أصبحت قضية الإرهاب في عصرنا هذا، من أهم القضايا التي دوخت الأوساط الدولية. والدول الإسلامية، كغيرها، نالها نصيبها من الإرهاب على تفاوت بينها.
فما معنى الإرهاب، وما هي البواعث والأسباب التي تؤدي إليه، وما حجم الأضرار التي تنتج عن تلكم الممارسات الإرهابية الظالمة؟
إن الإرهاب كلمة لها معنى ذو صور متعددة، يجمعها: الإخافة والترويع للآمنين بدون حق، وإزهاق الأنفس البريئة وإتلاف الأموال المعصومة، وهتك الأعراض المصونة، وشق عصا المسلمين وتفريق جماعتهم والخروج، وتهييج الشباب ضد بلادهم والزج بهم في مواجهات ومصادمات مع ولاة الأمر والعلماء في صور من الإرهاب الفكري.
لقد كان الإرهاب ظاهرة متميزة من مظاهر الاضطراب السياسي في القرون السابقة.
فكلمة «الإرهاب» في الحقيقة التاريخية المسجلة، هي من ابتداع الفرنسيين في حقبة الثورة الفرنسية الممتدة بين الأعوام 1789 إلى 1799 والتي يصفها المؤرخون بـ «فترة الرعب»، أو بـ «الإرهاب الممول من قبل الدولة». فلم يطل الهلع والرعب جموع الشعب الفرنسي فحسب، بل طال الرعب الشريحة الارستقراطية الأوروبية عموماً.
وذلك عندما مارس روبسبير ومن معه من أمثال سان جيست St Just وكوثون Couthon العنف السياسي على أوسع نطاق. حيث شنوا حملة إعدام رهيبة شملت كل أنحاء فرنسا، حتى قُدِّر عدد من أُعْدِموا في الأسابيع الستة الأخيرة من عهد الإرهاب في باريس وحدها بـــ1366 مواطنًا فرنسيًا من الجنسين. ومن أصل سكان فرنسا، الذين كان يبلغ عددهم في ذلك الوقت 27 مليون نسمة.
قام هؤلاء القادة بقطع رأس 40 ألفًا بواسطة المقصلة، واعتقلوا وسجنوا 300 ألف آخرين. إذن، فقد ظهر مصطلح الإرهاب، لأول مرة، عندما أعلن روبسبير Ros pierre في الفترة ما بين 10 مارس 1793م - 27 يوليو 1794م. بداية عهد الإرهاب أو الرهبة Reign of Terror» في فرنسا، ومن تسمية هذا العهد اشتقت كلمة Terrorism بالإنجليزية وTerrorisme بالفرنسية بمعنى «الإرهاب».
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، في القرن العشرين 1950 - 1954م كاد السناتور جوزيف ماكرثي Joseph McCarthy أن يصبح روبسبير آخر، بعد أن قاد حملته ضد العناصر اليسارية الأمريكية آنذاك، إلا أن اتهاماته بالخيانة للآلاف لم تصل إلى حدِّ قطع رؤوسهم بالمقصلة، أو خنقهم في غرف الغاز المغلقة.
قبل القرن الحادي عشر، قامت طائفة من اليهود بعملية سرية ضد الرومان تضمنت اغتيال المتعاونين معهم.
أما أبرز الأعمال المتفق على أنها إرهابية:
- حادث نشر غاز السارين في نفق قطارات في اليابان.
- حادثة تفجير طائرة «البان آم» فوق سماء لوكربي الاسكتلندية.
- تفجير المبنى الفيدرالي في ولاية أوكلاهوما الأمريكية.
- تفجير فندق الملك داوود بواسطة عصابات صهيونية مستهدفة المندوب السامي البريطاني في فلسطين.
- مذابح ضد المدنيين دير ياسين وقانا بواسطة العصابات الصهيونية هاجاناه.
- تفجيرات الرياض عام 1995 والخُبَر كانت بعض العمليات الإرهابية في السعودية واستهدفت في الغالب الوجود الغربي.
- تفجيرات سفارات الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام كانت عمليات لاحقة في أفريقيا، وأشيع تورط تنظيم القاعدة فيها.
تفجيرات 11 سبتمبر 2001 والتي خلّفت نحو ثلاثة آلاف قتيل من جميع دول العالم، وتكبّد العالم بأسره خسائر تقدّر بمليارات الدولارات.
- استهداف المدنيين الإسرائيليين على أيدى البعض، والذين يعتبرون هذه العمليات ضد المدنيين إنما هي رد على العمليات الإسرائيلية القمعية ضد مدنيي فلسطين كمذابح قانا ودير ياسين، وكذلك عمليات التهجير والاستيطان.
- عمليات الإرهاب في جنوب شرق آسيا من قبل جماعات كـأبو سياف، لها في الغالب علاقات مع جماعة القاعدة.
- عمليات الإرهاب في روسيا وتتهم روسيا التنظيمات الشيشانية بالضلوع فيها بينما ينفي الشيشان.
- العمليات الإرهابية التي استهدفت مبنى الأمم المتحدة وضريح الإمام علي والزوار الشيعة وغيرها التي حدثت في العراق بعد عام 2003.
- الهجمات الإرهابية التي تعرضت لهما السعودية منذ 2003 من قبل خلايا إرهابية في السعودية يشاع أن لها علاقة بالقاعدة.
ـ العمليات الإرهابية التي تعرضت لها إسبانيا ثم المملكة المتحدة، استهدفت وسائل النقل العامة، حيث تعتبر هدفا سهلا للإرهابيين.
يستهدف الإرهاب الطائرات المدنية وما تتعرض له من اختطاف، والمدن المكتظة بالسكان وما ينالها من تفجيرات واغتيالات.
الأسباب:
على المستوى الانفعالي، فالغالبية العظمى تعاني من طغيان الانفعالات بسبب المأزق المعيشي المزمن. حيث يغلب التعاطي الانفعالي والوجداني مع المواقف، بدل تحكيم العقل والمنطق قصد إرصانها.
إذ الانفعالات ينبغي ضبطها ضمن حدود لا تتعداها، فالإفراط في الانسياق خلفها يفقد الفرد القدرة على امتلاك واقعه علميا وعقلانيا ويؤدي اضمحلالها تجاه الواقع إلى حالة من البرود وعدم الاكتراث مما يوقع في التبلد الكلي. أما الإفراط في قمع الانفعالات، فينجم عنه الوقوع في هوس التحليل والدقة والتركيز على التفاصيل التي ترهق الذهن وتفقد المرء دفء الحياة وحرارتها.
وإذا أضفنا إلى كل هذا فشل التعليم في التأصل والتجذر في شخصية الفرد وتشكيله فقط لمجرد قشرة سطحية في النهاية، وتغطي جميع أشكال التفكير السقيمة والسائدة نستطيع وبالضبط فهم الأسباب الكامنة وراء تفشي التعاطي الخرافي والغيبي مع ظواهر هذا الواقع.
غير أن الأدهى هو ما يكمن في الحياة اللاّواعية للأفراد، حيث تدفعهم علاقات التسلط والقهر (السادو- مازوشية) المفروضة عليهم من كل صوب وحدب إلى التمسك بالتقليد والنكوص إلى أمجاد الماضي، والتماهي بالمتسلط نفسه من حيث قيمه وأحكامه وعدوانه، مما يعيد إنتاج نفس الذهنيات ونفس الأوضاع. ويرى البعض، أن من أحد الأسباب التي تجعل شخصا ما إرهابياً أو مجموعة ما إرهابية، هو:
- عدم استطاعة هذا الشخص، أو هذه المجموعة من إحداث تغيير بوسائل مشروعة، اقتصادية كانت أو عن طريق الاحتجاج أو الاعتراض أو المطالبة والمناشدة بإحلال تغيير.
ويرى البعض أنه بتوفير الأذن الصاغية لما يطلبه الناس (سواء أغلبية أو أقلية) من شأنه أن ينزع الفتيل من حدوث أو تفاقم الأعمال الإرهابية.
- الأعمال الإرهابية تبادر إليها جماعات أو خلايا محصورة العدد، وعادة ما تكون نتيجتها عكسية، بحيث أنها من جهة تصبح مطية للنظام أو القوة المستهدفة لفرض مزيد من الإخضاع والسيطرة، ومن جهة أخرى تروع المواطنين وتزيد من نفورهم وعزوفهم عن العمل أو الفعل السياسي.
الإرهاب أداة ووسيلة:
يعد الإرهاب أداة أو وسيلة لتحقيق أهداف سياسية، سواء كانت المواجهة داخلية بين السلطة السياسية وجماعات معارضة لها، أو كانت المواجهة خارجية بين الدول. والإرهاب هو نمط من أنماط استخدام القوة في الصراع السياسي، حيث تستهدف العمليات الإرهابية القرار السياسي، وذلك بإرغام دولة أو جماعة سياسية على اتخاذ قرار، أو تعديل قرار أو تحريره، ما يؤثر في حرية القرار السياسي لدى الخصوم.
عندما تقوم جماعات معارضة، بارتكاب أعمال عنف ذات طبيعة إجرامية خارجة عن قوانين الدولة، ترد الحكومة المستهدفة برد فعل عنيف لردع تلك الجماعات، وذلك بتفتيش المنازل مثلًا، واعتقال المواطنين وسجنهم بدون محاكمة، وسنّ قوانين الطوارئ التي تُحدُّ من الحريات، وغير ذلك من الوسائل التي لا تؤدي في أغلب الأحوال إلى إنهاء العنف والإرهاب، ولا تؤدي إلى القضاء على هذه الجماعات، بل قد تؤدي إلى المزيد من الإرهاب والعنف، ومن ثم تعيش البلاد في سلسلة لا تنقطع من الإرهاب، بين إرهاب الأفراد والجماعات من ناحية ورد الدول والحكومات، من ناحية أخرى وأثناء محاولة الإرهابيين مقاومة الحكومة بالعنف والإرهاب تعبيرًا عن استيائهم ورفضهم لها، فإنهم يجعلون المدنيين أهدافًا مشروعة لعملياتهم الإرهابية.
وقد شمل الإرهاب جماعات تسعى إلى قلب أنظمة حكم محددة، وتصحيح مظالم محددة، سواء كانت مظالم قومية أم لجماعات معينة، أو بهدف تدمير نظام دولي كغاية مقصودة لذاتها».
وما أحداث الجزائر إلا مثلا حيا، فقد قتل فيها، باسم الجهاد والدعوة، أكثر من مائة ألف مسلم. أحداث غذتها أشرطة التهييج والطعن في العلماء والحكام، وشاهد على فساد الجماعات الإسلامية الحركية المحدثة، والتي أولها أناشيد وتمثيل يسمونه إسلاميا، وآخرها تكفير وتفجير، فأفسدوا الدين والدنيا، وخربوا البلاد وروعوا العباد، وكل هذا باسم الجهاد والدعوة إلى تحكيم الشريعة!
من يستفيد من العمليات الإرهابية؟
صنعت العمليات الإرهابية مصطلحات مثل «حالة الاستثناء»، «حالة الطوارئ» على مستوى النظم الدولية، مكن الولايات المتحدة الأمريكية ومختلف حلفائها من العالم المتقدم، أو من المجتمعات المتخلفة، من تحقيق مزيد من الأهداف:
- تمكن الولايات المتحدة الأمريكية من إحكام السيطرة على دول العالم من الدول أو البلدان التي تقع في مواقع استراتيجية مثل العراق وأفغانستان.
- تمنح الولايات المتحدة الأمريكية للأنظمة التابعة مشروعية حفظ الأمن لمواجهة الغليان الشعبي الذي تؤججه السياسات التي يتحكم فيها الصندوق والبنك الدوليين، من خلال تحرير الأسواق، وخوصصة الأملاك العامة، والتنصل من مهام الرعاية الاجتماعية.
- العمل على الترويج للنمط الاستهلاكي الأمريكي، سواء على مستوى الزي أو المأكولات المصنعة وغيرها من خلال تنفير الجماهير من النمط الأصولي.
-الإبقاء على رواسب الأيديولوجيات المتمسكة بالدين والمكرسة لوهمية الخلاص كعائق أمام التغيير، جنبا إلى جنب مع القيم الاستهلاكية الأمريكية وما تشيعه، من دخول في دوامة اقتناء أشياء فاقدة لأي قيمة استعمالية حقيقية مقارنة بقيمتها الاستبدالية.
لكن ماذا الآن عن المقاومة؟ وكيف نميزها عن هذه الأنشطة المكناة إرهابية؟
يمكن القول إن المقاومة هي جملة الأفعال الرامية إلى الدفاع عن حقوق مشروعة، وبطرق مشروعة إنسانيا وتعد الروح الجماعية التي تصطبغ بها هذه الأفعال وما تقابل به من تأييد شعبي، أهم سمة تميز المقاومة عن الأعمال الإرهابية.