يؤكد عدد من المواطنين الذين تحدثت «الشعب» إليهم بخصوص الاحتفال بـ»ينّاير»، أن مظاهر الاحتفال به، فرصة للحفاظ على الشواهد التاريخية من عادات وتقاليد توارثتها العائلات كون رأس السنة الأمازيغية ما يزال في نظرهم يرمز إلى الخصوبة والازدهار، يحضر له في ولايات الأوراس الكبير على غرار باتنة، خنشلة، قالمة، أم البواقي بكثير من المراسم المحلية والتي عادة ما تنطلق بأسبوع قبل حلول ينّاير والذي يقسم حسب الحاجة فاطمة إلى قسمين قديم وجديد.
يتم في اليوم الأول منه إعداد طبق يسمى بالشاوية «ثاروايث» وتسند مهمة إعداده لسيدة متقدمة في السن في العائلة وعادة ما تكون الجدة، يتكون من طماطم وبصل وغيرها من مستلزمات تحضير مرقه، تضاف إليه لاحقا – حسب الحاجة فاطمة دائما- كمية من مادة الدقيق ويتحول إلى شكل «عصيدة»، وعند تقديمه تضاف إليه كمية من الدهان أو الزبدة في حال تعذر الحصول عل الدهان ليحضر بعدها في الليل الكسكسي، بينما تحبذ بعض الأسر تحضير «الشخشوخة»، لتكون أغلب النساء في ذلك اليوم، منشغلات بتنظيف المنازل، وعند الظهيرة يخرجن في شكل مجموعات كبيرة رفقة الأبناء من مختلف الأعمار باتجاه البساتين والغابات والمناطق الجبلية المجاورة، لإحضار مختلف الحشائش و أزهى أنواع الأعشاب الخضراء، تيمنا بعام فلاحي ناجح والتأكيد على الارتباط الوثيق بالأرض، باعتبار هذه الفترة من السنة بداية السنة الفلاحية، يحتفل بها في الكثير، وما تزال هاته العادة فقط في أرياف الأوراس وقراها الأولى .
يعود تاريخ الاحتفال بيناير إلى 950 سنة خلت قبل الميلاد، حيث أنشأت الحضارة الأمازيغية رزنامتها الخاصة باعتمادها بداية التاريخ الأمازيغي، أما عن معنى كلمة يناير فهي تنقسم إلى شقين، الأول «ينا» ويعني الفاتح، والثاني «ير» ويعني الشهر، ليتشكل بذلك معنى الفاتح من الشهر، فرغم مرور أكثر من 2900 سنة من انتصار الزعيم الأمازيغي شيشناق على رمسيس الثاني، فرعون مصر، إلا أن سكان منطقة الأوراس كغيرهم من الجزائريين لا زالوا يفتخرون بهذه الملحمة التاريخية التي رسخت في أذهانهم وتحكي تاريخا عريقا للأمازيغ الأحرار.
وتحتفل العائلات الأوراسية بميلاد السنة الجديدة على طريقتها الخاصة، مع الأبناء والأقارب والجيران في أجواء تكرس قيم الجزائريين في التضامن والتكافل والأخوة إلا أن القاسم المشترك بين كل الولايات الجزائرية يكمن في ضرورة وأهمية بداية الاحتفال بالذبح، فتؤكد هنا السيدة بريزة حسبما جرت العادة في قريتنا، يقوم رب العائلة بذبح أضحية تتمثل غالبا في ديك أو دجاجة، فبعض العائلات تذبح ديكا عن كل رجل ودجاجة عن كل امرأة، كما تذبح دجاجة وديكا عن كل امرأة حامل، لكن بعض العائلات لا تلتزم بهذا الشرط فالمهم هو أن تسيل دماء حيوان أليف باعتبار أن الأضحية تقي الناس من الأمراض، وتحصنهم من أذى العين وتبعد المخاطر عنهم طيلة أيام السنة وهي أفكار راسخة في أذهان وعقول سكان الأوراس لا يمكن إطلاقا فتح باب النقاش بشأنها بقدر ما يتوجب تصديقها والالتزام بها.
والثابت في احتفالات الأوراسين بـ»يناير» قديما وفي القرى والمداشر حاليا قيام النساء بتغيير أثاث المنزل ورمي رماد الموقد واثنين من أحجاره «أينين» ومعناه حجارتين واستبدالها بأخرى جديدة وصغيرة بعدد أبناء العائلة تقوم ربة المنزل بطلائها بالسمن لتوضع بعدها على النار لتسود، وهي إشارة حسب درجة اسوداد الحجر على قرب دخول الأفراح لذلك المنزل بزواج أحد أفراد العائلة عاجلا أم آجلا ، حيث يقوم كل فرد من العائلة بتقليب سبعة أحجار، ينظر أسفلها، فإن وجد نملا فهذا يدل على تكاثر عدد الماشية من ماعز وغنم، أما تواجد الحشرات فيعني الأحفاد، والديدان تعني العرائس، تقول الحاجة صليحة أما إذا وجدت حفر صغيرة، فهذا دليل على مخازن المؤونة والمال، وتظهر قيم التعاون بين العائلات من خلال وجوب إتمام بعض الأعمال قبل حلول يناير عل غرار إنهاء النسيج القائم المعروف بالشاوية بـ «أزطا»، لطرد الشؤم والنحس بعد تزين النساء بالسواك والكحل ويلبسن أجمل ما لديهن من لباس وحلي تعبيرا عن الفرح والاستعداد لإستقبال الضيف « ينار».
كما يتم بالمناسبة تحضير طبق «الشرشم» بإستخدام أجود أنواع القمح المدخر لهذا السبب حيث يغلى في الماء الساخن، وتضاف إليه حبات الحمص «اطنينت» والخليع، وهناك من يضيف إليها الذرة المجففة، فيوزع على الجيران ويقال «أتش شرشم نفرعون» أي كل شرشم فرعون لتذكيرهم بانتصارات الملك الأمازيغي شيشناق على الفراعنة، والذي انطلق منه التاريخ الأمازيغي.
...المتعة والتسلية فرحا بـ»يناير»
ومن العادات الأخرى السائدة في منطقة الأوراس، حلق شعر المولود الذي يبلغ سنة من العمر عند حلول هذه المناسبة، حيث تخصص له أجمل الثياب ليوضع داخل قصعة كبيرة تدور حوله النساء من أقاربه لترمى فوقه امرأة متقدمة في السن مزيجا من الحلويات والمكسرات والسكر والبيض ليكون مستقبله زاهرا ويزق بالذرية الكثيرة التي تحمل اسمه وتخلد.
كما يكون للعب والمرح والمتعة والتسلية نصيب من احتفالات يناير بالأوراس حيث تتصدر لعبة «ثي عشان» أو «ثاعشونت» أو لعبة التمرن على الأسرة من طرف الأطفال الصغار أولويات أمسيات الاحتفال بيناير وتلق إقبالا كبيرا عليها من طرف الآباء والأمهات مع أبنائهم حيث كانت هذه اللعبة شائعة منذ القدم بالمنطقة تهدف إلى تلقين روح المسؤولية للطفل الصغير سواء ذكر أو أنثى لتعويده على الاعتماد على نفسه وتحمل المسؤولية فيتكلف الأم ابنتها الصغيرة بتنظيف المنزل مثلا وطبخ طبق صغير أيا كان مع القيام ببعض الأعمال المنزلية الأخرى الخفيفة في الوقت الذي يحرص الأب على جعل ابنه يعمل خارجا لاسيما بعض الأعمال الفلاحية والسقي والرعي وغيرها.