ليس هناك شيء يستحق الإشادة مثل الفلسفة...لأنها ليست أم الفكر فقط بل رحمه الذي خرجت منه للوجود. وبالتالي وجب عدم التقليل من شأنها مهما كانت الظروف، لأنها تمثل مرآة العقل ورأس القاطرة التي قد توصلك لطريق الأمان والسلامة أو نحو طريق الشر؟!
الشيء المفزع اليوم هو وبعد هذا التقدم التكنولوجي الرهيب لازالت بعض الأقلام جد منبهرة ومتأثّرة جراء تسليمها المطلق بأن الفلاسفة الغربيين هم ملائكة ومصادر للهوامش البحثية التي وجب الرجوع اليها في جميع الحالات والأحوال. دون إعطاء أهمية لغيرهم من أصحاب جهود كانت ومن خلا الشواهد أهم العقول في عصرها ونقصد الفلاسفة العرب والمسلمين بالخصوص.
هذا الانبهار أصبح ساري المفعول بشكل مطلق بسبب أولائك الذين ذاقوا من هواء الغرب كثيرا؟ا وتربوا في أحيائها ومعاهدها بل ممن اختلطوا بأساتذة يعتقدون أنفسهم دوما أنهم الأفضل، فنقلوا لنا كتابيا بضاعة على أساس أنها هي الحقيقة مغتنمين فرصة السيطرة الاعلامية وكذا دور النشر التي أعطتهم الضوء الأخضر لنشر خدماتهم المجانية، وفتح الأروقة لمداخلاتهم.
وبالمقابل تجد الكثير من كتاباتهم في رحلة نقد مضني للفلاسفة العرب خاصة ممّن عُرفوا بأيديولوجياتهم المحسوبة على الإسلام أو الشعوب المغلوبة على أمرها سياسيا واقتصاديا بسبب الحروب واللاّاسقرار الأمني، فهم يصفونها لنا دوما بالقاصرة وضعيفة المدى عكس فلاسفة أوروبا البارزين ككانت ونيتشه وشوبنهاور وشبنجلر وبالإختصار فلاسفة الألمان وانكلترا وفرنسا، ولو تكن هناك فلسفة سبقتهم تسمى بالفلسفة اليونانية لقالوا لنا بأن فلاسفة التنوير هم الجذر والأصل، ولا توجد فلسفة بعدهم أو قبلهم.
هذا ما قالهم لنا الكتاب والعلماء العرب في هذا المجال دون الحديث عن غيرهم ممن هم ليسوا عربا أصلا، قد نسميها مزايدة أو ردا للجميل أو انبهارا وصدمات غير محدودة سمّها ما شئت المهم أنها منحازة بشكل أو بآخر نحو الضفة الأخرة.
لكن العلوم الحديثة والدقيقة ومع مرور الأزمة أبانت لنا بأن حجم خطأ هؤلاء الفلاسفة الغربيين أكثر بكثير من نقاط صوابهم، وهذا لا يعني بأنهم لم يخطؤوا ولكن كما يقال صنعوا لهم من الحبة قبة؟! غير أنهم في الواقع كانوا مجرد اشخاص عاديين ـ عفوا ـ غير عاديين يعانون من هلاوس وأمراض نفسية عدة. وقد أثبتت البحوث أنه تم تضخيم كفاءاتهم، والجري وراء كل كلمة وهمسة ليصنعوا لنا منها حكمة ونظرية، وُشمّعت بالشمع الأحمر عن أنها الحقيقة دون النظر وبرؤية شاملة نحو أفكار أخرى سبقتها أو أتت بعدها فيها من النجاعة والصواب أفضل بكثير من تلك التي روجوا لها، ولم يراعوا أبدا جوانب المقارنة؟! فهل يقع اللوم على هؤلاء أي الأسماء التي حُسبت على الثقافة العربية، وظلت مدهوشة هي في حد ذاتها بل أصابت بعدواها الكثير من الأجيال بغية تقديم وجبة أو وصفة مدعية عن أنها هي الحقيقة المطلقة، وهذا في حد ذاته افتراء تاريخي وصريح على جهود في الأقاليم الأخرى، تعبت واجتهدت ثم ظُلمت تصنيفيا.
لو كان هناك منطق تاريخي لحوسبت هاته الأقلام التي سيطرت ردحا من الزمن والعقود وفُضحت، لأنها كانت تتلاعب بعقولنا وتندهش بالقشور دون اللب، بل تتطاول على الفكر والمفكرين انطلاقا من انتماءاتهم الدينية والايديولوجية، وهي بالتالي أطراف ساهمت في هذه الجريمة التاريخية.
دفعني لكتابة هذا المنحى حين قرأت عن الفيلسوف نيتشه، والذي يوصف بأنه فيلسوف اللاأخلاقية،
كان يعاني من اضطرابات نفسية ويكره الوجود بل الحياة الطبيعية للبشر. ويقيس العالم والأشياء والأفكار انطلاقا من نفسيته غير السوية والتي ظلت تعيش صدمات حملها معه منذ صباه..لكن كتابنا الميامين وممّن سبق لهم أن كتبوا عن هذا الفيلسوف أظهروه لنا كعبقري عمل على تغيير العالم. وادخال الكثير من المصطلحات الأعجمية والميتات والأرقام قصد إظهار صعوبة فكره الذي سبق عصره وغموضه في الطرح، لكنه في الأصل مجرد شخص عادي عاشت العشرات من العقول المبدعة في عصره لكن للأسف لم يتم التطرق إليها لا لشيء سوى أنها من بلاد لا تُرى بالعين المجردة وأنت تحدق باحثا عنها في الخرائط العامة. هذه مشكلة الكتاب والباحثين العرب عندنا ممّن لازالوا يسوقون لنا المصطلحات والأسماء النشاز على أساس أنها تحمل نظريات جديدة تُدرج في خانة ما بعد الحداثة ومابعد الحضارة ومابعد الايديولوجية ومابعد العولمة، وهلم جرّا، غير أنها في الأصل مجرد دهشة أصابتهم هم في ذواتهم وأرادوا تعميمها على الجميع
* شاعر وصحفي جزائري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.