تحوّلت وهران إلى قطب اقتصادي بفضل اكتمال حلقات سلسلة الاستثمارات الكبرى في مختلف القطاعات، التي أصبحت مشاريعها اليوم ملموسة تساهم في التنمية وتجرّ معها باقي ولايات غرب البلاد، في انسجام وتكامل مع الديناميكية التي تطبع وتيرة النمو وطنيا التي لاتزال صامدة في ظل تداعيات الصدمة المالية الخارجية.
تستعد الباهية لاحتضان مواعيد دولية في السنوات القليلة المقبلة لتوقع جدارتها بالمكانة التي ارتقت اليها في السنوات الأخيرة كنموذج للتوازن الجهوي بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية، في وقت تحرص الدولة على إعادة بعث سياسة التوزان الجهوي بمفهوم جديد يرتكز على الخصوصيات الاقتصادية المحلية وتثمين قدراتها في التنمية الأفقية جغرافيا ضمن متطلبات النموذج الاقتصادي الجديد الذي يسطر مسار التحرر من التبعية للمحروقات.
لم يعد للجهة الجغرافية مفهومها التقليدي القائم على عناصر غير مادية، مثل الانتماء لعرش أو قبيلة بكل ما تعكسه من انغلاق وانطواء، إنما أصبح للجهة الإقليمية، مفهوم عصري قائم على عناصر اقتصادية تسقط أمامها كل المعوقات والحواجز لتنفتح أمام الأفق الواسع لتستوعب الانشغالات والتطلعات وتستقطب الرأسمال الاستثماري المحلي والأجنبي الباحث عن فرص النجاح وهي متوفرة على أكثر من صعيد في الباهية وما حولها.
لقد كرس الدستور بعد التعديلات الدقيقة، والتي ينبغي قراءتها في العمق وبرؤية استراتيجية شاملة، التوجهات المستقبلية ضمن الخيار الديمقراطي المتوازن والإيجابي، والذي تمثل الانتخابات التشريعية للرابع مايو القادم أحد محطاته على طريق مرحلة جديدة لجزائر متجددة لا مجال فيها لقطيعة مع تاريخها وانتمائها بقدر ما يدفع المجهود الجبار الذي تبذله المجموعة الوطنية باتجاه تعزيز المكاسب وترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
إن قوة الجهة بمفهومها الجغرافي اليوم، تستمد من خصوصياتها الاقتصادية المحلية بأبعادها الإقليمية، ومن ثمة يفسح المجال أمام المبادرة الاستثمارية المكرسة في الدستور لاستقطاب الموارد والكفاءات من أجل صياغة التحول الاقتصادي، بما فيه الجانب المتعلق باستهلاك الطاقة، من خلال اعتماد خيار الطاقة المتجددة، خاصة وأن النسيج الصناعي في وهران، كما في باقي جهات البلاد، يعتمد على مصدر الطاقة التقليدية وحان الأوان للتحول إلى مصادر بديلة مثل الطاقة الشمسية.
غير أن الرهان لايزال في هذه الولاية متعلقا ببعث قطاعات متعددة أخرى خارج تلك التي تصنع المشهد الاقتصادي من محروقات وصناعة، مثل الفلاحة الموجهة للتصدير والسياحة التي تدعمت بمنشآت عالية الطراز، في انتظار ان تنجز استثمارات لفنادق موجهة للقدرة الشرائية المتوسطة المحلية والأجنبية لكن بمعايير خدمات دولية.
وتحسبا لزيادة وتيرة النشاط السياحي، كما هو مرتقب، من الضروري مواصلة تحسين التغطية الأمنية ومكافحة الإجرام العام لتعزيز مناخ الطمأنينة الذي يمثل قوة السوق السياحية التي تشمل الطبيعة ولكن خاصة الآثار والتاريخ.
ويرتبط كل هذا الطموح بشرط جوهري، يتعلق بمواكبة التوجه الحاسم لبناء اقتصاد إنتاجي ومتنوع بتحسين الحوكمة في إدارة الشأن المحلي لتضبط الإدارة عقاربها على ساعة الاقتصاد بما يعنيه من استثمار وإنتاج وتتصدير.