النرجسيـة ثقافة مرسخـة
خلال قراءة سميولوجية لقوائم ترشيحات بعض الأحزاب المشاركة في تشريعيات 04 ماي 2017، توقفت “الشعب” عند تقاطع عديد الملصقات في صفات مشتركة على غرار اختيار الألوان، و إبراز صورة المترشحين، و استعمال اللغة الأمازيغية مع وجود تباين في الكثير من الأمور الأخرى المتعلقة بعقيدة الأحزاب ومرجعياتها والكثير من الأشياء الأخرى المفاجئة والمتوقعة. بين الأحزاب الوطنية والمنتمية للتيار الإسلامي والديمقراطية يحتار المواطن من يختار في ظل الدعاية المكثفة التي تقوم بها التشكيلات السياسية لإقناع المواطنين بالمشاركة ثم اختيار من يريدون في مشهد يعكس “السوسبانس” الكبير للمترشحين قبل أسابيع من يوم الحسم.
الأرسيدي ......المترشحـون سواسيـة و للحجاب مكانـة
انفرد حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية في ملصقاته الخاصة بالحملة الانتخابية من حيث إبراز صور المترشحين متساوية و بلباس موحد تقريبا خاصة بين الرجال. ولم ينفرد متصدر قائمة العاصمة، رئيس الحزب، بإبراز صورته مثل الكثير من القيادات الحزبية.
ويظهر أن محسن بلعباس يريد بعث رسالة واضحة مفادها أن المواطن مطالب باختيار القائمة و ليس الأشخاص مبديا ثقة كبيرة في النفس من خلال الصورة التي يتوسط فيها مناضلي “الارسيدي”.
ما يمكن ملاحظته على قائمة الحزب هو اختيار اللون الأزرق الداكن القريب من “الأزرق الليلي” و هو يدل سميولوجيا على شخصية هادئة متحفظة ذات قيم وطموح تنسجم مع كل مكان هادئ مثلها وتترجم الحياة ترجمة مثالية راقيه وهي شخصية لا تنسى ويدل على التعقل والحب في حدود والكره في حدود، التعمق في فهم الأشياء، مع التنسيق والترتيب حتى في الدعوات والمواعيد. وتتمتع بذوق بين سحر السماء وغموض وثورة البحر.
واللون الأزرق الهادئ يمكن تفسيره في التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بالانتقال الهادئ لرئاسة الحزب بين الزعيم الروحي سعيد سعدي ومحسن بلعباس عكس الكثير من التيارات السياسية التي عرفت حركات تصحيحية و تمردات داخلية.
ونذكر بالمناسبة بأن سعيد سعدي أصر على الانتقال الهادئ لرئاسة الحزب لمنحه دفعا آخر بعد سنوات طويلة قضاها على رأس الحزب.
وانفرد الحزب بعدم وضع سن ومهن المترشحين تعبيرا منه على أن “الأرسيدي” له علاقة معنوية بمناضليه والمواطنين وبأنه لا يقدم إلا الأحسن ودون أن يثبت ذلك.
وللمحجبات مكان عند الحزب الذي لطالما ألصقت به صور ودعايات عن علاقته مع الدين في الوقت الذي يترجم فيه هذا السلوك مدى ترفع الحزب عنها.
ومنحت القائمة مكانة مهمة لشعار الحزب في الانتخابات حتى يكون محفزا لجلب أصوات الناخبين.
ملصقات أحزاب التيار الاسلامي .. يجوز للمتصدر ما لا يجوز للآخرين
الملاحظ عن الملصقة الإشهارية لحزب الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء للعاصمة، الحيز الهام الممنوح لمتصدر القائمة حسن عريبي، وهو ما يعكس انتشار ثقافة الزعامة لدى الأحزاب ذات التوجه الإسلامي وانفراد الرئيس ـ رئيس القائمة - بالدعاية الانتخابية وهو ما يجوز له ولا يجوز لمختلف المترشحين الذين لم يكتب حتى ترتيبهم في القائمة حيث وضعت الصور مع إبراز مهن ووظائف المترشحين حتى يعرف المواطن أن القائمة تحمل نخبة مثقفة وإطارات متمكنة في حياتها المهنية ومنه ضمان برلمان وهيئة تشريعية مثقفة.
ويطغى على ملصقة الحزب اللون الأبيض مع تواجد ملفت للأحمر والأخضر وهي الألوان التي لها عدة معاني فاللون الأبيض والأخضر مرتبطان بالإسلام كألوان للجنة والسلام، بينما يوظف الأحمر للتعبير عن التضحيات وعن دم الشهداء، وهذا من أجل التأكيد والحرص على الارتباط الوثيق لكل الأحزاب السياسية مع الثورة الجزائرية.
وحتى قائمة العاصمة لتحالف حركة “حمس” التي يتصدرها عبد المجيد مناصرة تحمل الكثير من الدلالات الرمزية للأحزاب ذات التوجه الاسلامي، حيث يستحوذ مناصرة على ثلث مساحة الملصقة وبصورة مكبرة تجعل الفرد لا ينظر للمترشحين الآخرين.
ويعكس هذا الوضع الرغبة الملحة لمناصرة دخول قبة المجلس الشعبي الوطني لإبراز دوره الريادي ومنح شعبية لحركته جبهة التعيير، والتأكيد لحركة مجتمع السلم التي أقنعته بضرورة الترشح بعد أن رفض ذلك عدة مرات.
ويظهر أن مناصرة الذي فضل الألوان الوطنية مع ميول اللون الأخضر كخلفية للملصقة الاشهارية الانتخابية يحاول التأكيد ل«حمس” التي انشق عنها بأنه أهل للثقة وسيعمل لرد جميل التحالف الذي يحاول تجريب مسار تكتل الجزائر الخضراء.
من صفات ملصقات القوائم الانتخابية لأحزاب التيار الاسلامي أن مرشحاتهم كلهن متحجبات في بعد رمزي لمرجعية الأحزاب.
وحاول حزب تجمع أمل الجزائر “تاج” الحفاظ على تقاليد الأحزاب الاسلامية من خلال منح مكانة مهمة لعمار غول رغم أنه لم يترشح حيث تم تعليق ملصقات له بالبرنوس في مشهد يحمل الكثير من الدلالات أهمها تمسك الحزب بتقاليد الجزائر وقربه من المناطق الداخلية التي تعتبر البرنوس إيحاء بالماضي والارتباط بتاريخ الأجداد والأصالة.
غير أن اللون الأزرق الذي يميز خلفية ملصقات “تاج” يعتبر لون السماء والبحر و«فايسبوك” ويتقاطع مع الكثير من المترشحين الذين انحازوا للون الأزرق الذي كان لونا مهيمنا في الرئاسيات.
حنون ... بالأسود والأبيض “أنا القائمة”
فضل حزب العمال المراهنة على صورة الأمينة العامة لويزة حنون للدعاية الانتخابية، وهي سنة متوارثة لدى الأحزاب اليسارية التي تقدس الزعامات وتجعل منها هي الكل في الكل، حيث يعمل المناضلون على إظهار التأييد للزعيم الحزبي والعمل من أجله مع تجديد الوفاء والإخلاص لسياسة الحزب التي تعتبر الأكثر صرامة.
وفضل العماليون الألوان البيضاء والحمراء، وحتى صورة لويزة حنون كانت بالأسود وبخلفية بيضاء والكتابة حمراء ما جعلها تبرز للعيان وسط كل الملصقات الإشهارية الأخرى وهو ما يؤكد حرص حزب العمال على الوفاء للون الأحمر المتواجد في أعلام آخر القلاع الاشتراكية على غرار الصين الشعبية وكوبا وكوريا الشمالية.
منح الحزب فرصة للمترشحين للظهور رفقة متصدرة قائمة العاصمة منذ 1997 لويزة حنون ويظهر على القائمة تجانس كبير وتركيز على فئة الشباب من المثقفين في مشهد يؤكد أن الحزب مقتنع بتحقيق نتائج إيجابية.
ويذكر أن اللون الأحمر من الألوان النارية والقوية، والذي يُعبّر عن الحب والنشاط والقوة، كما أنّه يزيد تفاعل الأفراد مع بعضهم البعض؛ كما أنّه يزيد الثقة بالنفس.
حزب الحرية والعدالة و الفجر الجديد ... انتخبوا الصحافة
تراهن بعض الأحزاب على إعلاميين لإقناع المواطن بضرورة التصويت عليها لولوج قبة المجلس الشعبي الوطني في ظاهرة ليست جديدة حيث نجح الكثير من رجال ونساء في الانتخابات التشريعية من نوارة جعفر، ونعيمة ماجر، ومراد بوطاجين، وعقيلة رابحي وحيازة صفة نائب، وهو ما دفع بالكثيرين للرهان على الإعلاميين الذين أودعوا ملفاتهم بقوة في تشريعيات 2017 ولكن الكثير منهم لم يرتب في المراتب الأولى عكس حزبي الحرية والعدالة والفجر الجديد.
واللافت للانتباه أن حزب الحرية والعدالة استعان باللون البرتقالي كخلفية للقوائم الانتخابية في إشارة للثورة البرتقالية بأوكرانيا، وقد يشير اللون البرتقالي إلى الرغبة في النجاح وقربه من مواقع القوة حيث ترتديه الكثير من النوادي والمنتخبات الكروية على شاكلة المنتخب الهولندي، كما تتخذ فرق فرسان أمريكية هذا اللون للدلالة على الوفاء والقوة.
وتبقى السلطة الرابعة مهمة لدى الكثير من الأحزاب لما لها من قدرة على جلب الإشهار والترويج للقوائم الانتخابية والأحزاب ويغنيها عن الكثير من الجانب الدعائي.
آيت أحمد لم يمت
يظهر أن تأثير الزعيم الروحي الراحل لحزب جبهة القوى الاشتراكية آيت أحمد لا زال قائما، حيث فضل الحزب اللجوء إلى صوره لإقناع المواطنين بالانتخاب على قوائم الحزب.
ويحمل لجوء أقدم حزب معارض في الجزائر إلى الرموز التاريخية عديد الدلالات أهمها الوفاء للزعيم الروحي ومنظر الحزب، والتأثير على عاطفة المواطنين لما للرجل من مكانة في قلوب الجزائريين كونه أحد الرموز التاريخية التي ساهمت بشكل بارز في نيل الجزائر لاستقلالها.
وتم تعليق ملصقات الحزب بمختلف شوارع العاصمة مثلما وقفت عليه “الشعب” بالأبيار، باب الزوار وساحة الشهداء مع نقص في الملصقات الخاصة بالمترشحين في ولاية العاصمة، وهي قد تكون خطة من الحزب وسوسبانس في إطار الحرب النفسية بين مختلف القوائم. فالأفافاس ربما يفضل التريث قبل إلصاق القوائم على اللوحات المخصصة لذلك.
واختار حزب جبهة القوى الاشتراكية صورا لمسيرات الحزب للإيحاء بأنه مازال معارضا وليذكر الناس بأيام الحزب التي كان فيها معارضا عنيدا قبل أن يتبع سياسة التفتح والحوار والمبادرة في سياق الوطنية والحفاظ على المكاسب.