الوقاية من التشدد والتطرف العنيف مهمة يتولاها أهل الفقه
أكد أئمة ودعاة من دول الساحل، أمس، بالعاصمة التشادية نجامينا، على ضرورة «تجديد الخطاب الديني والرقي به إلى مستوى مشروع مجتمع لا يقصى غير المسلمين». فيما تمت الإشادة بميكانيزمات الوقاية من التطرف، التي تضمنها إتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر للحوار، لكونها تشمل الأئمة والدعاة.
وأكد المتدخلون في برنامج اليوم الأول من الورشة الخامسة للرابطة، التي تنظم بالشراكة مع وحدة الإتصال والتنسيق، تحت عنوان: «دور علماء الدين بمنطقة الساحل، في مجال حماية الشباب من التطرف والتطرف العنيف»، على ضرورة الاستفادة من التجارب المختلفة في البلدان الأعضاء في الرابطة والتنسيق بين أعضاء الرابطة والانخراط بشكل أكبر في الجهود الوقائية من الظواهر الناجمة عن التشدد في الدين، مع منح الأئمة والدعاة أدوات العمل التي تمكنهم من القيام بدورهم الاجتماعي والتوعوي في الوقاية من التشدد والتطرف العنيف.
من هذا المنطلق، دعا ممثل الجزائر في الرابطة، كمال شكاط، إلى أهمية «تجديد الخطاب الديني والرقي به إلى مستوى مشروع مجتمع لا يقصى غير المسلمين»، مقدما أدلة شرعية تحث المسلمين على التعايش واحترام الآخر ونبذ الإقصاء والتطرف.
وقدم شكاط في مداخلته، شروحات حول الإنحرافات الواردة في فهم بعض الآليات والأحكام القرآنية، لاسيما ما تعلق منها بالدعوة إلى الدين والترغيب فيه، مؤكدا أن «ذلك لا يعني معاقبة غير المسلم أو الانتقام منه».
وحث ممثل الجزائر المشاركين، على خدمة الأفكار المعتدلة والعمل على ترقية الذات والمحيط لتقديم صورة حسنة عن المسلمين وهي الصورة التي تضررت بسبب التشدد والتطرف.
وكان الأمين العام لرابطة علماء ودعاة وأئمة دول الساحل يوسف بلمهدي، قد أكد أن تجربة الجزائر في المصالحة الوطنية أصبحت «عنوانا للنجاح» في تحقيق الأمن والإستقرار وأن الجزائر أصبحت بالفعل «مثالا يحتذى به» في هذا المجال، مبرزا أن الأهداف التي تحملها الورشة الخامسة للرابطة، تدخل في إطار «المقاربة الشاملة» التي تتبناها الجزائر في نشر السلم والمصالحة والاستقرار في منطقة الساحل وإفريقيا.
كما أوضح أن عمل الرابطة من خلال هذه الورشة، «يتركز على تجديد آليات التعامل مع الأفكار الوافدة إلينا والتي في الغالب لا تتوافق مع مرجعيتنا الدينية وذلك بالرجوع إلى منابع الإسلام الصحيحة»، مبرزا دور علماء الدين ممثلين في أعضاء الرابطة الذين «يعدون فئة مرجعية من علماء ودعاة منطقة الساحل، حيث يتقاسمون نفس التوجه والمرجعية الدينية».
إتفاق السلم والمصالحة
في مالي عزز الوقاية من التطرف
أما ممثل دولة مالي الشيخ ألفا داها كونتا، فقد أشاد بالميكانيزمات التي جاء بها إتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر للحوار والذي «أخذ بعين الاعتبار دور الأئمة والدعاة والمصلحين كقادة رأي في الترسيخ لثقافة السلم والمصالحة في مجتمعاتهم المحلية، وهو ما ساهم بشكل كبير في تعزيز الأمن والإستقرار والوقاية من التطرف في الكثير من المناطق التي عرفت اضطرابات».
وأكد بهذا الخصوص، أن الأئمة والمصلحون يمثلون «جبهة قوية» ضد التطرف تضاف إلى الجهود التي تبذلها جهات أخرى، لاسيما الأمنية والسياسية، دعيا إلى تكثيف الدورات التكوينية لفائدة الأئمة والدعاة، خاصة تلك المتعلقة بالتكنولوجيات الحديثة ووسائط التواصل الاجتماعي. من جانبه استعرض ممثل موريتانيا في الرابطة الشيخ أسلم سيد المصطفى، تجربة الدولة الموريتانية في مكافحة الإرهاب والوقاية من التطرف، مشيرا إلى «أن بلاده اتخذت إجراءات فعالة» في مواجهة الإرهاب والإرهابيين، موضحا أن هذه الإجراءات كانت متعددة الأبعاد، منها الأمنية والسياسية والدينية.
على الصعيد الديني أوضح الممثل الموريتاني، أن نواكشط ركزت على توسيع التعليم الديني على كل المستويات وأنشأت المدارس والمعاهد، كما قامت بإطلاق بث قناة القرآن الكريم التي تعنى بالفقه والدين الصحيح المعتدل غير المتطرف.
وقد مكن هذا الاندماج العام بين كل القطاعات، يوضح الشيخ أسلم، من «التنسيق والتعاون والتضامن بين الجميع، بعيدا عن الصراعات الداخلية والمنافسات العقيمة». كما مكن ذلك من حصر القضايا العلمية الفقهية منها والعقدية التي تشكل بؤرا فكرية يفسرها المتطرفون تفسيرات خاطئة ويخلقون منها شبها يلقنونها للشباب غير المحصن فيتحولون إلى لعب في أيدى الإرهابيين.
وانطلقت في وقت سابق، أمس، أشغال الورشة الخامسة لرابطة علماء وأئمة الساحل، التي تنظم بالشراكة مع وحدة التنسيق والإتصال، بمشاركة مجموعة من كبار الأئمة والدعاة وعلماء الدين وكبار المرشدين الدينيين يمثلون الدول الأعضاء في الرابطة وهي الجزائر، موريتانيا، مالي، نيجيريا، النيجر، بوركينا فاسو وتشاد، بالإضافة إلى ثلاث دول ملاحظة في إطار مسار نواكشوط وهي كوت ديفوار، السنغال وجمهورية غينيا، فضلا عن ممثلين لمنظمات أقليمية وقارية وكذا جامعيين وفاعلين في الحقل الثقافي المحلي.
ويتضمن برنامج الورشة عددا من المحاور، أبرزها مسألة استخدام التكنولوجيات الجديدة للإعلام والإتصال من العلماء والأئمة، من أجل تعزيز الخطاب الوعظي والإرشادي، الرامي إلى ترسيخ قيم التسامح والتبادل لدى فئة الشباب وتحسيسهم بالمخاطر التي تمثلها الأفكار الهدامة التي تنشرها التنظيمات الإرهابية.
يشار إلى أن الورشة السابقة للرابطة، أقيمت في العاصمة السنيغالية داكار وتوجت بـ «إعلان داكار»، الذي تم من خلاله تبني «سياسة استباقية» تقوم على دراسة الأسس التي تقوم عليها الإيديولوجيات المتطرفة وإنتاج خطاب مضاد يجنّب دول المنطقة التشدد والإرهاب.