مازال الدكتور والباحث محمد بغداد يتكرم على المكتبة الوطنية والجامعة الجزائرية بإصداراته المختلفة خاصة تلك التي تتصدر عناوينها الحديث عن المقدس وهوامشه الدين والوعي والحركات الديينة وغيرها، مقدما رؤية الباحث والأكاديمي والمطلع بشؤون هذه الفواعل الممتدة في بناء والتأثير على المجتمعات العربية والمغاربية بصفة عامة
صدر عن دار الحكمة للطباعة والنشر الجزائرية، كتاب تحت عنوان «صناعة الرسالة في الإعلام الديني»، وهو آخر إصداراته، تناول فيه الآليات التكنولوجية الحديثة، المعتمدة في صناعة الرسالة الإعلامية، من ناحية تناول خلفياتها الفكرية وأبعادها التقنية وأساليبها الفنية وفضاءاتها الاتصالية، وقدراتها الاستثمارية، الممارسة في عالم صناعة الإعلام الحديث.
عبر 240 صفحة من الحجم المتوسط اختار المؤلف أن يكون الإصدار في شكل ثمانية فصول مقسمة حسب التسلسل المنهجي الذي تستدعيه مهمة بناء الرسالة أو صناعتها كما شاء أن يختار لها عنوانا معتبرا «صناعة الرسالة في الإعلام الديني»، تعتبر دراسة أكاديمية متخصصة، مستعينة بالمنهجية التحليلية، إضافة إلى المقدمة والخاتمة، التي قدم فيها المؤلف العديد من الاقتراحات والحلول للمعضلات التي تواجه مستقبل الإعلام الديني، مؤكدا على ثنائية العلاقة بين الفقه الإسلامي والإعلام الحديث، مركزا فيه على القضايا الفكرية والجذور المعرفية، لمكانة كلمة الإعلام في التراث الإسلامي، متوقفا عند المراحل التي تطور فيها هذا المفهوم في التجربة التاريخية للحضارة الإسلامية، مستشهدا عند الكثير من الشواهد والنماذج البارزة، وبالذات النصوص القرآنية والنبوية، والاستعانة بالمنظومة الفقهية التراثية والحديثة منها.
وقد خصص الباحث لمفهوم العملية الإعلامية، فصلا قائما بذاته جاعلا منها المحور المركزي لدراسته، متجاوزا المستويات التقليدية في الدراسات الإعلامية، معتبرا بأن العملية الإعلامية بمفهومها الحقيقي، تتجاوز حدود الممارسة اليومية للنشاط الإعلامي، وأن هناك إطارا أوسع ومجالا أرحب لإدراك الظاهرة الإعلامية، دون أن يتجاهل التطبيقات الميدانية، ويقدم النماذج الواقعية في المنظومة الفقهية.
باعتبار أن دراسة الرسالة الإعلامية الحديثة لا تقل أهمية استعرض فيها التحولات المفاهيمة والمعرفية لمختلف المدارس الإعلامية العالمية وفي الفصل الرابع عدد المؤلف فنون الرسالة الإعلامية مستعينا بالتقنيات التكنولوجية الحديثة، التي أصبحت الشرط الحاسم في الممارسة الإعلامية.
أهمية الرسالة الإعلامية الإخبارية
ليأتي الفصل الخامس، متناولا لمكانة الرسالة الإعلامية الإخبارية، التي اعتبرها المؤلف أكثر الرسائل حضورا في الحياة، وتعاظم دورها في العصور الأخيرة التي فرضت الحاجة إلى المستويات الاستثمارية، والرغبات الفردية والجماعية في التواصل والحصول على الأخبار المختلفة، وفيما يتعلق بدور الرسالة الإعلامية الحوارية فقد أدرجها المؤلف في الفصل السادس، معرجا على العديد من النماذج من البرامج الحوارية إلى البرامج الدرامية والترفيهية، وغيرها من النماذج التي تندرج في تلبية الحاجات المتزايدة للمستهلكين خارج أنماط الخدمات الإخبارية.
وقد أفرد الكاتب الفصل السابع لصناعة الرسالة الإعلامية، مستعرضا الاتجاهات الحديثة التي تتحكم في الاستثمارات الإعلامية الكونية، والتي تجاوزت حدود الأرقام الخيالية، والتي ترد أرباح أكثر خيالية من رؤوس الأموال المستثمرة، والتي يتم تركيز الجهد فيها على الأساليب والتقنيات القادرة على جعل الرسالة قادرة على التحكم في المزاج الشخصي والسلوك الفردي للأشخاص والمجتمعات، ليجعل الفصل الثامن، مخصصا لاستعراض أدوات الرسالة الإعلامية، من خلال تحليل التقنيات الحديثة، في تسويق الرسالة، مؤكد أن زمن وسائل الإعلام، قد تم تجاوزه من خلال التكنولوجيات الاتصالية الحديثة، لتكون العملية الإعلامية، قد انتقلت إلى مرحلة التواصل، وهي المرحلة التي سيكون لها تداعيات تاريخية عميقة على العالم برمته.
وقد اعتبر الدكتور بغداد، أن الحديث المتزايد عن الإعلام الديني في السنوات الأخيرة، يجعل من الضرورة الانتباه إلى تلك التحولات العميقة التي عرفتها الممارسة الإعلامية الدينية، التي حققت درجات متقدمة من المستويات الإنجازية، سواء ما تعلق بالوسائل الإعلامية أو الوسائط التواصلية، قد تمكنت من فرض حضور مكثف ومهيمن للقضايا الدينية في الحقل الإعلامي، وفرض أنماط مغايرة لتلك المتداولة والتقليدية، خاصة بعد الميل القوي والاعتماد الشديد على الرهانات الإعلامية، وخوض الكثير من المغامرات والمشاريع الصحفية، الكبرى، والتي أصبحت تأثيراتها قوية ومتحكمة في السلوكات العامة، للكثير من الفئات الاجتماعية.
الكتاب إضافة إلى الموسوعة الفكرية الوطنية والعربية، خاصة وأنه يقدم عرضا لإشكالية صناعة الرسالة الإعلامية في ظل تطور آليات التكنولوجيا الحديثة.