أجمع جلّ المثقفين الذين جرّبوا حظّهم للترشّح للإنتخابات في مختلف الاستحقاقات، ولاسيما التشريعيات منها على أنّه لا مفر من التهميش والاقصاء لهذه الفئة لاعتبارات عديدة يلخّصها هؤلاء في رفض المثقف للتخلي عن مبادئه وأفكاره البنّاءة، فيما يعتقد آخرون بأنّ المثقف له رسالة مقدّسة لا يمكنه تبليغها لأهلها داخل أسوار المجالس المنتخبة.
❊ عزوق: رئيس إتحاد الكتّاب الجزائريّين فرع تيبازة
المثقّف له اهتمامات أخرى غير الانغماس في المستنقع السياسي
أعرب رئيس فرع ولاية تيبازة لاتحاد الكتاب الجزائريين عن رفضه المطلق لانغماس المثقفين في المستنقع السياسي الذي يحدّ من إبداعات واهتمامات هؤلاء، مشيرا إلى أنّ المثقّف له اهتمامات أخرى تعنى بمعالجة الواقع الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي للوطن بطريقته الخاصة بعيدا عن الصخب و المزايدات السياسية، وهو في غنى عن المناصب السياسية لتفجير طاقاته الابداعية والفكرية، بحيث يتم التطرّق لمختلف القضايا عن طريق القصيدة أو المقالة أو القصة أو الرواية وغيرها بشكل يلفت انتباه الجميع ممّا يسمح له بالولوج إلى عالم الابداع بكل أريحية، الأمر الذي يفتقده الفضاء السياسي. أما عن قضية التهميش والتخوف من المثقف من طرف القائمين على مختلف الأحزاب السياسية، فيرى عزوق بأنّ هذا الأمر يبقى ثانويا ولا أثر له على مشاركة هؤلاء في العملية الانتخابية، مستشهدا بكون العديد من المثقفين الذين يعرفهم رفضوا مناصب سياسية مختلفة عرضت عليهم في ظروف مختلفة أيضا باعتبارهم يدركون كل الادراك بأنّ ولوجهم عالم السياسة سيحدّ ولو ضمنيا مسارهم الابداعي والثقافي.
❊ الشّاعر محمد جلاوي:
المثقّف لا يقبل بأن يحدّد مصيره من هو أقل منه ثقافة وإدراكا
يعتقد الشّاعر المحنك محمد جلاوي بأنّ المثقّفين ولاسيما فئة الشباب منهم لا يقبلون على الاطلاق بأن يحدّد مصيرهم ويتحكّم فيه من هو أقلّ منهم وعيا وإدراكا وثقافة، وهو الأمر القائم بحذافيره في هياكل تسيير الأحزاب السياسية في الجزائر، بحيث يغلب على معظم المسيرين والقائمين على شؤونها طابع المستوى الدراسي المحدود والارتباط بالمصلحة الضيقة على حساب المصلحة العامة التي طبعت منذ القدم طبيعة الشخصية الجزائرية المتميزة عن باقي الشعوب المغاربية والعربية. وأكّد الشاعر جلاوي على أنّ المثقّف الذي يبلغ درجة عالية من الوعي والادراك لا يمكنه التفاعل ايجابيا مع مسيري أحزاب سياسية ذوي مستوى معرفي محدود ومتواضع كثيرا ما يعبّد الطريق نحو انشاء لوبيات الغش والنهب وإنتاج طبقة سياسية أسوأ من سابقتها في ظل واقع يشهد تدهورا مستمرا وتفاهة لا يقبلها عاقل للخطاب السياسي الوطني، وأكّد الشاعر جلاوي على أنّ هيمنة شخصيات طاعنة في السن والأمية على الحياة السياسية في الجزائر يولّد المزيد من مشاعر الاحباط والاشمئزاز لدى المثقفين لاسيما الشباب منهم، إلا أنّه بالرغم من كلّ هذه المؤشرات السلبية التي يرفض أهل الحل والربط تشريحها وتقويمها، فإنّ مجموعة لابأس بها من المثقفين تحدّت الواقع هذه المرّة واحتلّت مواقعها الحصينة بقوائم الترشح لمختلف الأحزاب اعتقادا منها بأنّ الخلاص يكمن في ورقة الترشح، فيما لا يزال البعض الآخر يؤمن ايمانا راسخا بأن الخلاص لا يمكنه أن يحيد عن الفكرة و الكلمة بعيدا عن ضوضاء التهريج السياسي الذي قد يقتل الكلمة والابداع أحيانا، وتبقى الساحة مع ذلك بحاجة ماسة الى التوفيق بين الطرفين من خلال إقناع الجميع بأن الخلاص ليس كتلة واحدة، وإنما هو عبارة عن أجزاء عديدة تقع في جوف كلّ شخص مهما كانت قناعته وبلغ مستواه.
❊ معشوق رئيس فرقة نور الساحل:
المثقّف يترفّع عن الانحدار بمستواه إلى المستنقع السياسي
بدوره أكّد رئيس فرقة الساحل الثقافية على أنّ المستوى الفكري والأخلاق المكتسبة للمثقّف لا يسمحان له بالانحدار والسقوط في المستنقع السياسي الذي لا يرحم، والذي التحمت به سمة الشكارة أكثر من غيرها من السمات الحميدة، فيما يبقى المثقف متشبثا بسمة الكفاءة كمعيار ذات أولوية لشغل المناصب، الأمر الذي لا يتقبّله القائمون على الجمعيات السياسية والذي يربطون في أغلب الحالات بميزات الأمية والمال والمحسوبية على حساب الكفاءة والشفافية المطلقة، وهو الواقع الذي لا يسمح بتاتا بممارسة المثقف لمهامه وخياراته ومواهبه، ومن ثمّ فقد أفرزت هذه الاشكالية قطيعة غير معلنة ما بين الطبقة السياسية المتحكمة بزمام الأمور في دواليب الأحزاب السياسية وطبقة المثقفين التي ترفض الانغماس طواعية في عالم الرداءة.
❊ المخرج المسرحي حبيب بوخليفة:
الأحزاب السياسية لا تحترم المثقّف
يعتقد المخرج المسرحي والأستاذ الجامعي حبيب بوخليفة بأنّه توجد عدّة حواجز تمنع المثقّف من الترشح ضمن قوائم الترشيحات التي تسيرها الأحزاب السياسية تأتي في مقدمتها اقتناع المثقّف بأنّ توجّهاته لا تتماشى ومصالح تلك الأحزاب، إضافة إلى كون الأحزاب نفسها لا تحترم المثقّف أصلا، ولولا هذه العوائق لانخرط المثقّفون في العملية الانتخابية بعفوية لأنّ ذلك لا يمنعه من مواصلة إبداعه وعطائه للمجتمع من الناحية المبدئية، وحين يلج المثقف إلى المعركة السياسية فإنّه يحدّد لنفسه أهدافا تتماشى وقناعاته ويمكنه تحقيقها مهما كانت الظروف بالنظر إلى استعداده للتعامل مع المستجدات، إلا أنّ القانون الجزائري لم يحدّد شروط الممارسة السياسية لاسيما حينما يتعلق الأمر بالترشح للمجالس المنتخبة، الأمر الذي أفرز واقع يتهافت فيه الانتهازيون نحو البروز والظهور في المقدّمة، في حين يترفّع المثقّفون عن ذلك بالرغم من كون بعض المناصب كمنصب النائب بالبرلمان مثلا يتطلّب مستوى علميا رفيعا وعاليا حتى يتمكّن النائب من إدراك وفهم كل القوانين التي يتم استصدارها.
❊ الشّاعرة كريمة وزان:
السياسة عندنا امتزجت بمفاهيم «الشكارة» والرّداءة
أكّدت الشّاعرة المتألّقة كريمة وزان على أنّ المثقّف في بلادنا لا يمكنه التأقلم بعفوية وسهولة مع الواقع السياسي، ولا يمكنه الانتساب إلى أحزاب سياسية كثيرا ما يحكمها مفهوم الشكارة ويحيط بها طابع الرداءة، وذلك لكون القائمين على الأحزاب ينبذون المثقّفين من جهة ويتقرّبون على الدوام بمن يملكون الأموال. وبالمقابل يرفض المثقّفون الشّرفاء الانغماس داخل هذا المستنقع الذي تحوم حوله عدّة مظاهر غير مشرفة، وفي كل الحالات فإنّ الرّداءة لا يمكنها أبدا أن تتعاقد أو تضم إليها أناسا يرفضون التخلي عن نظافة وحياة الضّمير.