«تيكربابين»، «البركوكس»، المحاجب... وصفات غذائية صحية بامتياز
مع موجة البرد القارس والعاصفة الثلجية المتواصلة هذه الأيام، لاقت الأكلات التّقليدية إقبالا كبيرا من الجزائريين الباحثين عمّا يعزّز مقاومتهم للأمراض المعروفة خلال فصل الشتاء، ما جعل من الأطباق الشّعبية تفرض نفسها وتكون سيدة المطبخ بلا منازع، بل أكثر من ذلك أصبحت أهم ما يروّج له في المطاعم والخيام. «الشعب» خرجت إلى الميدان لرصد هذه الحالة وأخذ انطباعات مواطنين اختاروا أكلات على أخرى.
سألت «الشعب» المواطنين عن سر الاقبال الذي تحضى به هذه الأكلات الشعبية، وكذا المختصين عن فوائدها الصحية لمقاومة أمراض فصل الشتاء الذي أعلنت درجات الحرارة المنخفضة أنه سيكون باردا جدا زادته برودة العاصفة الثلجية على مختلف مناطق الوطن.
محمد بوطويل، 49 سنة، عون أمن في مؤسسة خاصة سألته «الشعب» عن الأكلات التي يقبل عليها الجزائريون في فصل الشتاء، خاصة مع الانخفاض المحسوس لدرجات الحرارة فقال: «لا شيء أفضل من طبق ساخن في هذه الأيام الباردة للغاية، الطبق الساخن ينعش الجسم ويعطيه قوة ومناعة تمكنه من مقاومة البرد والأمراض المصاحبة له. استطاع المجتمع الجزائري وضع وصفات خاصة تحضر غالبا من الخضر والسوائل الساخنة والحارة، والحبوب الجافة التي تلقى رواجا كبيرا في هذا الفصل البارد، ولعل أشهر تلك الاطباق لوبيا حارة بالكرعين، المحاجب، العدس، الأنواع المختلفة للشربات والحساء».
وأضاف «محمد» لنا: «ولكن سيّد الأطباق الشتوية بالنسبة لي تكربابين، التي تجعل من الجسم منيعا أمام موجة البرد القارص، فهي لذيذة ومغذية في هذا الوقت من السنة كما أنها تحضر بمختلف الخضروات الموسمية وكرات الدقيق المنكهة ببعض الاعشاب العطرية كالنعناع والحشيش المقطفة أو الكزبرة والبقدونس، ما يجعل منه طبقا في متناول كل العائلات على اختلاف مستوياتها المعيشية. وأصدقكم القول أنني لا أتناوله إلا من يد والدتي التي تتفنن في إعداده، فرغم أن زوجتي من نفس المنطقة في القبائل الكبرى إلا أنها تفشل دائما في جعله لذيذا كطبق أمي، ولا يمكن أن يكون التكربابين مجرد طبق عادي لأنه إلى جانب كونه أكلة تقليدية لذيذة بامتياز، هو أيضا غني من الناحية الصحية خاصة وأنه يجمع الفوائد الصحية التي تتميز الخضار الموسمية الجزر، البصل، الثوم، والكوسة وكذا الأعشاب العطرية».
الخضر الموسمية لمقاومة الأمراض
«زوليخة بلايلي» 65 سنة، تحدّثت عن الأطباق التي تميز المجتمع الجزائري في فصل الشتاء فقالت: «يجد البعض التقاليد تخلفا ورجوعا إلى الوراء ولكن أثبتت التجربة أنها وجدت لمساعدة الفرد على تجاوز المشاكل التي تتعقبه ويستطيع التأقلم مع الطبيعة التي يعيش وسطها، ولعل الأطباق الشتوية الغنية والمتنوعة خير دليل على ذلك، فهي تأخذ بعين الاعتبار ما يحتاجه الجسم من بروتينات وفيتامينات في كل فصل من فصول السنة، والشتاء هو أحدها والذي يتميز بأطباق حارة وساخنة تعيد الدفء إلى الجسم وتعينه على متاعب الحياة».
واستطردت «زوليخة»: «من أشهر الأطباق التي تحضّر في هذه الفترة من السنة بركوكس، قطّع وارمي، شخشوخة، المحاجب، شطيطحة البوزلوف، بكبوكة وأطباق أخرى العجين فيها هو الرئيسي، ولكن من المؤسف اليوم أن العائلة الجزائرية خاصة الفتية منها صارت تفتقد حلاوة هذه الأطباق، لأن الزوجات في أغلب الأحيان لا يجهلنّ طريقة تحضير هذه الأكلات الشعبية رغم احتوائه على قيمة غذائية كبيرة، وأصبح مطلوبا من بعض الأزواج شراء الطبق من المطاعم لهن حتى يستمتعن بمذاقها في فصل البرد».
«سمير 50 سنة»، شاف مطعم بخيمة في العاصمة، لاحظ أن الإقبال على الأكلات الشعبية يزاد في فصل الشتاء وقال لنا في شهادته: «تلقى مختلف الأكلات الشعبية المعروفة تناولها في فصل الشتاء رواجا كبيرا، خاصة مع موجة البرد القارص الذي تعرفها الجزائر هذه الأيام، وكثيرا ما يكون رواد الخيمة عائلات بكاملها تأتي هنا للاستمتاع بمختلف الاطباق التي نحضرها خاصة التقليدية والشعبية كمهراس الزفيطي، تيكربابين، قطع وارمي، البركوكس، السكسو، الرشتة، لوبيا بالكرعين سواء كانت حمراء أو بيضاء ومختلفأطباق البقول الجافة كالعدس ، دوبارة حارة، وفول مدشش وأطباق أخرى تختلف حسب رغبة الزبائن والمناطق التي ينتمون اليها، وطبعا تكون هذه الاطباق مرفوقة بالمطلوع التقليدي خاصة مطلوع الشحم الذي يتميز بنكهة خاصة في البرد».
طعام صحي غني بالبروتينات والألياف
«نصيرة شرقي»، 38 سنة، تقني سامي في الإنعاش والتّخذير، قالت عن الأكلات الشتوية في الجزائر: «مع حلول فصل البرد والأمطار والثلوج يصبح تناول الطعام أكثر من مجرد مصدر للطاقة، لأنه يعد أيضا للدفء والوقاية من الأمراض بل وطارد فعّال لعدوى الفيروسات الشتوية، خاصة وأنها تعتمد في تحضيرها على الخضر الموسمية التي تتلاءم واحتياجات الجسم من فيتامينات و بروتينات في هذا الفصل».
توقّفت «نصيرة» لحظة ثم واصلت في سردها لنا منافع الاطباق الصحية قائلة، إن الخرشوف مثلا يحتوي على الحديد والبوتاسيوم، البطاطا الحلوة غنية بفيتامين أ وب6، أما الملفوف أو القرنبيط فهو غني بالألياف ما يجعله يحارب الامراض ويعزز المناعة في الشتاء كما ينشط عملية الهضم.
الكل يعرف فوائد الخضروات مثل الجزر، البصل، الفجل الاحمر، وإن نظرنا إلى الاطباق التقليدية الجزائرية نجدها حافظت على احترام خصائص كل الفصل من السنة ولن تكون أطباق الشتاء نفسها في الصيف، ورغم الاختلاف الذي تعرفه المناطق الجزائرية إلا أنها تتفق على تحضير الاطباق بالعجائن والخضراوات فلن تكون الثريدة أو الرفيس أو طاجين الدجاج بالفول والبطاطا أو لحم بالخرشوف أو كفتة الدجاج بالبسباس والقرنبيط أو تبيخة الشتاء بالملفوف واللفت بعيدة عن احترام الجسم وما يحتاجه من بروتينات من أجل تفادي الإصابة بالأمراض المعروفة في فصل الشتاء». وذكرت نصيرة قائلة:
«بالإضافة إلى كل ذلك يحرس الجزائريون على تناول زيت الزيتون سواء بالخبز مع قهوة الصباح أو استعماله في الطبخ، وحتى العصائر التي توارثها الجزائريون غنية بالفيتامين « الموجود في البرتقال والليمون، هذه التقاليد قد يراها البعض عادية ولكنها في جوهرها تعكس مدى الوعي الذي تميز به أجدادنا لأنهم ورغم غياب التقارير والبحوث الصحية التي نعرفها اليوم إلا أنهم استطاعوا التناغم مع الطبيعة وما توفره من طعام، وفهموا رغم بساطة حياتهم السر الموجود بين صحة الإنسان وما هو موجود في كل فصل، على عكس ما نراه اليوم».
البروفيسور مصطفى خياطي: أكلات صحية نتاج تجارب أجدادنا القديمة
البروفيسور مصطفى خياطي، أخصائي في طب الأطفال، أكد من جهته لنا قائلا في هذا المقام: «إنّ الأكلات التقليدية الشتوية المعروفة في الجزائر لها فوائد صحية كبيرة خاصة فيما يتعلق بتعزيز مقاومة الجسم للأمراض التي تنتشر في هذا الفصل، كما توفر ما يحتاجه من بروتينات وألياف الموجودة في الخضروات والفواكه الموسمية التي تتلاءم ما يعرفه فصل الشتاء من انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة».
وفي ذات السياق، ذكّر البروفيسور أن الأكلات التقليدية هي نتاج ممارسات يومية قديمة عبر سنين طويلة لأجدادنا الذين استطاعوا من خلال التجربة الوصول إلى الفوائد الصحية التي تتميز بها الخضروات والفواكه الموسمية وكذا اللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك، إلى جانب زيت الزيتون في مقاومة الأمراض الموسمية المرتبطة أساسا بالمناخ أو التغير المناخي لكل فصل، ولم تمنعهم حياتهم البسيطة من الوصول الى نتائج مذهلة في تسخير الطبيعة في الوقاية من المشاكل الصحية الموسمية اثبتت الدراسات المعاصرة نجاعتها و صحتها.
ولاحظ البروفيسور أن الكثير من المواطنين اليوم عادوا إلى هذه الأكلات التقليدية الصحية متجاوزين الأكلات السريعة المضرّة أكثر من النافعة، فتحت مطاعم خاصة بهذه الأطباق الشعبية في مختلف جهات الوطن إلى درجة أن الاقبال عليها بات كثيرا جدا، هذه المطاعم الشّعبية لاقت رواجا كبيرا واهتماما ملحوظا وسط المواطنين.