المدرســة والأوليـاء لمحاربـة الذكـاء الاصطناعـي
شارفت العطلة على نهايتها و أصبح لزاما على الأطفال المتمدرسين التفكير جديا في أنسب طريقة لتكون عودتهم إلى المدرسة ايجابية و بداية لفصل دراسي ناجح. “الشعب” ترصد هذه الوضعية من خلال اخذ شهادات عينات من الاولياء والمختصين.
سعيدة تواتي، 40 سنة أم لثلاثة أبناء يدرسون في مختلف الأطوار التعليمية قالت عن الموضوع: “كانت العطلة بالنسبة لأطفالي مميزة هذه السنة لأنها جاءت في ظروف خاصة حددت في آخر لحظة من الفصل الدراسي الأول، و حتى يستطيع أبنائي الاستمتاع بعطلتهم الشتوية أخذت عطلة مدتها خمسة عشرة يوما حتى أتمكن من إخراجهم في نزهات عائلية تنسيهم تعب فصل كامل من العمل و تجدد طاقاتهم المعنوية والجسدية حتى يتمكنوا من تحسين نتائجهم في مختلف المواد التي يدرسونها.”
واصلت سعيدة حديثها عن وجهتهم في العطلة الشتوية فقالت:«زرنا في الاسبوع الاول من العطلة بيت العائلة في أعالي جبال جرجرة حيث قضينا أياما ممتعة وسط الاجداد والأعمام والأخوال ..كانت فرصة ذهبية لتقوية الروابط الاسرية التي انقطعت بسبب ظروف العمل التي أجبرتني وزوجي على الإقامة بالعاصمة، أما الأسبوع الثاني فقد عدنا الى المنزل ولكن لا يعني ذلك البقاء فيه . ففي كل يوم نذهب الى فضاء للتسلية والترفيه المتواجدين في العاصمة مثل “الصابلات” و حديقة التجارب، رياض الفتح الذي خصص برنامجا خاصا للأطفال الى جانب ذلك افضل دائما الذهاب الى ضواحي العاصمة كحمام “الوان” ، و “مريغة” فقط للجلوس وسط الطبيعة العذراء حيث تشعر بالتناغم مع نفسك ومع ذاتك، كما انها توفر مساحات واسعة للعب الأطفال دون ضغط أو خوف.”
أضافت سعيدة: “مع بداية العد التنازلي للعطلة شرعت في إعطاء أبنائي بعض التمارين المنزلية حتى يستعيدون تركيزهم الدراسي وحتى يخرجون من جو العطلة والترفيه، لأن الفصل الثاني قصير ودروسه تكون دائما أصعب لذلك وجب تحضيرهم نفسيا ليكونوا على استعداد تام لاستيعابها وفهمها والنجاح في امتحاناتها.”
نتائجهم الضعيفة حرمتهم كل شيء
محمد بابا احمد، 50 سنة، محاسب في إحدى الشركات الخاصة، أب لأربعة أطفال اثنين منهم يدرسان في الطور الثانوي، سألته “الشعب” عن العطلة الشتوية وكيف يستعد أبناءه للعودة إلى مقاعد الدراسة، فقال: “كانت نتائج أبنائي الضعيفة في الفصل الأول وراء تسليط عقاب قاس عليهم بمنعهم من الخروج، ومن الهاتف النقال وحتى الألعاب الالكترونية، حتى يعوا أن النجاح في الدراسة هو باب مفتوح على تحقيق كل ما يريدون أما العكس فكل شيء ممنوع، في البداية حاولوا جاهدين تغيير قراري و لكن دون نتيجة، لأن الأمر بالنسبة لي مسألة حياة أو موت، لأن النجاح في الدراسة هو مفتاح لبناء مستقبل مبهر وما عدا ذلك تكون خياراتهم محدودة.”
استطرد محمد قائلا: “ما زاد من غضبي أنني أوفر لهم كل الامكانيات الموجودة لينجحوا في دراستهم من أدوات و كتب خارجية و الدروس التدعيمية ما يعني أنهم لا يقدّرون التضحيات التي أقدمها ووالدتهم من أجل توفير الجو الملائم والمثالي للنجاح، لذلك كان حرمانهم من هذه الامتيازات ضروريا ليفهموا الدرس جيدا، وتعرفوا عن قرب على وجهي الاخر الذي لم يروه من قبل.”
الألعاب الالكترونية لإبقائهم في المنزل
سليمة بن توهامي، 39 سنة، أم ماكثة بالبيت قالت عن نهاية العطلة الشتوية : “رغم قصر العطلة الشتوية مقاربة بالعطلة الصيفية أجد صعوبة كبيرة في تعويد طفلاي على فكرة العودة إلى الدراسة والمذاكرة اليومية، خاصة بعد وصولهما المرحلة الثانوية فشعورهما بأنهما كبرا ويستطيعان اتخاذ القرارات، أصبحا يحرصان على تغليب رأيهما على رأيي، أعلم أنها المراهقة التي تحمل في طياتها الكثير من المشاكل النفسية ولكن في بعض الأحيان أكون في عين الإعصار ولا بد من صرامة في التعامل معهما حتى أستطيع توجيههما نحو الأفضل، وحتى أتفادى خروجهما إلى الشارع، اشتريت لهما لعبة إلكترونية “ps5” تجاوز ثمنها الـ 50 ألف دج فقط حتى لا يختلطا مع أقرانهم من أبناء الحي، لأن أغلبهم ترك مقاعد الدراسة وتاهوا في مختلف الآفات الاجتماعية، كما أن نتائجهما الدراسية كانت جيدة ما سمح لي بشراء هدية أضرب بها عصفورين بحجر واحد.”
استطردت سليمة قائلة: “لكن في المقابل اذكر في هذه الأيام بالمراجعة حتى أهيئهما لدخول ايجابي الى الثانوية، فأحدهما مقبل يدرس في السنة الثانية ثانوي واعتبرها السنة التي تبنى فيها القاعدة الصلبة للنجاح في البكالوريا، كما أنهما لم ينقطعا عن الدروس الدعم خاصة في اللغة الفرنسية والانجليزية، فهما من بين المفاتيح التي تكون ضرورية للنجاح في المستقبل، والحمد لله أنهما لم يتأثرا بوفاة والدهما إثر حادث مرور منذ سنتين تقريبا لأنهما وحتى يعوضان عني غياب الزوج الذي كان يساعدني في مشاغل الحياة و مسئولياتها أصبحا جادين و أكثر يشعران بالمسؤولية اتجاهي، الأمر الذي جعلني أتجاوز كل أحزاني فقط لينجحا ويصبحان فاعلان في المجتمع ومساهمان في بنائه وإصلاحه.”
«الترام”و الميترو” جعلا الاستمتاع بالعطلة الشتوية ممكنا
كميليا بن ساعد، طالبة جامعية تخصّص أرطوفونيا، قالت عن الاستعداد للعودة إلى المدرسة بعد عطلة شتوية: “تكون في أغلب الأحيان العطلة الشتوية فرصة للأهل لزيارة الأهل خاصة أولئك الذين يقيمون في مناطق داخلية بغية تعريف العائلة الصغيرة بالعائلة الكبيرة، وأيضا لتتواصل الأجيال بمختلف المراحل العمرية، ما سينعكس ايجابا على البناء الاسري في المستقبل، الى جانب ذلك ساهمت وسائل النقل كالترام واي و الميترو في جعل تنقل الافراد و العائلة في نفس اليوم التنقل مثلا من درقانة الى حديقة التجارب أو رياض الفتح أو حديقة الألعاب “دريم لاند” لم يعد مشكلة لأن هاتين الوسيلتين قصرت المسافات و تجاوزت الازدحام المروري الذي تعانيه تلك المنطقة والتي كانت في فترة من الفترات عائق حقيقي أمام تنقل العائلات وحتى بقائها تحت رحمة سائقي سيارات الأجرة الذين يحددون تسعيرة مرتفعة للتنقل الى الوجهات السابقة الذكر.”
أضافت كميليا قائلة: “الاستغلال الايجابي للعطلة الشتوية يولد طاقة ايجابية لدى الطفل الذي سيكون إقباله على الدراسة كبيرا، لأنه يعلم ان النجاح يعني الكثير من المتعة والاستمتاع، لذلك ينصح المختصين الأولياء بعدم معاقبة الطفل الذي تحصل على نتائج ضعيفة عقابا قاسيا، لأنه من الممكن ان يعطي نتيجة عكسية فتتحول الدراسة لدى التلميذ المعاقب الى نقطة سوداء ما يؤثر سلبا على تحصيله الدراسي والمعرفي، وإلى تولد شعور الانتقام لدى الطفل ورد الصفعة لوالديه بمواصلة نتائجه الضعيفة.”
أكدت كميليا قائلة: “العطلة الشتوية من حق التلميذ الناجح، المتوسط و الضعيف، طبعا يجب ان يشعر الطفل بسوء النتائج غير المرضية ولكن لا يجب ان نجعلها سببا في تعذيبه معنويا بالالفاظ النابية والمحرجة وننعته بأقبح الصفات وكذا جسديا بضربه قد تصل في بعض الأحيان إلى عاهة مستديمة، وقد تؤدي إلى هروب الطفل من المنزل أو الانتحار، وحتى لا يدخل الطفل في حالة عناد يصعب إخراجه منها يجب ان نعالج الفشل بطريقة علمية وسلمية بعيدا عن العنف بكل أشكاله.”
الاستمرارية بين المدرسة والمنزل سبب رئيسي للنجاح
عبلة بوبكر أستاذة لغة عربية في احتكاك يومي مع التلاميذ الذين يشكلون محور حياتها ونجاحهم هي المهمة التي سطرتها لنفسها، سألتها “الشعب” عن الطريقة المثلى للعودة الى مقاعد الدراسة بعد العطلة الشتوية، فقالت ان العطلة يجب ان تقسم و توزع أيامها بين الراحة و الاستمتاع بأيامها بعيدا عن ضغط الدراسة و بين المراجعة والمذاكرة لتكون الانطلاقة في الفصل الثاني على قاعدة علمية وذلك من خلال انجاز التلميذ أو الطفل للتمارين والبحوث التي كلفه بها الاستاذ قبل العطلة والتي غالبا ما تكون مراجعة للفصل الاول و تهيئ التلميذ نفسيا وعلميا ليكون مستعدا لتلقي دروس الفصل الثاني.
لذلك غالبا ما يكون الاسبوع الاول من العطلة للراحة واللعب والاسبوع الثاني يخصّص الاولياء بعض الساعات للمراجعة، بحسبما قالت عبلة بوبكر، وأكدت في سياق حديثها لـ«الشعب” ان التلميذ عند استعداده للفصل الثاني يربط بين الفصلين الدراسيين معرفيا وهذا جيد لتلقي المعلومات الجديدة.
لاحظت عبلة بوبكر ان أغلب التلاميذ اليوم يتميزون بذكاء اصطناعي مرتبط بعالم الانترنت سهّل على التلميذ الحصول على المعلومة وفي المقابل جعله يعاني خمولا كبيرا في تلقي المعلومة ما أثر سلبا على تطوير مهارته المعرفية، ففي كثير من الأحيان عندما أكلف التلاميذ ببحث ما، أجد عند جمعها كما هائل من المعلومات الممتازة ولكن عند اختبار التلميذ فيها اكتشف انه يجهلها تماما، وعندما أسأله عن السبب يقول انه أخذها من الانترنت ووالده طبعها له وهو أحضرها للمعلم دون أن يستوعب المعلومات الموجودة فيه وهذا يتناقض مع الهدف الأساسي لإعطاء التلاميذ البحوث المدرسية.
نبهت عبلة بوبكر الأولياء لهذا الأمر لأن التلميذ يجب أن يتعلم وينمي قدراته العقلية من خلال التمارين و البحوث التي يقوم بها، و لا يجب ان ينخدعوا بالذكاء الاصطناعي الذي يوهم بأن الطفل مطلع على الكثير من المعلومات، إلا أنها في الحقيقة غير مرسخة في عقله، ونصحت الأولياء من جهة أخرى أن يستعملوا طرقا علمية ليساعدوا أبناءهم على تجاوز النتائج الضعيفة، لأنها أول خطوة لجعل التلميذ يتفوق، لذلك عليهم مثلا تكليف أبناءهم بكتابة بعض الفقرات حتى يحسنوا خطهم وكذا يساعدهم على حفظ الكلمات معنى وكتابة، المطالعة ومشاهدة البرنامج باللغة العربية حتى يتعلموا اللغة ويتعودوا على قواعدها السليمة عن طريق السمع، فالاولياء طرف أساسي في العملية التعليمية، واندماجهم فيها يحقق الاستمرارية بين المدرسة والمنزل.