الأمين العام لمدرسة النهضة الأدبيّة الحديثة في الوطن العربي
إنّنا أمام شاعرٍ فيلسوف له تأمّلات مبدعة تلقي نظرة جديدة على تراثٍ لحق به ظلم كبير من جرّاء روايةٍ أحاديّة الجانب، قدّمته وكأنّه جسدٌ محنّط، وهذا ما نلحظه منذ البداية من خلال الأفعال ( قال – تقولون – أقول – قلنا – نقول). فالقضية قضية قولٍ فقط وهذا القول ربما جانب الصواب في قسمٍ كبيرٍ منه.
وتفوّقُ الحاضر على الماضي في هذه الأفعال، لكنّ هذه الفلسفة التي تلحّ على الشاعر في إظهار مكنونات خاصّةٍ قد تكون محرّمةً لولا هذا البوح المنساب شاعريّة تمازجت وتماهت مع هذه الفلسفة، وهذا ما كان مكتوباً في الوثيقة والممثلون هم الذين أدّوا المهمّة لكنّهم دفعوا ثمناً باهظاً.
ويؤكّد الشاعر أن المتلقي ظُلمَ هو الآخر لأنّه لم يزود بمفاتيح الأبواب الموصدة ولا بقبس النور الكافي لتلّمّس الطريق وتحديد الاتجاه.دلّت عليه الألفاظ الموحية (الافتتان – ممثلون – مذابح.......) والتراكيب المتينة المترابطة ( صرخ آدم المدفون: ثيابي وشخصي كلاهما يشيان بي –وأن الآلهة الخالدين حققت ما جاء في نبوءتها)، هذه التراكيب الخبرية في مجملها( قال:..- انهمرت دموعها – صرخ آدم ) لتتحدث عن حقائق وتاريخ فهي أقدر عل شرح مكنونات النفس والتحدث عن الماضي غير أن التراكيب الإنشائية القليلة ( ما تقول؟ - أيها التائهون – يا آلهة العالم – مدّ العينين) جاءت لتؤكد أن للشاعر رأياً فهو ليس ناقلاً للأحداث فقط بل فاعل وواعظ وحاضر ولن يسمح أن يكون مجرّد مراقب.
ضروريّة إذن تلك التأملات المبدعة لردم هوّة كادت تكرّس بين زمنين: تاريخ ثقافةٍ، وحاضرها. ضروريّة لفصل المتناقضات وفضّ الاشتباك الأزليّ لكنّها تحقيق لنبوءة الآلهة، وهل يجوز ألاّ تتحقق؟! ، . وهل يتحقق فض الاشتباك بالإمساء برداء الرسول من كلّ طرف، والسؤال الأهمّ: أين الحقيقة؟!!! من على حقّ ومن على باطل، وهل يكون الجهل مبرراً لارتكاب الخطايا والأخطاء؟! لا . وهنا يبرز التمرّد في ذات الشاعر نابشاً أصل الخطيئة القديم من زمن آدم، وهذا التمرّد يقود إلى صراعٍ من جديد فيستحضر القاتل والضحيّة، الخير والشرّ،الموت والحياة، وكلّ الثنائيّات المتضادة التي تأبى أن تفترق. وقد أججت صور الشاعر هذا الصراع فجاءت واضحة قوية ( يحملان الموت – ثيابي وشخصي كلاهما يشيان بي ) ، وغائمة تحلق بالقارئ في فضاءات الروح والفكر (ممثلون من غير أعناق – في ظل الأكواخ والحفر ذئب يقطّع الأحشاء – أن تطيع الأحياء إنسانك العملاق )، والكنايات والتورية التي تضجّ بها القصيدة من بدايتها إل نهايتها تشير إلى أديب مثقف ومحلل حيادي قارن بين مشكلات الماضي والحاضر وأوجد ترابطاً كبيراً بينها بلغة عصيّة على العامّة فقد وجّه خطابه إلى النخبة المثقفة التي تسبر أغوار الفكر معتمدة على إرث ثقافي كبير، وتراقب الظواهر الإبداعية والجماليّة التي تلامس فكر الشكليين من المثقفين، فأدوات المعرفة والاطلاع على مجمل نتاجات العلوم أتاحت لشاعرنا حسن التنقيب، ودقّة الاكتشاف، وإعادة الإنتاج، ثم الإبداع.
وأقول له أخيراً:
يا من يبوح بسرّ الكون لم تبحِ مزجته ودمع الحزن والفرحِ
جعلت سرّك يبكي في جوارحنا وخفـت أن ينطق النّوح فلم تنـحِ.