إثبات وجود الأمة الجزائرية
يعود بنا الدكتور خبزاوي عبد الكريم أستاذ بجامعة محمد الشريف مساعدية في سوق أهراس إلى ذكرى الـ19 من مارس 1962، قائلا إنه فعلا كان عيدا للنصر كلل بعد سنوات من الكفاح المرير ضد فرنسا الاستعمارية التي تفننت في شتى وسائل الإبادة والتعذيب لأزيد من 130 سنة.
قال الدكتور خبزاوي إن المحطة لاستلهام العبر في الاستماتة في الدفاع عن الوطن، وهو درس نبيل قدمه شرفاء هاته الأرض لكي نحافظ على هاته الأمانة الغالية على قلوبنا جزائر الاستقلال والحرية التي ننعم في ظلها اليوم .التفاصيل في هذا الحوار الذي أجرته «الشعب» مع الدكتور أستاذ التاريخ .
- الشعب: ماذا يحمل 19 مارس 1962 من قيمة وأي موقع يحتله عيد النصر في النضال التحريري؟
الدكتور خبزاوي عبد الكريم: تاريخ وقف إطلاق النار فعلا هو عيد للنصر الذي كلل بتضحيات جسام، حربا ضروسا قادها الأحفاد طيلة الـ07 سنوات ونصف، وآلام وجراح وجوع وتشريد وتقتيل ذاق ويلاتها الشعب الجزائري مدة 130 سنة من الاحتلال الفرنسي الغاشم، هي محطة فعلا حاسمة من تاريخ الثورة التحريرية أنهت ورما خبيثا تم زرعه في جسد هذا الوطن الطاهر، تم إجتثاثه بقوة السلاح، تم القضاء عليه ودحره هو وفلوله من الخونة والمرتزقة في الـ 19 من مارس 1962، لما أصاب القوة الاستعمارية العجز والوهن، ولما استنفذت كل الحيل والألاعيب والوعود الكاذبة، لم يبق لها سوى باب واحد مفتوحا، وهو أن ترحل وتدع هذا الشعب يقرر مصيره بنفسه، ويعيش على أرضه في سلام .
- قي أي سياق تدرج المحطة التاريخية الحاسمة؟
السياقات التاريخة كأستاذ في التاريخ يمكن أن نلخصها في العديد من النقاط، أهمها أن الفضل الكبير بعد الله سبحانه وتعالى يرجع في الوصول إلى هاته النقطة الحاسمة الدقيقة التي جر إليها الأجداد المجاهدون الأبطال الإدارة الاستعمارية آنذاك إلى طاولة المفاوضات هي قوة السلاح، وإشتداد عود الثورة التحريرية المضفرة، وتوحيد القيادة العسكرية التي انبثقت عن قرارات مؤتمر الصومام، وخاصة توحيد الولايات، وتنظيم الجيش على مستوى القيادات وتوزيعها وكذا تقليد الرتب، وهي الفجوات التي كانت عبارة عن منافذ للنجدة يريد الاستعمار الفرنسي استغلالها لتفريق وتشتيت الثورة .
حاول الاستعمار وناور كثيرا في هذا المستوى، لكن حنكة القيادة الثورية، والوطنية والحس الوطني العالي أحبط هاته المخططات الدنيئة وأفشلها كلها، كذلك هناك نقطة أخرى دقيقة جدا وهي الاستقلال الذي تم منحه لكل من الجارتين تونس والمغرب، الأمر الذي فعلا كان له دور فعال في تمكين الثورة الجزائرية هنا على جبهة واحدة، واستغلال علاقات الأخوة بين شعبي الدولتين في فك الخناق وتمرير السلاح والمؤونة جهة الداخل بعد التضييق المحكم الذي فرضه المستعمر على الشعب الجزائري، الذي وصل به الحد إلى محاولة عزل الثورة عن الشعب وسياسة المحتشدات التي تم بناؤها ووضعها تحت الرقابة العسكرية الفرنسية .
- أي موقع للدبلوماسية في هذا المسار النضالي التحرري؟
المحطة التي لا تقل أهمية عن باقي المحطات المفضية إلى وقف إطلاق النار هي انتصار المعركة الدبلوماسية التي خاضها مناضلو جبهة التحرير الوطني مع الإدارة الاستعمارية الفرنسية، بعد مسار عسير من المفاوضات والاتصالات السرية والعلنية هاته المفاوضات والتي تعد ثمرة للعديد من الإتصالات التي مارستها الإدارة الاستعمارية كوسيلة لاستعطاف قيادتها والقضاء عليها تعود أولى هاته الإتصالات الأستعمارية والثورة التحريرية في 16 فيفري 1955 وهو أول اتصال رسمي من السلطة الفرنسية بين الرائد مونتاي (الملحق بديوان الوالي العام على الجزائر جاك سوستيل) مع مصطفى بن بولعيد بالسجن في تونس.
لتتوالى هاته الاتصالات السرية، وتقوى معها شوكة المقاومة الوطنية الداخلية، بالمقابل تتراجع معها القوة الاستعمارية العسكرية، وهاته كانت نقطة الارتكاز الوحيدة والأكثر أهمية في الدفع إلى مفاوضات إيفيان من 07 إلى 18 مارس 1962 بعد تقريبا سنة من الاتصالات والمفاوضات توصّل فيها الوفد الجزائري بفضل إرادة وحنكة أعضاءه السياسية إلى مباشرة المفاوضات الرسمية والعلنية بمدينة إيفيان في فرنسا، على أن تكلل بوقف إطلاق النار بين الطرفين وهو الإقرار الاستعماري العلني ولأول مرة بقوة الثورة الجزائرية والرضوخ إلى مطلب وقف إطلاق النار تحت القوة فعلا، قوة الثورة الجزائرية من جهة ومن جهة أخرى صلابة وحنكة الوفد الجزئري المفاوض الذي كان على رأسه خيرة أبناء هذا الوطن.
- ماهي أبرز العبر التي نتخذها من هاته المحطة واعتبارها عيدا للنصر ؟
فعلا هناك العديد من العبر التي تركتها هاته المحطة التاريخية عيد النصر، أهمها القيمة الغالية للأرض والوطن والإبداع في الحفاظ على هاته القطعة الثمينة التي مات لأجلها الأجداد، قدموا الغالي والنفيس في سبيل استرجاعها من أيادي غاصبة غاشمة آثمة، بقوة السلاح، وبالإرادة، هو التعلق الذي فرض على أجدادنا أن يسلكوا طريق الحرية والشهادة في سبيل الله وفي سبيل تحرير الوطن، نقلوا لنا صفحات مضيئة من تاريخنا المجيد.
كذلك هناك عبرة هامة من هذا الحدث، وهو الخلاص الذي تم مناشدته بسبب الحرمان بسبب الاستعمار بسبب الاستغلال البشع للشعب الجزائري من طرف الاستعمار الفرنسي، كيف لشعب يتجاوز تعداده آنذاك 08 مليون جزائري، يتحكم فيه قطيع من المرتزقة المعمرين الذين كانو يقدرون بـ 800 ألف معمر فرنسي.
العبرة الأخرى وهي الدولة الجزائرية التي كانت عبارة عن منجم للمادة الأولية لأوربا في ظل الإدارة الاستعمارية، وأبناؤها يعيشون الفقر المدقع والجوع والحرمان والتمييز على أرضهم.
- كيف يمكن الاستلهام من المفاوض الجزائري الذي استعاد الجزائر كاملة ؟ أي درس نتبعه في مواجهة التحديات والتهديدات؟
نأخذ من المفاوض الجزائري هاته العبر في سبيل الحفاظ على هاته الأرض الطيبة التي تم الاستماتة في سبيل استعادتها كاملة.بما أننا في عيد النصر نقول إن أهم عبرة أيضا تسوقها لنا ذكرى 19 مارس هي القوة السياسية للمفاوض الجزائري الذي كشف عن حنكة لا تقاوم، إكتسبها من ازدواجية التعليم آنذاك، وهي غنيمة حرب نعتز بيها كجزائريين، وهذا الأمر سهل من فهم الطرف الفرنسي وفك خيوط الحبكة لدى الوفد المفاوض، وأهم جزء في هاته المفاوضات هي وحدة التراب الوطني، كخط أحمر لا تفاوض عليه . وهو خط أحمر في الظرف الراهن والتحديات الإقليمية والدولية.
وهذا الفضل الكبير يعود لأولئك الأشاوس الذين كانو على طاولة المفاوضات من أمثال كريم بلقاسم، سعد دحلب، لخضر بن طوبال، محمد يزيد، عبد الحفيظ بالصوف ...وغيرهم من الوفد الذي ضم تقريبا 12 عضوا من خيرة الرجال .
لتكلل هاته المفاوضات يوم 18 مارس 1962، وبالضبط على الساعة الخامسة وأربعين دقيقة، وبعد اجتماعات طويلة مرهقة دامت 12 يوما متتالية.