استقطب أول اجتماع للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، اهتمام كل التشكيلات السياسية حيث حضر معظم رؤساء الأحزاب من الموالاة والمعارضة، ما أعطى الانطباع بـ «التفاف» هذه الأخيرة حول الآلية القانونية الجديدة التي ستتولى مراقبة العملية الانتخابية، عكس ما كان يتوقع، وتروج له بعض الأطراف، التي تحاول الصيد في المياه العكرة، و تدفع بالجزائريين إلى التشكيك في مؤسسات الدولة والهيئات حتى وان كانت مستقلة.
ضم قصر الأمم بنادي الصنوبر البحري، مساء أمس، جميع الفعاليات والشخصيات الوطنية والسياسية والإطارات، فحضر الجلسة التأسيسية للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات ممثلي الحكومة على رأسهم الوزير الأول عبد المالك سلال، ورئيسا البرلمان بغرفتيه مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني عبد القادر بن صالح، والعربي ولد خليفة، ووزير العدل الطيب لوح، ووزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة، وزير الداخلية و الجماعات المحلية نور الدين بدوي، رئيس المجلس الدستوري مراد مدلسي، كما حضر رؤساء التشكيلات السياسية العريقة و الفتية دون استثناء، بالإضافة إلى حضور جميع أعضاء الهيئة المشكلين مناصفة من القضاة والكفاءات الوطنية من المجتمع المدني.
في كلمة توجيهية دامت قرابة 20 دقيقة من الزمن، وصف رئيس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات عبد الوهاب دربال، تأسيس هذه الأخيرة بـ «المنعرج التاريخي» وثمرة طبيعية في حياة بلدنا ونقلة حضارية تجسد طموح أبنائه نحو أفق أرحب ومرحلة جديدة تتسم بتثمين الفعل السياسي الجاد وتكريس حق الشعب في اختيار من يمثله بإرادة حرة، ضمن تطور دستوري هادئ، واعٍ، ومتدرج وهادف.
أسهب دربال في التعريف بالهيئة وإبراز دورها، وكأنه يقطع «الألسن» التي سبقت إلى التشكيك في مهامها وقدرتها على إجراء انتخابات حرة ونزيهة قبل الشروع في عملها، فبعد أن أشار إلى أنها تشكل إطارا دستوريا وصمام أمان لتثمين الفعل الانتخابي وحماية حق الاختيار، فضلا عن مراقبة عمليات الاقتراع بما يوفر للمواطن مناخا يساعده ويشجعه على اختيار ما يراه مناسبا لتمثيله بكل حرية ودون إكراه، أكد أهمية الهيئة التي تستمد شرعيتها وقوتها ومصداقيتها –كما قال- من الدستور سيما المادة 194، وهي بحكم مهمتها الرقابية إطارا سياسيا وقانونيا الأمثل لضمان شفافية ونزاهة الانتخابات وتأمين خيار الناخب، وذهب إلى أبعد من ذلك، حينما قال أن تشكيلة الهيئة من 410 عضوا مناصفة بين القضاة وكفاءات مستقلة، تم اختيارهم من المجتمع المدني يعينهم رئيس الجمهورية، سيعطي لا محال قوة وحصانة وثراء للهيئة التي تتميز تركيبتها بتعدد الاختصاصات و المؤهلات وتنوع الكفاءات المنتسبة لها، فضلا أن حيادية الهيئة من حيث الاستقلالية القانونية والمالية، وعدم انتماء أعضاءها لأي حزب سياسي وعدم ممارستهم لأي نشاط تنظمه الأحزاب باستثناء الحالات التي يمارس فيها عضو الهيئة مهامه الرقابية المنصوص عليها في القانون العضوي رقم 16-11، يجسد بالتأكيد استقلالية الهيئة وممارستها لمهامها بمنأى عن كل أشكال الضغط المعنوي والمادي.
لم يغفل دربال تنبيه الحضور، وغير الحضور للمؤشرات و الدلائل والضمانات لتنظيم انتخابات نظيفة وشفافة لا يرقى الشك إلى نتائجها، فتوقف عند صلاحيات الهيئة المخولة لها قانونا و التي تتمتع بها وتمارسها قبل وخلال وبعد الاقتراع بواسطة مداوماتها المنتشرة عبر ولايات الوطن، وبحسب الحالة في الخارج، فضلا عن الصلاحيات العامة للهيئة العليا في مجال الرقابة، كتدخلها التلقائي أو بناء على العرائض والاحتجاجات التي تخطر بها بعد التأكد منها، في حالة مخالفة أحكام قانون الانتخابات، أو إشعار الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات والمترشحين وكذا ممثليهم المؤهلين قانونا، بكل ملاحظة و تجاوز صادر عنهم خلال مختلف مراحل العمليات الانتخابية، أو فصلها في المسائل التي تدخل في مجال اختصاصها بقرارات غير قابلة لأي طعن.
دعم الهيئة لممارسة مهامها تأكيد على رغبة السلطات في مواصلة مسار الإصلاحات
اعتبر رئيس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، حرص رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة على توفير المناخ الملائم وكافة الشروط المادية والمعنوية والقانونية للهيئة كي تقوم بمهامها في أحسن الظروف، رغبة من السلطات العليا للبلاد على مواصلة مسار الإصلاحات التي باشرتها في الجزائر على أكثر من صعيد في السنوات الأخيرة، وكذا إضفاء المزيد من الشفافية في تسيير الشأن العام وتوفير الضمانات السياسية والقانونية و تكريس الأمثل الذي يبعث على الثقة والارتياح في تأدية الواجب الانتخابي.
أكد أن الهيئة لن تتوانى في القيام بواجبها تجاه الشعب الجزائري، وستعمل على زرع الأمل في وسطه من أجل تعميق الثقة بين الحاكم والمحكوم، من خلال صيانة خيار المواطن، و حماية إرادته وتكريس حقه في حرية الاختيار، سيما إذا تعلق الأمر باختيار من يمثله و يتولى شؤون حياته المختلفة، وهي مهمة اعترف أن الهيئة لا يمكن وحدها أن تحققها، لذا ينبغي تجند الجميع من سلطات ومن تهمه الانتخابات للمساهمة في إنجاح المواعيد الانتخابية بشكل فعال وهادئ ومسؤول ومحاصرة أي سلوك يمسّ بسلامة العملية الانتخابية، «فنجاح أي موعد انتخابي رهين بمدى مشاركة المواطنين، والمشاركة رهينة باقتناع الناخب بحماية صوته.
مدّ دربال يده للجميع، طالبا عونهم ومساعدتهم ودعمهم، لأن ما ستقدمه هذه الهيئة هو في خدمة الناخب والوطن، ومنطلق لا بديل عنه في إنجاح أي موعد انتخابي مستقبلي، وبالتالي إنجاح مسار الإصلاحات السياسية في البلاد نحو ترقية الحريات والديمقراطية في الجزائر في ظل الاحترام الصارم لقوانين الجمهورية.
تواصلت أشغال الاجتماع الأول للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات في جلسة مغلقة، خصّصت لانتخاب 10 أعضاء دائمين، 5 من القضاة، و 5 من المجتمع المدني، وتعيين التنسيقيات الولائية الـ 48، وكذا الفصل في ملفات داخلية تخص نشاط الهيئة.