تحل غدا الذكرى الـ 28 لتأسيس اتحاد دول المغرب العربي، ففي مثل يوم غد من سنة 1989 اجتمع قادة كل من الجزائر، ليبيا ،المغرب ، تونس وموريتانيا بمدينة مراكش وأعلنوا منها ميلاد اتحاد المغرب العربي تجسيدا لآمال شعوبهم التواقة إلى رؤية حلمها الوحدوي يتحقق على أرض الواقع خاصة وأن العوامل المشتركة التي تربط بين سكان هذا الفضاء تفوق بكثير العوامل التي تفرق بينهم، فالجغرافية والتاريخ والانثروبولوجيا والعقيدة اتفقوا جميعا على هذه الوحدة التي تصب في خدمة هذا التوجه الاستراتيجي الحضاري الذي يمكنه أن يجعل من المنطقة تكتلا جهويا يحمل كل مقومات القوة، ولكن رغم ذلك لا يزال مشروع الاتحاد المغاربي يراوح مكانه والإحصائيات تغنينا عن الخوض أكثر في هذا الصدد لأنها تعبر بصدق عن مدى خيبة أمل الشعوب المغاربية وهم يرون الواقع أبعد ما يكون عن أحلامهم.
إن التأخر المسجل في هذا المشروع الاندماجي الحضاري أسبابه كثيرة وفي هذا الصدد تحضرني المقولة الشهيرة لأحد رواد ومنظري المشروع التكاملي الأوربي «شومان» الذي قال : «الفكرة يوجدها الرجال ولكن استمرارها تضمنه المؤسسات» وهذا يقربنا أكثر من فهم الركود والتقهقر الذي أصاب الاتحاد المغاربي الراجع بالأساس إلى مؤسساته وهياكله التي تشتغل بقوانين بالية إن لم نقل إنها أصبحت مشلولة تماما، كونها تعود إلى أكثر من نصف قرن وأصبحت عاجزة على التعاطي مع التحديات والمستجدات المتسارعة التي لم تكن مطروحة عند إعلان تأسيس الاتحاد المغاربي، سيّما ما تعلق بالإرهاب، الجريمة المنظمة، الاتجار بالمخدرات والهجرة غير الشرعية وهي كلها تحديات ستظل تتربص بمنطقتنا إن لم يتم التفكير جديا في مواجهتها مغاربيا من خلال تبني إستراتيجية مشتركة تتوج أشغال ورشة حقيقية بل ورشات تفتح من أجل تطوير مؤسسات وهياكل الاتحاد المغاربي وتعيد النظر في منظومته التشريعية التي لم تعد تستجيب للتطورات.
إن الحوار يبقى الغائب الأكبر مغاربيا ويكفي للتدليل على ذلك أنه لم يسجل أي اجتماع على مستوى القمة لقادة المنطقة لأكثر من 20 سنة وبدل التفكير والعمل على فتح قنوات لهذا الحوار والتشاور حول العراقيل والمشاكل التي تواجه هذا التكتل في إطارها الطبيعي وعلى الأطراف المعنية مباشرة اتخذ الملك محمد السادس من الاتحاد الإفريقي منبرا لتوجيه انتقادات لاذعة - وصلت إلى درجة التخوين- لواقع مسار الاتحاد المغاربي من أجل تبرير القفز على هذا المسار لصالح خيارات بديلة مثل الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي أو توجهات إفريقية أخرى عبّر عنها الملك تلميحا (المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا) في خطابه خلال القمة الـ 28 للاتحاد الإفريقي وإن كانت تلك خيارات مشروعة ومباحة فإن هذا لا يعفي المملكة المغربية من تحمل مسؤولية تعثر الاتحاد المغاربي الذي انتقد أدائه الملك محمد السادس وكأن بلاده ملاحظ خارجي وليس عضوا في هذا الاتحاد الذي احتضنت اجتماعه التأسيسي مدينة مراكش المغربية قبل 28 سنة من اليوم .