طباعة هذه الصفحة

المجاهد أحمد قادة أحد رفقاء القائد التاريخي في شهادة حية لـ«الشعب”

«ســــــــي مصطفـــــــى رجـــــــل كـــــــل المراحـــــــل تـــــــرك بصمتـــــــه فـــــــيـ سجـــــــلات التاريـــــــخ”

باتنة: لموشي حمزة

 أول لقـــــــاء كـــــــان ببيـــــــت الشهيـــــــد ليـــــــلا بأريـــــــس
يعتبر الشهيد مصطفى بن بولعيد قامة سامقة من قامات الثورة الجزائرية المجيدة التي حار فيها الزمان ودوّخت الاستعمار الفرنسي وكانت رمزا للتحرر وما تزال. والفضل في ذلك يرجع لعظمة قائد قدم الغالي والنفيس من أجل الجزائر.إنها شهادة حية لأحد رفاق الدرب المجاهد الكبير آخر قلاع الأوراس الثورية أحمد قادة ل«الشعب” بمنزله العائلي بمدخل تازولت على بعد حوالي 10 كلم عن مدينة باتنة.
أول الكلام
على الرغم من المرض الذي أنهك جسده النحيل وأقعده الفراش في السنتين الأخيرتين من عمره الـ90 بسبب إصابته بجلطة دماغية، إلا أن المجاهد قادة ما زال يحتفظ بذاكرة قوية. استقبلنا بحفاوة كبيرة متحدثا عن مجموعة حسين بالرحايل التي قالت إنها همشت ولم تأخذ حقها في التاريخ. كانت المجموعة الذراع الأيمن للشهيد مصطفى بن بولعيد ورعت كل التحضيرات الخاصة بالثورة إلى غاية اندلاعها ليلة الفاتح نوفمبر1954 .
أحمد قادة التحق بصفوف الثورة وعمره 13 سنة استعاد ذكريات مجموعته التي زرعت الرعب في الأربعينيات من القرن الماضي في صفوف الاستعمار الفرنسي وهو في قمة السعادة والفخر، خاصة وأن بعضا منها موثق في صور فوتوغرافية بالأبيض والأسود وأخرى أطلعنا عليها في وثائق للمستعمر يظهر عليها اسم المبحوث عنه قادة أحمد ك«إرهابي ومجرم خطير” في القاموس الاستعماري يجب قتله، فيما كانت الوثيقة الكنز التي مازال يحتفظ بها هذا المجاهد رسالتي تهديد تم تهريبهما من زمن الكفاح المرير ضد المستعمر.
وبخصوص علاقة المجموعة التي كان ينتمي لها المجاهد أحمد قادة بأسد الثورة الجزائرية مصطفى بن بولعيد والذي يبقى ـ حسبه - رمزا تاريخيا كبيرا ومفخرة الجزائر، فترجع  إلى بداية سنة 1947 عندما ذاع صيت مجموعة بالرحايل التي كانت تصنع القوانين على طريقتها الخاصة في كل منطقة الأوراس.هذا النشاط بلغ مسامع بن بولعيد الذي كان يعرف المجموعة حتى أنه كثيرا ما دلّها على بعض الأعيان والخونة فتتصل بهم وتهددهم إلى أن علم فابيي حاكم آريس وقتها بعلاقة المجموعة ببن بولعيد فأرسل إلى بالرحايل طالبا منه اغتيال أسد الأوراس  مقابل العفو عنه ومجموعته ومنحهم مكافأة.
توقف المجاهد قادة أحمد وواصل مسترسلا حديثه حريصا على الإدلاء بكل التفاصيل قائلا لنا:« لكن قائدنا بالرحايل أدرك أن الحاكم فابيي يريد القضاء على الحركة الوطنية بالأوراس بتصفية أحد مهندسيها وهو بن بولعيد فأرسل له مصطفى عايسي يطلب لقاءه للتباحث حول الموضوع والتقينا به ليلا ببيته في آريس وكنت حاضرا مع الصادق شبشوب ومكي عايسي فأخبره سي بالرحايل بأن فابيي يريد قتله وعاهدناه منذ تلك الليلة على الولاء والوفاء وأن نكون ذراعه الأيمن ضد المستعمر”.
فرنسا حاولت تجنيدي لإفشاء أسرار الثورة
وأضاف أحمد قادة لـ«الشعب” :« فرنسا حاولت مرارا وتكرارا تجنيدي من أجل التجسس على بن بولعيد وإفشاء أسرار الثورة، غير أن كل محاولاتها باءت بالفشل لتقرر بعدها قتلي من خلال إدراجي في قائمة “الخارجين عن القانون”، والذين يجب القضاء عليهم بكل الطرق، الأمانة التاريخية تقتضي الاعتراف بأن مجموعة بالرحايل كانت ركيزة الشهيد البطل مصطفى بن بولعيد، وسبب نجاح انطلاقة الثورة واستمراريتها، كونها لم تفش أسرار عمل المجاهدين الذين عول عليهم بن بولعيد في انطلاق الثورة، بعد رفض مصالي الحاج الثورة لجأ بن بولعيد إلينا وأخبرنا بعزمه على إعلان ثورة شعبية لتحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي.
قال عمي أحمد أن بن بولعيد تعامل كثيرا معه بحكم انتمائه إلى المنطقة التاريخية الأولى التي كان يتولاها، بالإضافة إلى التقاء المجاهد قادة بعميروش خلال التحاقه بالأوراس، إلى جانب رابح بيطاط وخيذر في 1956، فكانت المنطقة قلعة للثوار فاتحة ذراعيها لكل من له رغبة النضال والكفاح المسلح ضد العدو حيث كانت الأوراس معقلا للثوار ورمزا لتضحيات المجاهدين الذين عانوا كثيرا من ويلات فرنسا بسبب حصارها للمنطقة وقنبلتها في عدة مرات.
بن بولعيد تسلم زمام تسيير الثورة في أشهرها الأولى
وبخصوص التحضير للثورة مع بن بولعيد أشار عمي أحمد إلى أن ذلك في اجتماع لقرين بمنزل عبد الله بن مسعود مزيطي ببلدية أولاد فاضل قال عنه المجاهد:« رغم اختلاف الروايات حول هذا الاجتماع، فأنا أؤكد من موقعي كشاهد عصر على تلك الحقبة التاريخية التي عشتها بكل تفاصيلها أن ذلك اللقاء عقد أواخر شهر أكتوبر 1954، وبالضبط بين 18 و 20 أكتوبر، حيث كان المجاهد آنذاك شيحاني بشير من كتب البيان باللغة الفرنسية بخط اليد وقمت أنا شخصيا بتوزيعه، وهنا تقرر أن تكون الثورة وأن يتم تفجيرها، كما قدم الشهيد الرمز سي مصطفى بن بولعيد كلمة بالمناسبة، أكد خلالها على ضرورة تكاثف الجهود والتعاون والصدق وحسم أمر تسيير اندلاع الثورة مؤكدا لنا أنه هو شخصيا من سيتولى زمام انطلاق الثورة بمفرده لمدة 6 إلى 8 أشهر إلى غاية تنظيم الأمور والتحضيرات اللازمة في باقي مناطق الوطن باستثناء منطقتي بسكرة وخنشلة، التي انطلقت بها الثورة في الفاتح من نوفمبر من خلال تنفيذ عمليات بعد أن كون مصطفى بن بولعيد مجموعات صغيرة تتكون كل منها من 10 إلى 20 رجلا يتقاسم كل أثنين بندقية واحدة للحفاظ على السلاح الموجود ولتمكين الجميع منه”.
كما ذكر الشاهد عمي أحمد قادة أن البطل بن بولعيد مصطفى قرر أن يتكلف شخصيا بباتنة وأريس، بينما كلف حسين بالرحايل بمنطقة الصحراء انطلاقا من بسكرة، وأوكل مهمة الإشراف على استهداف مراكز العدو بمنطقة خنشلة للرمز عباس لغرور، هاته الترتيبات كلها بالإضافة للتدريبات التي كانت في إطار التحضيرات لاندلاع الثورة وقامت بها مجموعة من المجاهدين بقيادة حسين بالرحايل شهرا ونصف الشهر قبل ليلة أول نوفمبر التاريخية.
الالتزام بالتعليمات والسرية في العمل سر النجاح
وحرص المجاهد على التأكيد أنه التقى نحو 42 مجاهدا، قام حسين بالرحايل بتقسيمهم إلى 5 أفواج وكلف كل فوج بالهجوم على أحد الأماكن التالية وهي: محطة القطار والتي كلفت بها أنا أحمد قادة، الصادق مباركي، الطيب ملكمي، محمد بن عبد القادر ومحمد عثماني، أما المكان الثاني فتعلق بدار البريد التي تولى أمرها كل من أحمد بن علي سليمان، إبراهيم جيماوي، إبراهيم زلتي، محمد لخضر عماري، محمد عبد السلام و محمد مدور، محمد بن مسعود عبيد، أما استهداف دار الشرطة فأوكلت مهمتها لـعبد القادر عبد السلام، الطيب عقوني، علي بشينة، عبد الرحمن عقوبي، بلقاسم عبيد الله، موسى سليمان ومحمد بن عبد السلام، أما الثكنة العسكرية سانت جيرمان والتي يعني ضربها توجيه إنذار شديد اللهجة للفرنسيين فقد تولى أمرها كل من حسين عبد السلام، بن عبد الباقي، مصطفى عبيد الله، مسعود بن أحمد موني وعمار سلطاني.
وأخيرا محطة الكهرباء والتي نظرا لحساسيتها فقد عين لها فوج مشكل من عبد الله عقوني، محمد الشريف عبد السلام، الطاهر عماري، لخضر بوغرارة وسبتي وزاني، وقد خلفت هاته الهجمات خسائر كبيرة مادية وبشرية في صفوف الاستعمار الفرنسي، إضافة إلى الانتصار المعنوي والنجاح النفسي المتمثل في زعزعة ثقة الفرنسيين وزرع الرعب في قلوبهم .
وقال عمي أحمد أن نزاهة وصدق بن بولعيد لا غبار عليهما ولهذا كان وما يزال رمزا تاريخيا كبيرا وقامة إنسانية عظيمة جعلت منه أبا حقيقيا للثورة الجزائرية بفضل حنكته وصدق نواياه في الدفاع عن الوطن والتحرر من الظلم وانتزاع الاستقلال.
في ختام شهادته أوصى المجاهد قادة الجزائريين، خاصة الشباب منهم، بوجوب الحفاظ على الذاكرة الجماعية والتاريخية للثورة والتمسك بالوحدة ومبادئ نوفمبر التي أنارت لنا الطريق.