يقف القطاع الخاص الوطني على عتبة مرحلة مصيرية تفرض عليه الانتقال من حالة التردد وترقب المؤشرات إلى المبادرة بتفعيل وتيرة الاستثمار وتجسيد المشاريع الإنتاجية بما في ذلك تعميق إطار الشراكة الوطنية ضمن رؤية النموذج الاقتصادي الجديد للنمو. ويتوقع أن يكشف لقاء ينظم هذا الأسبوع حول واقع ومستقبل الصناعة مدى قناعة القطاع الخاص بدوره في الاستثمار والتزامه بالمشاركة بموارده في المشاريع بكافة الصيغ المتاحة.
لا تزال الفرصة قائمة لتدارك شروط مواجهة الظرف وتجاوز تداعيات الصدمة المالية الخارجية شريطة إحداث نقلة نوعية في سلوكات المؤسسة الإنتاجية وتطوير للذهنية المقاولايتة من خلال إعادة الانتشار في السوق بالتواجد الميداني في ظلّ وجود إجماع شامل للشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين على ضرورة انجاز الوثبة الحقيقية لإبعاد المنظومة الاقتصادية بكامل فروعها من دائرة الخطر.
لقد تمّت معالجة مؤشرات الظرف المالي الراهن ورصد التوقعات في المديين القريب والمتوسط على مختلف المستويات بما في ذلك إدلاء الخبراء من كافة المدارس بقراءاتهم الدقيقة، فلم يعد هناك جدوى لمواصلة مسلسل اللقاءات والندوات حول معادلة واضحة، إنما حان الوقت للعمل في الميدان، كل في موقعه وفقا لقواعد ترشيد النفقات والحرص على تجسيد المشاريع الاستثمارية في آجالها وبالمعايير الفنية المطلوبة.
كيف يمكن للمؤسسة الجزائرية أن تضمن حقوقها في الأسواق الإقليمية والعالمية دون التزام سلوكات «مناجيريالية» حديثة ترتكز بالأساس على متابعة دقيقة ومستمرة لما يجري حولنا من تحولات وإدراك للرهانات والتحديات. ويتطلب هذا التوجه إلى اعتماد مقاربة حديثة تضع المؤسسة الجزائرية على درجة من النجاعة من خلال التحكم في أدوات التسيير العصري والاستغلال العقلاني والسليم للموارد والإمكانيات التي تتوفر عليها الساحة الاقتصادية وأبرزها القدرات المالية المحلية.
لقد حقّقت عملية القرض السندي وقبلها الامتثال الضريبي الطوعي نتائج مقبولة ـ في انتظار الكشف عن النتائج النهائية ـ يمكن البناء عليها بحيث وفرت السيولة النقدية التي يجب أن توجه خصيصا لتمويل المؤسسات الإنتاجية ومرافقة المتعالمين الاحترافيين الذين لديهم «اسم نظيف» في السوق ويتميزون بوضعية شفافة من أجل إنتاج الثروة.
وينتظر أن يترجم هذا التوجه على درب النمو بانخراط المنظومة البنكية في الديناميكية الاستثمارية من خلال الانفتاح على المحيط خاصة بعد رفع التجريم عن أفعال التسيير ضمن معادلة متوازنة تقوم على عناصر المبادرة والمتابعة واليقظة، تفاديا لأي تعثر محتمل نتيجة تسلل انتهازيين يترصدون الفرص للوصول إلى المال العام عن طريق مشاريع وهمية أو برامج غير قابلة للتجسيد، إذ أن همّهم الوحيد تحول العملة والتهرب الضريبي والأخطر عدم تسديد القروض.