بنــاء أول مركب للرياضات الميكانيكية في الجزائر مكسب اقتصــادي وسياحـــي هام
عندما نتحدث عن ولاية تيسمسيلت يتبادر إلى الأذهان مباشرة طابعها الزراعي والرعوي وهي التي تتميز بمساحات خضراء شاسعة وبالهدوء القادم من جبال الونشريس التي تغطي ما يزيد عن 70 من المائة من المساحة الإجمالية للولاية، لكن اسم تيسمسيلت الذي ينقسم إلى «تيسم» التي تعني غروب و»سيلت» التي تعني «الشمس»، لم تحتفظ باسمها - إن صح التعبير - بحلول قافلة الاتحادية الجزائرية للرياضات الميكانيكية، نهاية الأسبوع الماضي، بمناسبة إقامة سباقي السرعة للدراجات النارية والمركبات في المسابقة الكبرى للونشريس في طبعتها الأولى، وعاشت 48 ساعة بيضاء على وقع صخب وضجيج المحركات الذي نفض الغبار عنها وجعلها بفضل عشاق المحركات تعيش نهاية أسبوع تاريخية بامتياز.
مع دخول قافلة الاتحادية الجزائرية للرياضات الميكانيكية قلب مدينة تيسمسيلت، بدأ جمع من الفضوليين يتساءلون عن مقصد الجمع الغفير الذي دخل عاصمة الولاية وعن كل السيارات والشاحنات التي عجّت بها المدينة، وما هو إلا وقت قليل حتى عمّ صخب المحركات المدينة، بعد أن امتطى المتسابقون دراجاتهم لتحضيرها وتهيئتها لموعد السبت بالحظيرة الوطنية للأرز الرائعة بثنية الحد، في سباق السرعة للمسابقة الكبرى للونشريس، وهو ما جعل جل سكان المدينة يخرجون من ديارهم لالتقاط الصور مع المتسابقين والدراجات النارية التي كانوا يشاهدونها في وقت مضى عبر شاشات التلفزيون، وهو ما خلق جوا بهيجا سعد به سكان المدينة.
الحظيرة الوطنية لثنية الحد... ثروة غابية هائلة ومكان سياحي
انبهر المتسابقون ومسؤولو الاتحادية ورجال الإعلام بالمناظر الرائعة المتواجدة بالحظيرة الوطنية لثنية الحد، أو بالأحرى جنة الأرز، حظيرة غابية كثيفة تتوافر على مختلف أنواع الأشجار، أهمها شجرة الأرز الأطلسي، هذه الميزات جعلتها مصنفة كمحمية وطنية وعالمية وكأحد أهم الأقطاب السياحية في الجزائر وإحدى روائع بلادنا، لكنها غير مستغلة بشكل لائق. في هذا الصدد، قال والي تيسمسيلت عبد القادر بن مسعود، في إجابته على سؤالنا، «كما تعلمون ولايتنا تتميز بطابعها الجبلي وتملك مؤهلات سياحية هائلة. مسؤولو الاتحادية لما أكدوا لنا أنهم يريدون تنظيم سباق السرعة للدراجات النارية، عرضنا عليهم مسلكا في الحظيرة الوطنية لثنية الحد، فانبهروا لروعة المكان ووافقوا على إقامته هنا بالونشريس الأشم. وهذه فرصة كبيرة بالنسبة لنا من أجل التعريف بولايتنا وبما تزخر به من مؤهلات سياحية، وهذا ما سينعش حتما تيسمسيلت ويجلب إليها المستثمرين في شتى المجالات».
وأضاف محدثنا، «لقد قررنا، رفقة الاتحادية الجزائرية للرياضات الميكانيكية، ترسيم هذه المسابقة الكبرى كي تصبح تقليدا سنويا، وهو ما سيجعل سكان الولاية يهتمون أكثر بهذه الرياضة الدولية، خصوصا أن الاتحادية وعدتنا بإنشاء فريقين للرياضة بالولاية لترقيتها بين شبابنا».
سباق السرعة داخل المدينة
اليوم الثاني من المنافسة عرف برمجة المسابقة الكبرى للونشريس الخاصة بالمركبات على مسلك مغلق داخل عاصمة الولاية. واستيقظ سكان المدينة على صخب محركات المركبات التي بلغت 43 ابتداء من السادسة صباحا.
الفضول جعل الرجال والأطفال والشباب يخرجون من منازلهم للوقوف على كل صغيرة وكبيرة. وكانت فرصة للأبناء لركوب سيارات السرعة وأخذ صور تذكارية ستبقى راسخة في ذكرى كل واحد منهم.
وما إن بدأ العرض الكبير على الساعة التاسعة صباحا، حتى خرجت كل العائلات من منازلها واصطفّت على الأرصفة تشجع المتسابقين حاملة الرايات الوطنية، وهو ما جعل كل السكان يقضون نهاية أسبوع تاريخية، ستبقى راسخة في أذهان كل واحد منهم، حيث قال المواطن «ب. قدور»، «أبلغ من العمر 53 سنة ولدت هنا وترعرعت وتزوجت وأنا رب عائلة، لما عشت هذا السباق وشاهدت العدد الهائل من أبناء بلدي الذين قدموا من كل أنحاء الوطن، وما صنعوه من جو حماسي رسم الفرحة على أبنائي وأبناء الولاية».
وذهب إلى أبعد من ذلك حين قال: «تيقنت بأن ولايتنا نفض عنها الغبار أخيرا، فمنذ قدوم الوالي الجديد، منذ حوالي 7 أشهر، قلب الولاية رأسا على عقب ولما هو إيجابي، وتحركت الكثير من الأمور في الطريق الصحيح وأصبحت الولاية تعرف زيارات متعددة من قبل الوزراء وكبار المسؤولين في البلاد، وهذا ما من شأنه أن ينعش ولايتنا ويجلب الخير لها ولسكانها. بالمناسبة، أشكره على كل العمل الذي يقوم به وأتمنى أن يبقى لأطول مدة ممكنة هنا، حتى تتجسد المشاريع التي يهدف لتحقيقها. كما أتمنى أن يعود سباق السرعة لولايتنا حتى نستمتع في كل مرة بالصور الرائعة التي صنعها المتسابقون».
حركية في المدينة والتجار أبقوا محلاتهم مفتوحة ليومين
المسابقة الكبرى للونشريس كانت مناسبة لافتتاح الموسم الرياضي لسنة 2017 بالنسبة للاتحادية الجزائرية للرياضات الميكانيكية ولإقامة أول سباق سرعة في تاريخ الولاية، لكنها كانت مناسبة أخرى لإنعاش المدينة اقتصاديا، فاستفادت محطات الولاية للتزود بالبنزين، وبقيت مجندة لتوفير الطاقة لكل المركبات خصوصا الرياضية ولكل القافلة.
كما أن تجار المدينة قرروا عدم غلق محلاتهم ليومين كاملين بعدما غزا عشاق المحركات والسرعة ولاية تيسمسيلت بأعداد غفيرة لم تسعهم حتى الفنادق الثلاثة للمدينة التي أعلنت، لأول مرة، في تاريخها في لافتات أنها محجوزة عن آخرها، وهو ما جعل بعض المتسابقين من نادي بئر خادم وبن عكنون يقررون المبيت أمام أبواب غرف زملائهم في الفريق بنفس تكلفة الحجرة الواحدة.
في هذا الصدد قال «يوسف»، متسابق وميكانيكي من فريق بن عكنون، «الرياضات الميكانيكية لطالما تحيي وتنعش المدن التي نتنقل إليها، أمارس هذه الرياضة منذ سنوات وتنقلنا مع الرابطة لمختلف ولايات الوطن. سابقا كنت أشعر بأن تنقلنا إلى الولايات الداخلية كان يسعد السكان ويجعلهم يهتمون برياضتنا، لكن هذه المرة شعرت بأننا أدخلنا البهجة وأنعشنا ولاية بأكملها، نظرا للتجاوب الكبير الذي لقيناه من السكان الذين أكدوا لنا أنها المرة الأولى التي يعيشون فيها أجواء كهذه، موضحين أنها أخرجتهم من العزلة التي لاحقتهم لسنوات».
في نفس السياق، قرر بعض الوافدين على مدينة تيسمسيلت من الذين كانوا أقل حظا لعدم وجود مكان للمبيت، البقاء في مقاهي الساحة الرئيسية للمدينة إلى غاية انطلاق السباق، وهو ما جعل المدينة تقضي 48 ساعة بيضاء وسط أجواء خرافية صنعها عشاق سباقات السرعة، وسمح ذلك لكل تجار المدينة باستغلال الفرصة ومضاعفة عدد ساعات العمل لجني أرباح مضاعفة. كما قرر بعضهم الآخر التنقل إلى ولاية تيارت المجاورة التي لا تبعد عن تيسمسيلت سوى بـ80 كلم، للحجز في فنادقها والعودة صبيحة السباق إلى تيسمسيلت للتسابق أو مشاهدة العرض الأول للموسم الرياضي.
مشروع بناء مركب ضخم...
على هامش المسابقة الكبرى للونشريس، تم تقديم مشروع ضخم لبناء مركب خاص بالرياضة الميكانيكية بدائرة خميستي بولاية تيسمسيلت، بعدما منح والي الولاية «عبد القادر بن مسعود»، قطعة أرض للاتحادية بمساحة تقدر بـ75 هكتارا.
بهذا الصدد أكد رئيس الاتحادية «شهاب بهلول» بأن المركب الخاص بالرياضات الميكانيكية سيشكل مكسبا اقتصاديا وسياحيا هاما للجزائر، وتحدث قائلا: «لقد ناضلنا لسنوات عدة لمحاولة تحقيق هذا المشروع الضخم الذي سيقام هنا بمدينة تيسمسيلت على مساحة إجمالية تقدر بـ75 هكتارا، وهو ما سيسمح لنا بالحديث عن تطوير الرياضة الميكانيكية في الجزائر التي تفتقر إلى البنى التحتية الأساسية».
هذا المركب الأول من نوعه في الجزائر المحاذي للطريق الوطني، سيحتوي على مضمار للسرعة خاص بالسيارات تقدر مسافته بـ3.7 كلم وبـ3.2 كلم الدراجات النارية وآخر خاص بالدراجات الاستعراضية وسباقات «الموتوكروس» سيكون تقنيا للغاية بمسافة تقدر بـ2 كلم، كما سيتوفر على مضمار لـ «الكارتينغ» داخل القاعة وخارجها بكلم واحد، ومضمار خاص بالسيارات رباعية الدفع على مسافة تقدر بـ 1.8 كلم، وسيسمح لعشاق السرعة بجلب مركباتهم ودراجاتهم للقيام بالتدريبات، إلى جانب كل هذا يحتوي المركز على مدرجات للجمهور وفندق من 4 نجوم مكون من 100 غرفة ومسبح ومركز تجاري ضخم، إضافة إلى عيادة لإسعاف المصابين ورعايتهم، وقاعة للمحاضرات ومطعم وقاعة للمراقبة ومرفق للسيارات بطاقة استيعاب تقدر بـ100 سيارة وفضاء محاذي خاص للعائلات.
عن قيمة المشروع كشف «بهلول»، أنها «تقارب 400 مليار سنتيم لإنجازه، أي ما يعادل قيمة ملعب لكرة القدم بطاقة استيعاب تقدر بـ50 ألف مقعد. حاليا لا يمكننا أن نتكهن بمدة الإنجاز، لأنه مشروع ضخم ويلزمه إمكانات مادية كبيرة ودراسة تقنية معمقة. منذ أسابيع فقط تحدثت مع رئيس الاتحادية الدولية للرياضيات الميكانيكية، وأكد لنا أنه سيساعدنا في القيام بالدراسة الميدانية للمشروع مع مكاتب الدراسات المتخصصة في هذا المجال، متابعته وتموليه بنسبة 50٪»، وقال: «مهمتنا الآن إيصال الملف إلى الاتحاد الدولي، ويجب علينا تسجيل هذا المركب وإدراجه ضمن المشاريع الكبرى لوزارة الشباب والرياضة».
رئيس الاتحادية الجزائرية للرياضات الميكانيكية، كشف أن هذا المشروع سيسمح بتوفير مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة من 80 إلى 120 منصب شغل قار، موضحا أن تأسيس هذا المضمار سيسمح بإنعاش خزينة الدولة، خصوصا أن المداخيل السنوية لمضمار بالمواصفات الدولية تقدر بـ20 مليون دولار، مشددا على أن الأولية حاليا هي الشروع في الدراسة الميدانية وبناء مضمار خاص بالسيارات رباعية الدفع ومضمار لدراجات «موتوكروس»، لأنها أقل تكلفة ومداخيلها ستساعد في تمويل باقي المشروع.