسة للاستعانة بأساتذة متخصصين من جامعات أخرى تماشيا وحاجياتها التعليمية بمعية أساتذة آخرين من بعض المؤسسات الاقتصادية لتدريس بعض المواد التقنية، وتحتفظ المدرسة بنظامها التكويني المتميّز الذي يعتمد على طورين ويتم الانتقال ما بين الطورين من خلال مسابقة وطنية تشمل أسئلة عامة عن كلّ المقررات المدروسة خلال الطور الأول الأمر الذي يحفّز الطلبة على بذل جهود أكبر لضمان مواصلة الدراسة خلال الطور الثاني، وتعطى عناية خاصة لكل من الأداء والتقييم بكلا الطورين بحيث يتمّ التقييم على مستويين يعنى أولهما بالمواظبة والتجاوب مع سيرورة المقرر الدراسي وفق نمط سلوكي قويم فيما يعنى الثاني بالامتحانات الرسمية التي تجرى عادة في نهاية السداسيات، كما تساهم التربصات التطبيقية المعتمدة من طرف المدرسة بالتنسيق مع مؤسسات اقتصادية مختلفة في الرفع من المستوى العلمي للطلبة، ولاسيما حينما يتعلق الأمر بطلبة طور الماستر وبدرجة أقل بالنسبة لطلبة السنتين الأولى والثانية.
يحتاج الطلبة بالمدرسة إلى فضاءات ثقافية وأخرى ترفيهية، فما نصيب اهتمام إدارة المدرسة بهذا الجانب؟
نحن نسعى دائما من أجل توفير أجواء ملائمة للطلبة تمكنهم من التحصيل العلمي في ظروف مريحة وذلك من خلال تمكينهم من عدّة نشاطات مكملة وترفيهية، مع الاشارة الى أننا وجدنا نوعا من الصعوبات في ذلك خلال السنة الأولى من الالتحاق بالقطب الجامعي للقليعة، إلا أنّنا تمكننا من إبرام اتفاقية تعاون مع بلدية القليعة تتيح للطلبة استغلال الملعب البلدي على فترتين خلال كل اسبوع يومي الاثنين والأربعاء، كما تمكّن الطلبة من تشكيل ناديين علميين يشتغلان في كل ما له صلة بالنشاطات الترفيهية والعلمية والثقافية بما في ذلك الرحلات العلمية خارج المدرسة، بحيث يندرج هذا الجهد ضمن مسعى التأقلم مع واقع نقص الهياكل والتجهيزات الخاصة بهذه النشاطات داخل المدرسة، وقد ساهم الناديان في تحريك وتيرة النشاطات على مستوى المدرسة بشكل ملحوظ يعزز مناخ الارتياح في أوساط طلبتنا.
هل رصدتم إهتمام الطلبة بالتحولات التي يعيشها المجتمع عموما؟
لقد انتقلنا من مرحلة التكوين الجامعي المتخصص إلى مرحلة التكوين لفائدة المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، ومن ثمّة أضحى لزاما على الطلبة أن يكونوا على دراية تامة بالمحيط والمجتمع، وقد برز ذلك جليا من خلال إنشاء ناديين على مستوى المدرسة يهتمان بكل ما له صلة بالنشاط المكمل للطلبة سواء كان رياضيا أو ثقافيا أو حتى علميا، ويتم ذلك بالتنسيق ما بين المدرسة كهيكل قائم ومتكامل والعديد من المؤسسات الاجتماعية والثقافية من المحيط الخارجي بحيث استفاد الطلبة من عدّة دورات تكوينية في هذا المجال كانت آخرها تلك التي تعنى بانشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتمّ إنشاء مجموعة من الجسور التي تربط الطلبة بالمحيط الخارجي بدعم مباشر من الإدارة والوزارة الوصية التي تحث على توسيع انفتاح الجامعة عموما والمدارس العليا خاصة على المحيط لمواكبة التطورات التي يشهدها المجتمع وخاصة النسيج الاقتصادي واتساع دائرة استعمال التكنوولجيات الجديدة، وبالتالي امتلاك القدرات اللازمة ورصد المؤشرات للمساهمة في تنمية الاقتصاد عامة والتجارة خاصة.
يشهد الاقتصاد الجزائري تحولات جذرية ويتجه نحو النموذج الجديد للنمو، فماهي مكانة كل هذا التوجه في المناهج البيداغوجية المعتمدة؟
حقيقة، لقد أبرمت المدرسة عدّة اتفاقيات مع مؤسسات إقتصادية تعنى بتمكين الطلبة من مزاولة تربصات تطبيقية على مستواها كما تستعين المدرسة أحيانا بمؤطرين من ذوي الخبرة من بعض المؤسسات لغرض تأطير بعض المواد التقنية والتي تعتبر في الكثير من الأحيان تطبيقية أكثر منها نظرية، وأتاح لنا هذا التواصل الوطيد مع المؤسسات الاقتصادية جمع العديد من المعطيات المتعلقة بحاجياتها فيما يتعلق بالوسائل البشرية المؤهلة، ولذلك نسعى دوما الى تكوين الطلبة وفق حاجيات المحيط الاقتصادي، ولا نعتمد إطلاقا على المناهج التكوينية النظرية البحتة، وقد تطور هذا الأمر إلى مشاركة بعض المؤسسات في إعداد البرامج التكوينية وفقا لحاجياتها الاقتصادية لتتحوّل المدرسة بذلك إلى مؤسسة للتكوين الموجه مباشرة للقطاعين الاقتصادي والاجتماعي بعيدا عن نمط التكوين الخاص بالقطاع العمومي أو الحكومي مثلما يعبّر عنه في النسق العام، لأنّه لا أحد ينكر بأنّ القطاع الاقتصادي هو الأكثر توفيرا لمناصب العمل الدائمة وذات المستوى العالي، ومن ثمّة لابد من توطيد الجسور والعلاقات القوية ما بين المدرسة والمؤسسات الاقتصادية والمالية والخدماتية والاجتماعية.
في ضوء كل هذه المكاسب والطموحات، ماهي معالم الآفاق التي تحرصون على بلوغها مستقبلا؟
ماهو قائم بالجزائر حاليا هو التحول المنسجم والمتدرج للنموذج الاقتصادي الجديد للنمو، والذي يعتمد في جوهره على تشجيع مختلف المنتجات خارج المحروقات على أمل توجيه أكبر قدر منها نحو التصدير، ومن المرتقب أن تحتاج عملية التصدير هذه مستقبلا لإطارات ذات كفاءة ومؤهلة لتسييرها بطريقة عصرية، مع الاشارة الى كون الجزائر لم تكن تكوّن في الماضي إطارات نوعية في هذا المجال بالنظر إلى ضعف الصادرات خارج المحروقات، كما تتجه الجزائر نحو اعتماد وتعميم الاقتصاد الرقمي الذي يلعب دورا كبيرا في نمو الاقتصاد وازدهار التجارة بشكل عام بحيث تمّ اعتماد وزارة منتدبة خاصة بهذا المجال والمدرسة ترغب من خلال إطاراتها ومناهجها مرافقة الدولة في هذا الاتجاه، وسيتم اعتماد عدّة تخصصات بداية من الموسم القادم تصبّ كلّها في وعاء الاقتصاد الرقمي في بادرة تهدف إلى الخروج من التبعية للاقتصاد التقليدي الذي تجاوزه الزمن، وترغب المدرسة عموما مواكبة تطور النموذج الجديد للنمو الاقتصادي من خلال توفير الإطارات الكفأة لتسييره وتوجيهه وفق المسار السليم.