تبني خيارات تستهدف المفيد من الرسكلة
للنفايات بمختلف أنواعها الصلبة، السائلة والغازية أضرار جسيمة، ومن الطرق الناجحة للتخلص منها «مراكز الردم التقني» التي تعتبر من أقدم أنماط معالجة النفايات وأفضلها من حيث السعر والفعالية وردود الفعل البيئية، وعادة هي الأماكن التي تـكـون مخصّصة لطمر النفايات في حفر ترابية مجهزة بشكل مسبق، ومن ثم يوضع فوقها طبقة من التربة بشكل متناوب مع الفضلات، وبعد امتلاء الحفرة تغطى بمواد عازلة، وفي أسوأ الأحوال تحرق الغازات المنطلقة منها بدل استغلالها، و هو ما تلجأ إليه مراكز الردم بالجزائر عامة وفق تأكيدات عديد المختصين.
السؤال المطروح إلى متى نستطيع بناء مدافن للنفايات بوهران التي تسعى جاهدة لمواجهة أزمة العقار لدوره المحوري في التنمية الاقتصادية والإجتماعية، لاسيما أنّ النفايات لا تتحلل بسرعة لعدم توفر الأوكسجين في المطامر، ناهيك عمّا يواجهه عادة إنشاء هذه المواقع من معارضة عنيفة من جانب السكان المحليين بسبب الروائح المزعجة.
في هذا الخصوص حاورت «الشعب» شلال دليلة، مديرة المؤسسة الولائية لتسيير مراكز الردم التقني بوهران التي أكّدت على ضرورة تبني خيارات أخرى تستهدف استرجاع المفيد من النفايات (الرسكلة) إضافة إلى الخيار الثالث والذي يتمثل في الحرق النهائي لهذه النفايات، وهي أسلم وسيلة حسبها دائما لخفض حجمها بمقدار 70 إلى 90% حسب محتواها.
أوضحت شلال في هذا الإطار، بأنّ الدولة الجزائرية قبل أن تتراجع مداخيلها جراء الأزمة الإقتصادية الأخيرة، كانت قد رفعت الرهان لإنجاز عدد من المحرقات، واحدة منها بوهران، تضيف نفس المتحدّثة معقّبة «الجزائر لا تزال حديثة العهد بهذا المجال الحساس وعليها أولا أن تتحكم في أساليب الردم أو الدفن مع تطوير طرق أخرى تلائم الطبيعة الجزائرية وإمكانياتها المادية والبشرية «.
...بدء نفاد المطامير المستغلّة والرهان على تمديد عمر الخندق الواحد
بلغة الأرقام، أشارت محدّثة «الشعب» إلى أن مراكز الرّدم التقني الثلاثة التي تم إنشاؤها بوهران ابتداء من سنة 2011 إلى غاية 2016، تعالج يوميا أكثر من 1800 طن وما يزيد عن 2100 طن خلال موسم الإصطياف والشهر الفضيل، مع العلم أنّها تغطي معظم بلديات الولاية التي تخلّصت من مشكل المفرغات العشوائية بنسبة كبيرة جدا.
وعن عمر الأحواض التي تتكون منها هذه المركبات المصممة خصيصا لحفظ الفضلات المختلفة بوهران، أوضحت شلاّل أنّه يتم استغلال ثلاثة «03» خنادق: الأول على مستوى مركز الردم التقني حاسي بونيف، والذي تصل سعته 1.2 مليون متر مكعب، تم غلقه منذ ثلاث سنوات، بعد تعبئته كليّا مع تسجيل ضعف في مجال التحكم في تقنيات الردم لحداثة هذا المجال في الجزائر عامّة.
يحدث هذا في وقت بلغت فيه الحفرة الثانية مستواها الأقصى الذي لا يتعدى 800 ألف متر مكعب، وهو ما يحتاج حسب نفس المصدر إلى تقنيات ودراسات معمّقة للإتجاه نحو علو الحوض المتواجد بمركز حاسي بونيف الذي بإمكانه استيعاب «04» خنادق أخرى، فيما يتم حاليا استغلال حفرة واحدة على مستوى كل من مركز أرزيو الذي يتسع لحوالي خندقين»02» ومركز العنصر الذي يتسع إلى أربعة «04» خنادق أخرى، سيتم إنجازها جميعا في آفاق 2030.
وفي ذلك أكّدت شلال أنّ «الحاجة إلى وسائل جديدة في مجال معالجة النفايات وتسييرها، ستبرز بقوّة بنهاية عمر الأحواض والتي لا يمكن استغلالها مرة أخرى»، مؤكدّة أنّ الرهان المطروح اليوم، يكمن في تمديد عمر الخندق الواحد من 5 إلى 7 سنوات.
وربطت ذلك بضرورة الإشراك الفعلي للمواطن في مجال تسيير النفايات، مشدّدة على الدور المحوري للمؤسسات التربوية في إعداد جيل مشبّع بالثقافة البيئية، التي تبدأ حسبها بــ «الفرز الانتقائي» للنفايات المنزلية لتخفيض الضغط على مراكز الردم، فيما تبقى «المشكلة الأساسية التي تواجهها المطامير الصحية في امتلائها السريع».
تقول نفس المسؤولة إن «فكرة مراكز الردم، مشروع مجتمع، جاء لتحقيق أهداف عدة، أبرزها تقنين وإضفاء الطابع المهني على قطاع تدبير النفايات والحفاظ على البيئية والصحة العمومية، وأيضا تحسيس المواطنين بضرورة فرزها بالمنزل وفصلها في أكياس مختلفة، بالإضافة إلى المساهمة في تطوير نظم تثمين النفايات لرفع مستوى الرسكلة أو إعادة التدوير».
وعلى ضوء ذلك، تمكّنت المؤسسة الولائية لتسيير مراكز الردم التقني لوهران من التعاقد مع أكثر من 30 مؤسسة اقتصادية تنشط في الفرز واسترجاع النفايات، فيما يطبّق حاليا الجمع الانتقائي للنفايات في أكثر من 40 مؤسسة تربوية نموذجية، بهدف ترقية السلوك البيئي وتحقيق التعميم التدريجي لهذا التصرف الحضاري على المستوى الولائي، تضيف نفس المتحدّثة مؤكدة مرّة أخرى على ضرورة تعزيز مثل هذه المبادرات من خلال التحسيس والإعلام والمشاركة الفعلية في تنفيذها.
...التجربة الأمريكية لإنتاج السماد العضوي
أشارت شلال في هذا الإطار إلى المبادرة التي تنفّذها حاليا هذه المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري بمعيّة عديد الأطراف، بما فيها مديرية المصالح الفلاحية والبيئة والصحة ومديرية التكوين المهني والتمهين، لإنتاج السماد العضوي (الطبيعي) بالاعتماد على مخلّفات سوق الجملة للخضر والفواكه، الكائن مقره ببلدية الكرمة، وهذا في إطار برنامج أنشطة مكتب المنظمة غير الحكومية «أر 20» بوهران.
وهي التجربة التي يتم تنفيذها حاليا على مستوى مركز التكوين المهني لبلدية مسرغين المتخصص في مهن الفلاحة، من خلال توظيف الخبرة الأمريكية في عملية «تخمير» الفضلات وتحويلها إلى سماد للأراضي الزراعية عن طريق التفاعلات الكيميائية.
حول هذه المسألة، ترى المتحدّثة أن الضرورة الملحة، تقضي بتنفيذ هذه العملية في «الحاويات»، باعتبارها إحدى الطرق الأكثر فعالية في التخلص من النفايات والفضلات بشكل اقتصادي، لاسيما وأنّه تم تخصيص قطعة أرضي لا تتعدى 1000 متر مربع داخل مركز الردم بحاسي بونيف الذي يغطي لوحده 12 بلدية تنتج يوميا 1400 طن من النفايات في الأيام العادية وأكثر من 1700 طن في الشهر الفضيل وموسم الإصطياف.
والمعروف على المستوى الوطني عامة ووهران خاصّة، أنّ النفايات المنزلية تشكل ما يقارب 50 % من النفايات التي نرميها؛ وبالتالي يصبح فتات وبقايا الطعام مصدرا وليست مجرد نفايات، خاصة وأنّ تكلفة إنجاز المصانع الخاصة بذلك تزيد عن 400 مليار سنتيم، حسب تقييمهم الخاص.
مع العلم أنّ كمية النفايات التي تحوّل يوميا من سوق الجملة إلى مركز الردم تقدّر بـ 12 طنا، أغلبها نفايات نباتية، حسب تصريحات مديره العام بوسعادة قدور.
وفي ذلك قالت إن العديد من العائلات بالدول الغربية، تعمل على تجميع نفايات المطبخ من بقايا الطعام والخضر وتحوّلها ذاتيا إلى مخصّبات عضوية؛ لتكون بمثابة مصدر غني لتربة حدائقها ومزارعها، موضّحة أن العمليّة مجانية وسهلة التحضير وجيدة للبيئة وتتم من خلال التحسيس ودورات تكوينية قصيرة المدى.
ضرورة الموازنة بين التطور المستمر والمشاريع البيئية
شدّدت شلال دليلة في الختام على ضرورة الموازنة بين التطور المستمر الذي تشهده الصناعة في عاصمة الغرب الجزائري وهران وبين المشاريع البيئية، باعتبارها حاضرة متوسّطية، محذّرة من المخلفات السامة الناتجة عن فضلات المؤسسات الصناعية والصيدليات والمؤسسات الإستشفائية ومختلف المرافق الصحية الأخرى.
حيث أكّدت أن مؤسستها تفرض رقابة شديدة على شاحنات نقل النفايات، لمنع دخول هذا النوع من الفضلات وغيرها من مخلفات المذابح والنفايات الهامدة الناجمة عن المواد الناتجة عن البناء والهدم، وفقا للقوانين والأنظمة المطبقة في مراكز الردم التقني.