تزايد التهديدات الأمنية في حوض المتوسط تستدعي مواجهة مشتركة
جدد رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، أمس الجمعة، بالعاصمة الإيطالية روما، إلحاح الجزائر على ضرورة إرساء قواعد تعاون أوسع في مجال مكافحة الإرهاب في إطار الإستراتيجية العالمية للأمم المتحدة والآليات الإقليمية والجهوية من منطلق أن الأمن شرط أساسي لتحقيق الاستقرار وتكريس التنمية.
أوضح بيان لمجلس الأمة أن بن صالح شدد أمام القمة الرابعة لرؤساء برلمانات الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط على أن الغايات التي تصبو إلى تحقيقها دول المنطقة ‘’تبقى صعبة التحقيق ما لم نضمن لها أجواء الثقة وما لم نوفر لها مناخها المساعد والذي يأتي التعاون في المجال الأمني في مقدمته”، غير أنه و “من حسن الحظ، فإن تزايد الإحساس بخطورة التهديدات الأمنية في الفضاء الأوروالمتوسطي أصبح يشكل قناعة مشتركة من شأنها الدفع بالتنسيق والتعاون الجاد بين ضفتي فضائنا المتوسطي في هذا المجال إلى أعلى مستوياته وصولا إلى استئصال الإرهاب الذي يعد بالواقع مسؤولية مشتركة نتولاها جميعا”.
وأوضح بن صالح بأن تحليله هذا نابع من التجربة التي مرت بها الجزائر في مجال مكافحة الإرهاب و«محاربتها لها لوحدها وبقدراتها الذاتية وبكل ما دفعته من ثمن باهظ بشريا وماديا”.
على صعيد آخر، تطرق رئيس مجلس الأمة إلى هذا اللقاء الذي يجمع رؤساء البرلمانات الوطنية للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط للمرة الرابعة من أجل البحث في كيفية تحقيق أهداف الاتحاد من أجل المتوسط والحوار حول آفاقه المستقبلية بما يخدم تطلعات شعوب المنطقة، بحيث تنظم هذه الطبعة تحت شعار التشغيل “النمو الشامل والتنمية المستدامة في المنطقة الأورومتوسطية”، وهو المحور الذي “يلخص في الواقع واحدا من أهم انشغالات شعوبنا”، يقول السيد بن صالح.
وإزاء الظرف الحالي المتميز ب«تزايد التحديات وتعدد الرهانات وتكاثر تداعياتها على المنطقة المتوسطية”، يتعين —حسب السيد بن صالح—”مضاعفة الجهد المشترك لتحقيق تطلعات شعوبها إلى مزيد من الأمن السلم والاستقرار وتحقيق التنمية المتوازنة والعادلة بين ضفتي فضائنا المتوسطي”.
ومن هذا المنطلق، وفي إطار تحقيق المصالح العليا للشعوب، ذكر بن صالح بالانتخابات البرلمانية التي أجرتها الجزائر مؤخرا “بنجاح”، جددت بموجبها تشكيلة غرفتها البرلمانية الأولى، حيث أكد بأن هذه الاستحقاقات التي جرت “في ظل أجواء ديمقراطية شفافة” وبحضور مراقبين دوليين، “ترجمت بوضوح واقع الممارسة الديمقراطية في بلادنا وأكدت حقيقة الاستقرار السياسي والمؤسساتي والاجتماعي والاقتصادي فيها”.
وتكمن أهمية هذه الانتخابات، يضيف رئيس مجلس الأمة، في كونها أول استحقاق انتخابي يأتي بعد التعديل الدستوري الجديد الذي “جسد مزيدا من المكاسب الديمقراطية للجزائريين في مجال توسيع فضاء الحريات والممارسة الديمقراطية والحوكمة”.
أما فيما يتعلق بموضوع هذا الاجتماع المتوسطي، فقد اعتبر السيد بن صالح هذا المحور أحد التحديات الراهنة التي تفرض نفسها على المنطقة ككل، حيث تعتبر الجزائر مسألة التنمية المستدامة بكل ما يتصل بها من متطلبات النمو والتشغيل وتحسين الأوضاع الاجتماعية “مسائل تحتل الصدارة في نطاق ترتيب أولويات سياستها الوطنية”، كما تصنف أيضا ضمن أولوياتها “وفق ما يتطابق مع التزاماتها الدولية سواء ما يتصل بأهداف الألفية للتنمية أو ما يتصل بأهداف التنمية المستدامة”.
واستنادا إلى ذلك، انتهجت الجزائر سياسة تنموية “طموحة” ترجمتها في سلسلة من التدابير، على غرار “اعتمادها سياسات تنموية جريئة جسدتها في مخططاتها التنموية” و« تبنيها لإجراءات وتحفيزات فعالة في العديد من مجالات التنمية غايتها تشجيع الأنشطة الإنتاجية وتوسيع البنى التحتية”، كما أنه وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة الناجمة عن تراجع أسعار النفط فقد “حافظت الجزائر على نهجها التنموي والذي من شأنه الإسهام في إنعاش عديد القطاعات المنتجة على غرار الفلاحة والصناعة والسياحة وكذلك التنمية الاجتماعية”، يتابع بن صالح.
كما أشار في ذات المنحى، إلى أن الجزائر اهتمت أيضا بمعضلة الشغل ومكافحة البطالة بحيث خفضتها إلى نسبة 9 بالمائة، فضلا عن إعطائها الشباب “عناية خاصة من أجل إدماجهم في الحياة العملية وبقصد تحصينهم ضد التأثير “المحتمل“ للتيارات المتطرفة”، وذلك من خلال وضعها لعدة آليات من شأنها تشجيع الاندماج المهني للشباب كالصندوق الوطني للتأمين عن البطالة والوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب.
وعلى غرار مجالات التعاون الأخرى، تحتاج برامج التشغيل والنمو والتنمية المستدامة التي تعد “أولوية ومسؤولية تتولاها حكوماتنا الوطنية بالدرجة الأولى” إلى مرافقة ودعم شركاء الجزائر في الضفة المقابلة، حيث تعد هذه الميادين “في حال توفرها، عوامل معززة للسلم والاستقرار ليس فقط لبلدان جنوب المتوسط وشرقه وإنما لكافة دول المنطقة”، يتابع المتدخل.
من هذا المنطلق، حيا بن صالح إدراج الجمعية البرلمانية لهذا الموضوع في جدول أعمالها، واختياره كعنوان لاجتماعها، مضيفا بأنه ملف ‘’يدعونا إلى تكثيف حوارنا وصولا إلى تعميق التعاون ما بين دول ضفتي المتوسط وتنويع مجالاته’’، ليعرب عن أمله في أن يتوج هذا اللقاء بتوصيات تكون في مستوى تطلعات شعوب المنطقة.
على صعيد مغاير، نقل بن صالح دعوة الجزائر إلى تكثيف الجهود من أجل إيجاد الحلول السياسية للأزمات التي تعرفها عدة بلدان متوسطية وأخرى غير بعيدة عن المنطقة، كسوريا واليمن وليبيا “حتى تتوقف الفتنة الدموية فيها”.
كما وجه بالمناسبة نداء إلى الجمعية المتوسطية من أجل “بذل مزيد من الجهد والدعم لتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه المشروعة في تأسيس دولته المستقلة عاصمتها القدس الشريف وإيقاف سياسة الاستيطان التي لا تزال إسرائيل تمارسها في الأراضي المحتلة”.
.. ويتحادث بروما مع رئيسي البرلمان الأوروبي ومجلس الشيوخ الإيطالي
تحادث رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، أمس، بروما، مع كل من رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني ورئيس مجلس الشيوخ الايطالي بييترو غراسو، حيث شكل هذان اللقاءان فرصة لتبادل وجهات النظر حول سبل الارتقاء بالعلاقات البرلمانية بين الطرفين ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وأوضح بيان لمجلس الأمة أن السيد بن صالح أجرى —على هامش أشغال القمة الرابعة لرؤساء برلمانات الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط— محادثات مع رئيس البرلمان الأوروبي سمحت ب«استعراض العلاقات الثنائية بين البرلمانين وسبل الرقي بها إلى مستويات أفضل، كما تم تبادل وجهات النظر حول المسائل الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”.
وقد أجمع الطرفان في هذا الإطار على “ضرورة مواصلة التنسيق على مستوى المحافل البرلمانية والتكثيف من تبادل الوفود والخبرات، يضيف المصدر ذاته.
من جهة أخرى، تحادث رئيس مجلس الأمة مع رئيس مجلس الشيوخ الإيطالي، حيث تبادل الجانبان وجهات النظر حول” إمكانيات الرفع من مستوى التعاون والتنسيق بين برلماني البلدين وكذا حول عديد القضايا ذات الاهتمام المشترك والتحديات التي تواجه دول المنطقة الأورومتوسطية”.
وبالمناسبة، هنأ بييترو غراسو الجزائر ب«نجاح” الانتخابات التشريعية الأخيرة، والتي “فتحت آفاقا أمام تعزيز وترسيخ البناء الديمقراطي والحريات في الجزائر”، كما قال.