طباعة هذه الصفحة

التحليل الأسبوعي

شراكة متوازنة الأعباء والمنافع

سعيد بن عياد
18 مارس 2017

تبقى الجزائر الشريك الأول في منطقة شمال إفريقيا مع الاتحاد الأوروبي لما توفره من فرص للتبادل والاستثمار، وتؤكّد المؤشّرات إمكانية تحسين معادلة المبادلات ضمن رؤية واضحة تأخذ في الاعتبار مصالح الطرفين، بمعنى بناء شراكة متوازنة الأعباء والمنافع.
بلا شك أن اعتماد نظام رخص الاستيراد التي لجأت إليها الجزائر انسجاما مع توجّهها القائم على النموذج الجديد للنمو أزعجت بعض الأوساط التي تعودت على التعامل مع السوق الجزائرية في اتجاه واحد، وقضية التفاح المستورد خير مثال.
غير أنّ الاتفاقيات الأخيرة التي تم توقيعها تفتح آفاقا لتصحيح مسار الشراكة، التي كلفت الجزائر منذ توقيعها خسارة مداخيل بحوالي 7 ملايير دولار جراء تفكيك الرسوم الجمركية، ومن حقها اليوم أن تحرص على إعادة ترتيب الأحكام وضبط الآليات بما يوفر للطرفين مساحة تبادل متوازنة وعادلة.
لقد حرصت الجزائر علاوة على التعاون في المجالات السياسية والأمنية، في كل الأوقات بما فيها خلال أزمات مسّت الضفتين، على ضمان تموين بلدان الاتحاد الأوروبي بالغاز الطبيعي خاصة، كما التزمت بروح الشراكة كزبون منتظم، إلا أن تداعيات الصدمة المالية الخارجية جراء انهيار أسعار المحروقات فرضت اتخاذ التدابير المطلوبة لمواجهة الوضع، على غرار ما قامت به بلدان عديدة منها أوروبية غداة الأزمة المالية العالمية في 2008.
لقد لجأت بلدان من الاتحاد الأوروبي، تحت تأثيرات هزات تلك الأزمة العنيفة التي فجرتها قروض الرهن العقاري في أمريكا لتمتد إلى أوروبا، إلى البنوك المركزية لإعادة تمويل اقتصادها وحماية شركاتها وفرضت أخرى أنظمة حمائية غير مباشرة خاصة في الفلاحة والخدمات والتجارة الواسعة من خلال إرساء أنظمة معايير غير ديمقراطية تعكس نزعة الهيمنة ومحاصرة المؤسسات المنافسة من الضفة الأخرى.
لكن ينبغي التوضيح أنّ الإجراءات الظرفية التي اعتمدتها الجزائر مثل رخص الاستيراد ليست ذات نزعة انطوائية، بدليل إنّها فتحت بالمقابل المجال لمسار الشراكة الإنتاجية لكافة المتعاملين والشركات من كافة أنحاء العالم، وأولها الأوروبية لانجاز استثمارات في مشاريع ذات جدوى تندرج في سياق التوجهات الجديدة لإنتاج الثروة والتصدير.
ويندرج في هذا الإطار خيار التحول الطاقوي باللجوء إلى الاستثمار في الطاقات المتجدّدة، وأبرزها الطاقة الشّمسية التي تتوفر فيها الجزائر على اكبر خزان في العالم يمكنه أن يلبي احتياجات أوروبا من الطاقة النظيفة، عنه طريق انخراط بلدان «القارة العجوز» في مسار الاستثمار، الذي يستفيد اليوم على مستوى السوق الجزائرية من مناخ ما فتئ يتحسن ويتعزّز بمختلف آليات المرافقة والدعم، وكانت آخرها تنصيب لجنة اليقظة المكلفة بمتابعة و تطوير الاستثمارات في الجزائر من أجل إنعاش الاستثمار ودعم المكتسبات. ومن شأن هذه اللجنة ذات التمثيل الواسع والدقيق للقطاعات المختلفة أن تعطي دفعا قويا للمشاريع وإزالة كل العوائق أمام المتعاملين الحقيقيين مع أبعاد الانتهازيين والمتلاعبين بملفات وهمية لغايات المضاربة.
إنّ هذا التطور النّوعي يكرّس تحسن مناخ الارتياح في السوق الاستثمارية، كما يؤكّد العزيمة القوية لمعالجة كل الجوانب التي تمثل إعاقة للمشاريع الإنتاجية أو مصدر انشغال موضوعي يواجهه المستثمرون، علما أنّ الثلاثية الـ 20 الأخيرة التي انعقدت بعنابة أجمعت على توافق الشركاء على ضرورة إزالة كافة أشكال البيروقراطية أمام الاستثمار الإنتاجي سواء المباشر بالنسبة للرأسمال المحلي أو بالشراكة للرأسمال الأجنبي، الذي بادر متعاملون منه بإطلاق مشاريع حققت نجاحات باهرة في مختلف القطاعات بما يبطل ادّعاءات البعض ممن يرفضون الدخول ضمن إطار الاستثمار الإنتاجي.
ويمكن من خلال اقتناص هذه البوادر المشجعة، ذات التنافسية القوية مقارنة بأسواق مماثلة من حيث الحجم والقدرات، تحقيق أهداف مشتركة في قطاعات جديدة تندرج في السياق الاقتصادي والتجاري للجانبين ضمن المعايير السليمة انطلاقا من أن روح الشراكة تفرض مراعاة طرف لمصالحة الطرف الآخر والإصغاء لانشغالات المؤسسات في الضفتين، علما أن الأفق مفتوح على أسواق أكبر قاريا وعالميا يمكن التوجه إليها من خلال ديناميكية التعاون ضمن مسار ينجزه الشريكان.