تناقش المداخلة موضوع المواطنة من حيث المصطلح والقضية خاصة في ظل ما يسمى بـ «الربيع العربي».
سنتعرض إلى معاني ودلالات مفهوم المواطنة من حيث اللغة، ومن حيث سياقه القانوني والسياسي وباعتبارها قيما وسلوكا اجتماعيا ومسئولية، وباعتبارها آدابا وأخلاقا، وتكوينا وذوقا حضاريا، وتراثا مرتبط بقيم وثوابت المجتمع، وفلسفته في الحياة.
يشغل مفهوم المواطنة حيزا كبيرا عند المثقفين منهم السوسيولوجيين والنفسانيين، نظرا لدور هذا المفهوم في تشكيل ملامح بعض الحضارات القديمة كالحضارة اليونانية والرومانية التي اعتبر فيها مفهوم المواطنة ركيزة أساسية لتأسيس مجتمع المدينة الفاضلة والديمقراطية، كما يرجع الاهتمام بهذا المفهوم إلى التطور الذي عرفته المجتمعات الغربية خلال القرنين 18 و19، فمع إعلان استقلال الولايات المتحدة في عام 1786 والمبادئ التي أتت بها الثورة الفرنسية في عام 1789، وبروز دور الفرد داخل المجتمع، وتكريس مبدأ العلمانية. سيعرف مفهوم المواطنة تداولا كبيرا في أدبيات الفكر الغربي.
في ضوء ما سبق ذكره من آراء متعددة حول الانتماء وجماعة الانتماء، يمكن استخلاص عدة خصائص، كمؤشرات لدينامكية العلاقة الجدلية بين الانتماء وجماعة الانتماء أهمها:
أ - الانتماء مفهوم نفسي، اجتماعي، فلسفي، وهو نتاج العملية الجدلية التبادلية بين الفرد والمجتمع أو الجماعة التي يفضلها المنتمي باعتبار الانتماء ذا طبيعة نفسية اجتماعية، فإن وجود المجتمع أو الجماعة هام جداً كعالم ينتمي إليه الفرد، حيث يعبر عن الانتماء بالحاجة إلى التجمع والرغبة في أن يكون الفرد مرتبطاً أو يكون في حضور الآخرين، وتبدو هذه الحاجة وكأنها عامة بين أفراد البشر يفضل أن تكون جماعة الانتماء بمثابة كيان أكبر وأشمل وأقوى لتكون مصدر فخر واعتزاز للفرد وأن يكون الفرد العضو في جماعة الانتماء في حالة توافق متبادل معها ليتم التفاعل الإيجابي بينهم.
ب - يعبر عن جماعة الانتماء بالجماعة المرجعية، تلك التي يتوحد معها الفرد ويستخدمها معياراً لتقدير الذات، ومصدراً لتقويم أهدافه الشخصية، وقد تشمل الجماعة المرجعية كل الجماعات التي ينتمي إليها الفرد كعضو فيها.
على الفرد أن يثق ويعتنق معايير ومبادئ ، وقيم الجماعة التي ينتمي إليها ومن ثم يحترمها ويلتزم بها
على الفرد نصرة الجماعة التي ينتمي إليها، والدفاع عنها وقت الحاجة والتضحية في سبيلها إذا لزم الأمر مقابل أن توفر الجماعة له الحماية والأمن والمساعدة، أن يكون توحد الفرد مع الجماعة ضمن إطار ثقافي مشترك، وتعتبر اللغة والمعايير الثقافية الأخرى عناصر أساسية للجماعة، ويتحدد مدى الانتماء بدرجة التمسك بها.
ج - الانتماء بمثابة حاجة أساسية (إنسانية، طبيعة سيكولوجية) في البناء النفسي، باعتباره خاصية نفسية اجتماعية.
- الانتماء متعدد الأنماط، اتساعاً وضيقاً، تباعداً وتكاملاً، وللتنشئة الاجتماعية دور إما في إضعاف الانتماء أو تقويته، إذ عن طريقها يتشبع الفرد بالقيم المعززة للانتماء ومفردات الثقافة كاللغة والفكر والفن
ر - يتأثر الانتماء بالظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة، ولذلك فإن أنماط السلوك التي يصعب تفسيرها أو تبريرها أحياناً ما تكون نتيجة لفشل الفرد في الشعور بالانتماء وإحساسه بالعزلة عن الجماعة.
إذا أنكر المجتمع على الفرد إشباع حاجاته، فإنه - الفرد - قد يتخذ موقفاً سلبياً إن لم يكن أحياناً عدائياً للمجتمع ،إذ قد يلجأ إلى مصادر بديلة، يوجه إليها اهتمامه وانتماءه، وقد تكون مصادر غير مرغوب فيها أحياناً، ولها عواقبها السيئة على كل من الفرد والمجتمع.
يشير ضعف الانتماء إلى الاغتراب وما يصاحبه من مظاهر السلبية واللامبالاة نحو المجتمع، وغالباً كلما زاد عطاء المجتمع لإشباع حاجات الفرد، كلما زاد انتماء الفرد إليه ، والعكس صحيح إلى حد ما . والانتماء يؤدي إلى نمو الذات وتحقيقها، وكذا تحقيق تميز الفرد وفرديته ، وتماسك المجتمع.
والانتماء يدعم الهوية باعتبارها الإدراك الداخلي الذاتي للفرد، محددة بعوامل خارجية يدعمها المجتمع، والانتماء هو الشعور بهذه العوامل، ويترجم من خلال أفعال وسلوكيات تتسم بالولاء لجماعة الانتماء أو المجتمع.
ثانيا: مفهوم المواطنة وشعار الديمقراطية:
تطور مفهوم المواطنة في القرن الحادي والعشرين، تطوراً كبيرا جعله يرقى إلى العالمية، باعتبار ما حدد له، من مواصفات دولية. خاصة بعد حراك ما سمي بثورات الربيع العربي، بعد أن طرحت شعارات أخرى، حملت قوة كبيرة في الدلالة الرمزية جعلتها تنتشر بسرعة كبيرة أيضا، من تلك الشعارات شعار «الديمقراطية».
الديمقراطية هي أساليب التفكير والقيادة، وتشير إلى الممارسات والأقوال التي يرددها الفرد ليعبر عن إيمانه بثلاثة عناصر:
أ - تقدير قدرات الفرد وإمكاناته مع مراعاة الفروق الفردية، وتكافؤ الفرص، والحرية الشخصية في التعبير عن الرأي في إطار النظام العام، وتنمية قدرات كل فرد بالرعاية الصحية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية
ب - شعور الفرد بالحاجة إلى التفاهم والتعاون مع الغير، ورغبته بأن تتاح له الفرصة للنقد مع امتلاكه لمهارة تقبل نقد الآخرين بصدر رحب، و قناعته بأن يكون الانتخاب وسيلة اختيار القيادات مع الالتزام باحترام النظم والقوانين، والتعاون مع الغير في وضع الأهداف والمخططات التنفيذية وتقسيم العمل وتوزيعه ومتابعته وهي بذلك تمنع الديكتاتورية، وترحب بالمعارض، مما يحقق سلامة ورفاهية المجتمع.
ج - إتباع الأسلوب العلمي في التفكير: فشعار «الديمقراطية» يتطلب منح التعدُّدية الجمعوية والحزبية أهمية خاصة، بل ومنحها الأولوية في برامج وشعارات الحكومات الجديدة، التي تأسست بعد ثورات الربيع العربي لأن النسيج الاجتماعي لأغلب دول الربيع العربي، تعيش فيها أقليات تنتمي إلى تلك التعدديات، وهي بحاجة و تطالب بما يطمئنها على مصالحها، أمام مصالح الأكثرية.
ينحصر مفهوم الديمقراطية في أوساط عامة الشعب، على أنه لا يتعدى العملية الانتخابية و الهيئات السياسية كالبرلمان، واستقلالية السلطات الثلاث، وتداول السلطة، لذلك فإن شعار الديمقراطية بعموميته، لن يكون وحده كافيا لطمأنة فئة الأقليات.
هل تكفل الديمقراطية الحماية والأمن للأقليات؟
الديمقراطية هي أداة تنظيمية لا يمكنها أن تكفل الحماية والأمن للأقليات «1». فالأقليات، لن تشعر بالأمان، إلا إذا لمست إصرار وانحياز قادة الثورة بصفة جدية، لشعار المواطنة بكل مبادئه ومكوناته.
والثورات التي قامت في كثير من البلدان، كانت بيئة صالحة لتحريك الأقليات «2»، خاصة أمام ضعف الدولة نتيجة التغير السياسي الذي أحدثته الثورة، ما جعل الأقليات تعمل على الحصول على وضع متميز في الدستور الجديد، والمشاركة في صياغته. رغم أن الأقليات لم يكن لها دور كبير في الثورات بل أعلنت -بعد الثورة - دعمها للنظام القائم.
ونظراً لكثافة التوزيع السكاني بين الطوائف، كان من الطبيعي أن يبرز التمثيل الإسلامي واضحاً جلياً، ما دفع ببعض الأقليات إلى طلب التدخُّل الأمريكي و الغربي في الشؤون الداخلية لبلادهم و لفرض وضع متميز لها.
إن ثورات الربيع العربي، قد مثلت بيئة مناسبة، لإعادة بناء الدولة على أساس المواطنة والمساواة في الحقوق، لكن الشريعة الإسلامية قد كفلت حقوق كل المكونات في بلاد المسلمين كاملة غير منقوصة، على أنه ليس من تلك الحقوق تولي بعض المناصب الهامة كرئاسة الدولة؛ فإن رئاسة الدولة يجب أن تكون من حق المسلمين دون غيرهم من بقية طوائف المجتمع، وهذا الأمر ليس غريباً على الدول الغربية العريقة في الديمقراطية، لأن بعضهم يجعل الرئاسة من نصيب البروتستانت وبعضهم يجعلها من نصيب الكاثوليك، وبعضهم يجعلها من نصيب الأرثودكسك، كلٌّ حسب الأكثرية.
2 - الأقليات: مفهوم الأقلية يعني طائفة من الشعب لها تفرُّد وتميُّز عن بقية الشعب: إما ديني وإما عرقي وإما لغوي، وتكوِّن هذه الأقلية في ما بينها مجتمَعَها الخاص، وينظَر لطائفة مَّا على أنها أقلية باعتبار محدِّدَين: إما من حيث العددُ: فيُنظَر للطائفة على أنها أقلية إذا كان عددها قليلاً جداً بالنسبة لطائفة الأكثرية، وإما من حيث امتلاكُ السلطةِ أو القدرةِ على التأثير: فينظر للطائفة على أنها أقلية إذا لم تكن مالكة للسلطة أو ليس لها قدرة على التأثير فيها. لم يكن لهذا المصطلح الأقلية من حيث المعنى وجود في الدولة الإسلامية التي استمرت قرابة أربعة عشر قرناً؛ وذلك أن شريعة الإسلام التي كانت تحكم بلاد المسلمين لا تفرِّق بين مسلم وآخر بأي نوع من التفرقة سواء لاختلاف العرق أو اختلاف اللغة أو اللون أو نحو ذلك؛ فالمسلمون سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى، فهي معيار التفاضل بين المسلمين.
وأما من كان من أهل الذمة في ديار المسلمين فكانت لهم حقوق منصوصة في العقد بينهم وبين المسلمين، وهذا العقد يرتب حقوقاً وواجبات متبادلة بين الطرفين يتحتم على كل طرف الوفاء بها ومن ثَمَّ لم تكن هناك مشكلة لما يمكن تسميته بالأقليات.