اجتهدت الأحزاب قبل الانتخابات التشريعية، في اختيار أنسب الشعارات للتميز والتأثير على نفسية الناخبين واستمالتهم للتصويت على برامجها ومنه الفوز بالأغلبية في المجلس الشعبي الوطني، في ظل توفر كل الظروف لإنجاح أول انتخابات في عهد التعديلات الدستورية الجديدة، وكذا قوانين الإصلاح التي دخلت حيز التطبيق منذ أشهر، في سياق ترقية الممارسة الديمقراطية والتخلص من المراحل الانتقالية التي كانت دائما عائقا أمام بناء مؤسسات قوية تخلص المجتمع من الخطاب العنيف وتسويد الوضع.
تعرف الساحة السياسية قبل تشريعيات 04 ماي، تنافسا معلنا وغير معلن لاستقطاب الناخبين في مهمة تبدو عسيرة جدا، بالنظر لطبيعة الوعاء الانتخابي ونسب المشاركة في الانتخابات السابقة.
المطلع على شعارات الأحزاب، يلاحظ تقاطعها في توظيف كلمات رمزية ذات دلالات سميولوجية عميقة، الهدف منها التمايز وإظهار روح المسؤولية تجاه الاستحقاقات والمجتمع والابتعاد عن العنف السياسي لأبعد الحدود.
التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية... انطلاقة جديدة للجزائر
اختار حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية “الأرسيدي” شعار: “انطلاقة جديدة للجزائر” لحملته الانتخابية. يحمل هذا الشعار الكثير من الخلفيات النابعة من برنامج الحزب الذي أنشئ في 1991 وتمكن من كسر أغلبية حزب الطليعة الاشتراكية، خاصة في منطقة القبائل.
يشير الشعار إلى ضرورة تبني برنامج الحزب من أجل تحقيق انطلاقة جديدة من الهيئة التشريعية وضرورة منح “الأرسيدي” فرصة لقيادة الغرفة السفلى للبرلمان.
يظهر من خلال الشعار أيضا، أن الأرسيدي، الذي يصنّف ضمن الحزب المعارض ويعتبر من الأحزاب القلائل التي تم فيها التداول على الرئاسة بطريقة ديمقراطية، انه يوجه رسالة إلى أحزاب الموالاة من خلال ضرورة ترك الآخرين ينفردون بالمجلس الشعبي الوطني.
يتميز شعار الحزب، الذي قاطع الانتخابات التشريعية السابقة، بالقصر، حيث يتشكل من 3 كلمات، مبرزا كلمة الجزائر كرد فعل منه على الذين يتهمونه بالجهوية وبمحاولات تقسيم البلاد وغيرها من الدعايات السلبية التي مافتئت تلاحق الحزب منذ نشأته.
الأفافاس... تعبئة سلمية والتزام مدني
فصل حزب جبهة القوى الاشتراكية “أفافاس” في الشعار الذي سيدخل به الانتخابات التشريعية، من خلال لجوئه لمصطلحات التعبئة السلمية والالتزام المدني الذي يعكس تشبعه بالمبادئ الاشتراكية وعدم تفريطه في الخطوط العريضة التي ظل الأب الروحي الراحل حسين آيت أحمد ينادي بها ويدافع عنها منذ 1963 تاريخ نشأة الحزب.
يسعى الحزب، الذي سيختبر نفسه في مدى قدرته على مواصلة نضال الراحل في أول استحقاقات، مستثمرا الديناميكية التي يتواجد عليها، خاصة من خلال نجاحه في التداول على رئاسة الحزب، حتى لا تطغى الزعامة وينحرف عن الهدف الذي أسس من أجله.
يظهر أن الحزب أخذ بعين الاعتبار التحولات الإقليمية والدولية التي تتميز بالتوتر وكثرة المؤامرات ضد الجزائر. لهذا يحاول من خلال توظيف شعار “تعبئة سلمية”، الدعوة إلى تفادي العنف السياسي والاجتماعي لتحقيق أهداف الحزب.
وتشير كلمات “التزام مدني”، إلى دعوة الشعب الجزائري إلى محاسبة الحزب عن عهدته السابقة والتأكيد على أهمية صون صوت الناخب، من خلال الدفاع عن حقوقه والالتزام ببرنامج الحزب وممارسة المعارضة السلمية المبنية على البرامج،واقتراح البديل.
يعمل “الأفافاس” دائما على إبراز صورته كحزب وطني منتشر عبر التراب الوطني والرد على الذين مازالوا يقولون إن صوته لا يتعدى ولايتي بجاية وتيزي وزو.
”الأرندي”... ترقية سياسية واجتماعية فعالة وعادلة وتضامنية
وقع اختيار حزب التجمع الوطني الديمقراطي “الأرندي” على شعار الترقية السياسية والاجتماعية الفعالة وهي كناية على عدم رضا الحزب بالمستوى الذي يسود الساحة السياسية وتدهور مستوى الخطاب السياسي وانتشار الشعبوية، وهو ما جعل الحزب يدعو لترقية الأداء السياسي، الذي له تأثير كبير على استقرار الجبهة الاجتماعية.
يرى “الأرندي” في تجسيد العدالة الاجتماعية وترقية التضامن الوطني، محورا هاما لإنجاح العمل السياسي، حيث يؤدي تحسين أوضاع المجتمع والاستجابة لتطلعاته من خلال التنمية دورا إيجابيا في اقناع الأفراد بالتصويت.
ويحافظ التجمع على شعاراته في مختلف الانتخابات من خلال التركيز على شخصية قائد الحزب، الذي يقوم تقريبا بزيارة جميع الولايات للوقوف على تسويق شعارات الحزب ومقابلة المواطنين للتعرف على صدى توغل الحزب والاستماع لانشغالات الجماهير.
جبهة التحرير الوطني... رهان على التفاؤل
رفعت حزب جبهة التحرير الوطني “الأفلان”، رهان التفاؤل لخوض الحملة الانتخابية لتشريعيات 04 ماي، ويحمل التفاؤل دلالة كبيرة للحزب الذي مر بعواصف هوجاء منذ أكثر من 15 سنة، جعلته محل شكوك وريبة وعدم استقرار وكثرة الصراعات الداخلية التي أثرت كثيرا على أدائه وكادت أن تفقده الأغلبية البسيطة التي كان يفوز بها في مختلف الاستحقاقات منذ 2002.
تعمل قيادة الحزب على تغيير الخطاب السياسي الذي أساء كثيرا من قبل لسمعة الحزب وجعل الكثيرين يتساءلون عن القيمة التاريخية لخطاب “الأفلان” الذي كان جامعا للجزائريين في وقت ما، ويرفض الكثيرون جعله مطية أو غطاء للتشكيك والتخوين، ووسيلة لتصفية الحسابات.
يأتي تفاؤل الحزب، في ظل مروره بمنطقة اضطرابات داخلية بعد إعداد قوائم التشريعيات وما صاحبها من لغط واتهامات وتخوفات من تأثير ذلك على النتائج النهائية للتشريعيات، التي قال الأمين العام “للأفلان” جمال ولد عباس إنها يجب أن تتجاوز 50 من المائة.
تحالف “حمس”... لجزائر النماء والهناء
استنجد تحالف حركة مجتمع السلم بمصطلحات “الهناء والنماء” وإرفاقها بالجزائر من أجل إقناع الناخبين بالتصويت على قوائمه، التي تعرف تحالفا جريئا مع الإخوة غير الأشقاء، في مشهد للتأكيد على أن الإسلاميين ومهما افترقوا بإمكانهم الاجتماع والتحالف، تنفيذا لوصية الشيخ الراحل محفوظ نحناح الذي يعتبر منظر الحركة وأبا روحيا لأبنائها.
تقترب كلمات شعار التحالف من الأوساط الشعبية، فالاستنجاد بكلمة “الهناء” فيها دلالة سيميولوجية على رغبة الحركة في الاقتراب من الشعب الجزائري، الذي وفي ظل غلاء المعيشة وكثرة التهديدات الخارجية والمؤامرات، وحديث الجميع عن ضرورة العمل للحفاظ على سلامة وأمن الجزائر كأولوية واللعب على أوتار الخطاب الشعبي لاستمالة الناخبين وحجز مقاعد في المجلس الشعبي الوطني بمستوى رهانات التحالف الذي يتخوف من فشل ذريع في الانتخابات، قد يكلفه غاليا على مستوى الأوضاع الداخلية، شأنه شأن عديد الأحزاب التي تخشى ردود فعل القواعد بعد نتائج الانتخابات التشريعية التي ستكون مفصلية.
جبهة المستقبل... رحلة البحث عن الثقة
تبحث جبهة المستقبل عن الثقة لإقناع الناخبين بتبني خيارات برنامجها للهيئة التشريعية المقبلة. فالجبهة التي قامت بعديد الإصلاحات الداخلية، من خلال توسيع المشاركة في هياكل ومؤسسات الحزب، سعيا منها لتعزيز قواعدها ومحاولة اقتحام الساحة السياسية وحجز مكانة ضمن الكتل البرلمانية لإسماع صوتها والدفاع عن خياراتها.
يدعو الحزب، الذي يشارك للمرة الثانية في الانتخابات التشريعية، إلى وضع الثقة في مرشحيه لمزاحمة القوة الحزبية التقليدية. ويظهر أن اختيار شعار “الثقة في المستقبل”، دعوة أمل للشعب الجزائري لتفادي التسويد والتأثر بخطابات اليأس.
«تاج” و«التحالف الوطني الجمهوري”... الوفاء والتحالف من أجل الجزائر
اختارت الكثير من الأحزاب الأخرى “الوطن” لتسويق شعارات حملتها الانتخابية تحسبا لتشريعيات 04 ماي المقبل، وهذا في سياق التحسيس بأهمية حماية المكاسب الوطنية والترفع عن الذات والأنا وهي أهم ميزات الخطاب السياسي لهذين الحزبين المحسوبين على الموالاة.
هذه قراءة في شعارات الأحزاب التي اختارتها للحملة الانتخابية التي تنطلق، اليوم، رصدناها... وسنواصل سرد شعارات أحزاب أخرى لاحقا، عملا بمبدإ الاعتدال وعدم التحيّز لأية تشكيلة سياسية في هذا المعترك الانتخابي الحاسم قبل موعد 4 ماي الداخل.