الشراكة الفعالة والإنتاج النوعي المكثف ملامح التحول
قام شركاء الثلاثية بتشريح قلب التحديات الاقتصادية للمرحلة الراهنة وعلى المديين المتوسط والطويل، وتمّ الإقرار بإرساء سلسلة من التدابير ومجموعة من الإجراءات البديلة، تكون أكثر فعالية لدفع وتيرة خلق الثروة ومنصب العمل، والرفع من مستويات النمو على صعيد المنظومة المالية والمصرفية، وبخصوص كل ما يتعلّق بإرساء الشراكة الاقتصادية، ولعلّ استحداث لجنة لرصد ومرافقة الاستثمار بهدف مكافحة البيروقراطية وإزالة العراقيل التي يواجهها المستثمر والمتعامل الاقتصادي، من شأنها أن تفعل إجراءات مكافحة البيروقراطية في عالم الاستثمار وتحسّن من مناخه في ظلّ المؤشرات الإيجابية وتوفر السوق والنية القائمة لإقامة مناطق حرة مع الدول الإفريقية ودعوة المستثمرين بمناطق الجنوب الكبير للتوجه نحو أسواق دول الجوار الواعدة.
بات كل شيء جاهز لإطلاق معركة تنموية واسعة ترتكز على تحسين الإنتاجية ذات الجودة العالية وبمعايير عالمية، توفر حصة معتبرة للسوق المحلية تغني الجزائر عن الاستيراد الاستهلاكي، وتخصص كميات معتبرة نحو أسواق خارجية وعلى وجه الخصوص إلى بلدان الجوار. ويتطلّب ذلك بناء قاعدة استثمارية صلبة ومكثفة تتشكل من المشاريع ذات النجاعة، والتي لها قدرة عالية في استحداث القيمة المضافة التي تحرّر الجزائر بشكل تدريجي من قبضة النفط، غير أنه يبقى تنويع المشاريع الاستثمارية وحسن انتقائها من بين الرهانات الحقيقية التي ترفعها الجزائر اليوم في وقت شدّد فيه الوزير الأول عبد المالك سلال على ضرورة تنويع الأفكار والاتجاه نحو مجالات مازالت غير مستغلة.
خيارات دقيقة لتدارك النقائص
جاءت آخر قمة للثلاثية لتؤكد على ضرورة التشبث بقوة بالخيارات الاقتصادية الدقيقة التي تعتمد على تنويع الإنتاج وتراهن على سواعد الجزائريين في خلق القيمة المضافة واستحداث الثروة، علما أن اجتماع الثلاثية الـ 20 جرى في ظلّ توجيهات رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة من خلال رسالة وجهها قبل أيام فقط بمناسبة الذكرى الـ61 لتأسيس الإتحاد العام للعمال الجزائريين والـ46 لتأميم المحروقات، وحثّ فيها الشركاء على التكاتف ومضاعفة العمل من أجل القفز بالجزائر إلى مرحلة نمو أعلى وبوتيرة أسرع وجعلها في مأمن في كافة المجالات عن طريق تحقيق نهضة قوية في كل القطاعات، وحتى لا تتأثر بأي أزمة اقتصادية خارجية أو داخلية ولا تلجأ إلى الاستدانة الخارجية المرهقة وذات العواقب الوخيمة على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية بل وتهدّد استقلالية القرار الوطني.
ودون شك تصبّ جميع القرارات وكذا الاتفاق الذي أسفر عن اجتماع قمة الثلاثية، في استدراك جميع النقائص وتسريع وتيرة النمو على أرض الواقع، لا سيما تفعيل الاستثمار وتنويع المشاريع الإنتاجية وبلوغ سقف أعلى من تدفق الثروة من خلال بعث النشاط في الهضاب العليا والجنوب وإنعاش قطاعات ذات كلفة اقل مثل السياحة والخدمات.
وطبيعي أن توصية تجاوز انتقاء المشاريع في الفروع الاستثمارية المشبعة والدعوة إلى التوجه لفروع جديدة واغتنام الفرصة لتوصية الشباب من أجل الاتجاه إلى المشاريع ذات الطابع الإلكتروني، خاصة ما يتعلّق بابتكار برمجيات مكافحة الجريمة الإلكترونية، التي تهدّد اقتصاد الجزائر، تعكس الإرادة القوية في مواصلة بذل الجهود لاستعادة بناء اقتصاد وطني متحرر، ويتناسب مع القدرات التي تتمتع بها الجزائر انطلاقا من موقعها الجيواستراتيجي ومساحتها الشاسعة، وثرواتها الطبيعية المتعددة، ومناخها المتنوع وإمكانياتها السياحية الهائلة، في ظلّ وفرة الموارد المالية بمستوى يساعد على بلوغ الاهداف الوطنية الكبرى.
هكذا يتم تجاوز بطء النمو
وعلى صعيد آخر، أبدى الفاعلون في الحياة الاقتصادية تمسكهم بمواصلة تكريس وتجسيد النموذج الاقتصادي الجديد للنمو من خلال مواصلة تطبيق الالتزامات التي وقعوا عليها في إطار العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي للنمو، وبعد التزام السلطات العمومية بمواصلة تبسيط معظم الإجراءات التي تعرقل أداء المتعامل الاقتصادي أو تقف عائقا أمام إنشاء مشروع استثماري، وإضفاء المزيد من الشفافية حتى يتم تحرير الحياة الاقتصادية من قبضة البيروقراطية، يأتي التمسك الواضح من قبل الشركاء بالخيار الوطني المعلن وثقتهم الكبيرة في الرهانات الاقتصادية والاجتماعية المرفوعة، ومن شأن كل ذلك أن يساهم في إنعاش قوي للاقتصاد عن طريق استغلال القدرات الفلاحية والسياحية، علما أن الاقتصاد في الظروف الحالية لا يمكن أن يسير بذهنية الأمس على اعتبار أن التكنولوجيات الجديدة تسمح بتسيير مشروع بواسطة الحاسوب الذي يوفر الوقت والجهد ويساعد على العمل ليلا ونهارا ويقلص من أجال التنقل بخصوص تسيير الورشات وبالتالي ينعكس ذلك على تدفق المنتوج بكثافة وفي وقت زمني قياسي يقلص من تكلفته ويستجيب للطلبيات دون تسجيل أي تأخير.
اقتحام المناطق الإفريقية الحرة
الثابت في الحياة الاقتصادية أن الاستثمار في حاجة ماسة إلى توجيه وخارطة وطنية، ويتطلب أيضا بناء التقارب بين المتعاملين وتعميم تجارب الاستحداث والتسيير وكذا الاستفادة من المشاريع الناجحة، كون المرحلة الحالية لا تقبل الإخفاق، وعلى اعتبار أنه قد انتهى زمن التعثر وولت فترة إعادة المحاولة والفرصة الثانية، أصبح من الضروري دراسة دقيقة واستشرافية للمشروع الاستثماري وضمان مدى إمكانية استحداثه للثروة وخلقه لمناصب الشغل الجديدة حتى يتقرّر إقامته وتمويله ومرافقته، ويتطلّب هذا دون شك تطوير الذهنية والدقة في دراسة المشاريع والأخذ بعين الاعتبار أن الشراكة الفعالة والإنتاج النوعي المكثف من ملامح التحول الحالي، وكل ما يثبت عكس ذلك لن يحقق أي تقدم، ولن تتجاوز الجزائر الظرف الراهن الذي يتسم ببطء في عملية التنمية كون المشاريع الاقتصادية مازالت لا ترقى إلى الطموح التنموي المسطر، وما تحتاجه اليوم وفي أقرب وقت ممكن الإنعاش الاقتصادي القوي، خاصة وأن الإمكانيات موجودة من جميع النواحي، والمهمة ملقاة على عاتق القطاع الوطني المنتج سواء كان عموميا أو خاصا، في ظلّ ترقب بناء الشراكة المحلية لتكثيف النسيج الاقتصادي والرفع من قدرته التنافسية، بينما تنسق الجزائر خياراتها للتموقع في المناطق الحرة الإفريقية، وتبقى الانشغالات الاقتصادية الأكثر اهتماما لكن مع عدم التنصل عن التكفل الاجتماعي والذي بقى من ضمن اهتمامات الدولة بحرص خاص من رئيس الجمهورية.
الموعد المقبل في الغرب الجزائري
وفي أعقاب موعد عنابة فإن الثلاثية المقبلة تكون بإحدى ولايات الغرب الجزائري، لم تحدد بعد. للإشارة كانت أول مرة خرجت فيها الثلاثية من العاصمة عام 2015 لما احتضنتها عاصمة الزيبان ولاية بسكرة، وفي ذلك إعطاء لإشارات قوية وتأكيد ثقة كبيرة في المستثمر حتى يرفع الرهان التنموي بشكل قوي، على اعتبار أنه لأول مرة تمّ استحداث لجنة لرصد ومرافقة الاستثمار، بهدف مكافحة البيروقراطية وإزالة العراقيل التي يواجهها المستثمر والمتعامل الاقتصادي على حد سواء، من شأنها أن تفعل إجراءات مكافحة البيروقراطية في عالم الاستثمار وتحسن من مناخه في ظلّ المؤشرات الإيجابية، ويأتي الرفع من نسبة ضخ القروض إلى ما لايقل عن 25 بالمائة أي من 9100 مليار دينار في السنة الماضية إلى 11400 مليار دينار في عام 2017، حتى يكون تمويلا مكثفا للمشاريع الواعدة والحيّة، في مرحلة لا تخلو من الصعوبات والتحديات. وبعد أن تمكنت الجزائر من تجاوز الظرف الصعب الذي عاشته نتيجة تراجع أسعار البترول منذ منتصف عام 2014.. يرتقب أن تكون قمة الثلاثية ذات الطابع الاقتصادي والاهتمام الاجتماعي .. بالفعل جسر عبور إلى مرحلة جديدة من النمو والإنتاجية وتكريس القطيعة التامة مع البيروقراطية.