125 عملية في انتظار توسيع التجربة إلى زرع الكبد
حقق قطاع الصحة بولاية باتنة إنجازا طبيا تاريخيا، يتمثل في إجراء 66 عملية زرع للكلى، متجاوزا بذلك العدد المبرمج من قبل وهو 60 عملية، حيث قطع المركز الاستشفائي الجامعي بباتنة «الشهيد بن فليس التهامي» خطوات عملاقة في عمليات الزرع، حول معها الولاية إلى قطب صحي بامتياز رائد في زراعة الكلى، بعدما كانت البداية في تحقيق هذا الإنجاز مجرد حلم راود يوما فريقا طبيا شابا بالمستشفى الجامعي.
بحسب ما وقفت عليه جريدة «الشعب» ميدانيا، فقد تخطى المستشفى بنجاح العملية 125 لزرع الكلى، بعد أن تمكن طاقمه الطبي الشاب وبإشراف من عميد المختصين في جراحة الكلى بالجزائر البروفيسور حسين شاوش، الذي أشاد في مناسبات عدة بكفاءة الأطباء الشباب ونجاح تكوينهم الميداني منذ شهر مارس 2014، تاريخ أول عملية زرع ونقل للكلى بمستشفى باتنة، وهي السنة التي شهدت إجراء 14 عملية نقل وزرع للكلى من أحياء إلى ذويهم في كسب الرهان، بحسب ما أفاد به الدكتور أحمد بوقرورة، الذي أكد أن التحدي الكبير الذي يناضل من أجله الأطباء في الجزائر هو نقل وزرع الكلى من الميت إلى الحي لإكمال الرسالة الطبية التي تعبوا من أجلها بعد أن نجحوا في عمليات الزرع من أشخاص أحياء إلى آخرين مرضى يعانون القصور الكلوي وهو الحلم الذي يسعى الجميع لتحقيقه بالولاية باتنة.
عملية زرع كلى من غرفة العمليات
قادتنا زيارة ميدانية للمركز الاستشفائي الجامعي بن فليس التهامي، لإجراء عدد من الاستطلاعات الميدانية ببعض المصالح الطبية الحساسة بالمستشفى، حيث استقبلنا المدير مسعود بولقرون، الذي تعهد بتقديم كل التسهيلات اللازمة لإنجاح مهمتنا ليكون المواطن على اطلاع كاف بالمكاسب المحققة والإنجازات الهامة في أنسنة القطاع والتكفل الجدي والأمثل والآني بالمرضى القادمين من مختلف ولايات الوطن. ودعانا لحضور إحدى عمليات زرع الكلى، رفقة بلغوار عتيقة، المكلفة بالإعلام بالمستشفى والتي قدمت لنا كل التسهيلات اللازمة لإنجاح تغطيتنا الميدانية للعملية، خاصة وأن المستشفى، بحسبها، حقق إنجازا كبيرا يتجاوز العدد المبرمج سابقا وهو 60 عملية وتمكن من إجراء 6 عمليات زرع أخرى، غيرت مجرى حياة مرضى القصور الكلوي.
تنقلنا إلى المستشفى في حدود الساعة الثامنة والنصف صباحا، حيث وجدنا في استقبالنا بلغوار بجناح الاستعجالات الطبية، لنتوجه إلى جناح زراعة الكلى، حيث اطلعنا خلالها على أحدث التقنيات المستعملة في الجراحة. وبغرف المرضى وقفنا على حجم التكفل الجيد بهم من طرف إدارة المستشفى، كما بدا واضحا انشغال الجميع بمهامه من أطباء وممرضين وإداريين، فالكل يرتدي ملابس رسمية خاصة بالعمل عليها شارات مهنية، قبل أن نصل إلى مكتب مسؤول الجناح عميروش الذي كان «غارقا» في التحضير للعملية، حيث رحب بنا، متمنيا لنا التوفيق، ملحا على ضرورة توخي أقصى درجات الحيطة والحذر خلال دخولنا غرف العمليات. وبعد تقديم بعض النصائح والإرشادات الطبية الخاصة بمهمتنا، قدم لنا ملابس زرقاء يرتديها المختصون في إجراء العمليات وكانت تلك أول مرة نرتدي فيها تلك الأزياء الرسمية الخاصة بغرف العمليات، بعد أن أدخل عليها مسؤولو المستشفى بعض التعديلات التي لم ننتبه لها نحن، كوجوب تغطية الفم والأنف والأرجل والرأس وتعرية الأيدي من أيّ ملابس وتنظيفها وتعقيمها وعدم إدخال أغراض معنا، عدا آلات التصوير الخفيفة.
التزمنا حرفيا بتلك التعليمات التنظيمية، حرصا على سلامتنا وصحة المرضى، كون غرفة العمليات جهزت بـ24 ساعة قبل الشروع في العملية. وبعد التأكد من استيفائنا كل الشروط الصحية والقانونية والتعقيمية، دخلنا الجناح الذي وجدناه في قمة التعقيم والنظافة والأمن، حيث كان الجميع يعمل وكأنه في خلية نحل كل واحد يقوم بدوره ويؤديه بإتقان كبير، حتى الحديث الجانبي لم نجد له مكانا، الكل يعمل في صمت. فالمصلحة تتوافر، بحسب ما وقفنا عليه، على كل الشروط الضرورية التي تساعد المريض على التمسك أكثر بالحياة والشفاء السريع وهو في سريره، من عناية دائمة ومستمرة، نظافة وتعقيم غير مسبوقين، غذاء متكامل وصحي، أدوية متوفرة وغيرها من الأشياء التي شاهدناها ونحن نتجول بين أروقة المصلحة.
غرف عمليات زرع الكلى... عندما تكون الرغبة في الحياة أقوى
بدأ العد التنازلي لإجراء أول عملية من العمليات 6 المبرمجة والمتعلقة بزرع كلى ونقلها من سيدة إلى زوجها في العقد الرابع من العمر. ونحن نقترب تدريجيا من غرف العمليات، بدأنا نحس بقيمة الحياة وبمجهودات الأطباء في منحها من جديد لمرضى عانوا لسنوات طويلة من داء القصور الكلوي القاتل.
رافقنا المسؤول عميروش والمكلفة بالإعلام بلغوار، حيث لم يعد يفصلنا عن غرفة العمليات سوى باب زجاجي اخترقته سهام أعيننا بلهفة وخوف، فتحنا الباب أين وجدنا 3 أطباء مختصين في الجراحة، التحق بهم طبيب رابع، يقومون بتجهيز المريض لعملية الزرع بجانبهم طبيبة وطبيب، علمنا أنهما مختصين في التخدير يرافقان المريض إلى غاية انتهاء العملية واستعادة الوعي. في الجهة الأخرى، ممرض آخر بالزي الأحمر مجند لتنفيذ تعليمات المختصين وتزويدهم بالأدوات الطبية اللازمة.
أثناء تواجدنا بغرفة العمليات، تلقينا بعض الشروح حول عمليات زرع الكلى وسط تركيز كبير للجراحين، الذين استعملوا تقنيات عالية وحديثة جدا في عمليات تجهيز المريض لاستقبال عضو بشري جديد وغريب في نفس الوقت عن جسمه. أما التحاليل فهي ضرورية جدا لضمان نجاح العملية، فتستلزم الكثير من الدقة كدقة العملية، مع الحرص على توفر عدة شروط كتقارب البطاقة المناعية وعدم تجاوز سن المتبرع 60 إلى 65 سنة تجنبا لمضاعفات أخرى تهدد حياة المتبرع.
انتقلنا بعدها إلى غرفة العمليات المقابلة، حيث كانت بدورها المتبرعة تخضع لعملية نزع الكلية لتمنحها لزوجها المريض، وسط تجند كبير للأطباء في إنجاح العملية، حيث وقفنا على مدى رغبة مرضى القصور الكلوي في الحياة والانتصار على الموت، بفضل الله أولا، ثم إرادة الأطباء في التغلب على المرض، خاصة مع توفر كل الشروط والإمكانات المادية والبشرية لنجاح العمليات.
جراحة الكلى... تجربة رائدة تستحق التعميم
أكد لنا أحد الأطباء المختصين في جراحة الكلى، أن أول مرحلة للعملية هو الحرص على تعقيم منطقة البطن ومكان الزرع أو النزع بشكل دقيق، ليتم بعدها مباشرة القيام بشق البطن. طبعا بعد تخدير كلي للمريض وبحضور أطباء مختصين في التخدير، للتدخل في حال حدوث طارئ، ثم يخترق الشق جميع طبقات الجلد وما تحته من أنسجة، وعضلات وأغشية البطن بهدف الوصول إلى الكلية المتواجدة في القسم الخلفي الجانبي من البطن من بعد تجريد الأوعية الدموية الكلوية، يتم نزع الكلية غير الفعالة من مكانها أو المريضة التي لم تعد قادرة على تصفية الدم، ليتم وضعها بشكل جديد في تجويف الحوض وهنا اكتشفنا معلومة كنا نجهلها والمتمثلة في أن المريض بداء القصور الكلوي، لا تنتزع منه كليته المريضة، بل كون أغلب الدراسات الطبية والأبحاث أظهرت خطورة الاستئصال من الجسم والذي يتسبب، في حال حدوثه، في وفاة بمعدل أكبر بعد الجراحة، لذا تترك الكلى في الجسم لكن في مكان آخر.
وأضاف المتحدث، أنه بعد التأكد من سلامة تجويف البطن يتم تحضيره من أجل القيام بالزراعة، كما وقفت عليه «الشعب»، ليتم وصل الكلية الممنوحة بالأوعية الدموية الكلوية، مع التأكد من أن الدم يصلها بشكل جيد.
وكختام للعملية يتم خياطة أغشية البطن وعضلات جدار البطن والطبقات الجلدية مع تضميد الشق الجراحي، غير أنه يحبذ إبقاء أنبوب نازح داخل البطن وهو أنبوب موصول ببالون بلاستيكي، من أجل استيعاب بقايا السوائل والنزيف الذي تراكم داخل تجويف البطن ويستغرق كل هذا الجهد العضلي والفكري والحسي والإنساني 3 ساعات وأكثر.
النظافة والتعقيم... الوجه الآخر لجناح زرع الكلى
إن سلامة وأمان المرضى يعتبر حجر الزاوية في الرعاية الصحية بمستشفى باتنة وهو يعكس مدى تطبيق تعليمات الوصاية بهذا الخصوص، كونه المكان الذي يقصده المرضى للعلاج والمكان المفترض أن يتوفر على أعلى مستوى من الأمن والسلامة والصحة والنظافة في دورات المياه وقاعات العلاج والتعقيم، رافقه انخفاض معدلات إعادة الرعاية الصحية للمرضى وبالتالي انخفاض معدلات الإصابة بالعدوى وقلة الأخطاء الطبية وكذا تحسين إدارة الأدوية، حيث يسهر المشرفون عليها وبكل صرامة، بحسب ما وقفنا عليه، على ضمان النظافة الكاملة، من منطلق أن النظافة في المحيط الطبي هي من أساسيات العلاج الصحيح. ضف إلى ذلك، تضافر جهود جبارة وتوفر إمكانات مادية وبشرية هائلة، رافقها حرص مدير المستشفى على تطبيق أقصى إجراءات السلامة والأمن والنظافة، حفاظا على المرضى والعاملين بالجناح، في انتظار تعميم التجربة على باقي المستشفيات الجامعية بالوطن.
العملية التي حضرنا جزءاً منها، تمت تحت إشراف فريق طبي شاب من ولاية باتنة، تكون بشكل جيدا وكسب خبرة عالية في اختصاص زراعة الكلى لفائدة مرضى القصور الكلوي، القادمين من مختلف ولايات الوطن، تحت إشراف الدكتور أحمد بوقرورة وبتأطير ومتابعة من البروفيسور شاوش حسين عميد أطباء زرع الكلى بالجزائر منذ سنة 1986، ورئيس مصلحة الجراحة الصدرية وأمراض القلب والأوعية الدموية بالمركز الاستشفائي الجامعي مصطفى باشا بالجزائر، الذي أشاد، خلال لقاء سابق معه، بحرص الطاقم الطبي الذي أشرف عليه، على «التحلي بروح المسؤولية والشجاعة والوعي بضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي طبيا، من خلال علاج مرضانا بمستشفياتنا، منوها بمجهودات إدارة المستشفى الجامعي في مواكبة التحدي وكسب الرهان».
التغلب على ندرة الأعضاء البشرية رهان جديد بالمستشفى
بعد النجاح الباهر الذي حققه الأطباء بجعل باتنة تتصدر الترتيب الوطني في زراعة الكلى، راهن الفريق الطبي الشاب مجددا، على تحدٍّ آخر، يتمثل في التغلب على عائق ندرة الأعضاء البشرية، كون كل المتبرعين حاليا من عائلة المريض، وأغلب عمليات زرع الكلى تكون بنقلها من الميت إلى الحي؛ أمر في غاية الصعوبة حاليا، في ظل الإمكانات المادية المتوفرة، لأن ذلك يتطلب توفر إمكانات كبيرة وعالية الجودة والحداثة على مستوى مصالح الاستعجالات الطبية بالجزائر بصفة عامة وبباتنة بصفة خاصة، رغم أن عمليات زرع الكلى ماتزال في بداياتها، ما يستلزم ضرورة تطوير هذا النوع من العمليات، نظرا لانتشار وتزايد عدد المصابين بالقصور الكلوي، ما يحتم تطوير هذا النوع من العمليات ومواكبة الحاصل عالميا، كون عمليات زرع الكلى تظل، بحسب الدكتور شاوش، «أحسن طريقة لمعالجة القصور الكلوي المزمن» وهو ما أكدته الأبحاث العلمية، ليتخلص المريض والجهة المعالجة من الأعباء المالية المخصصة لتصفية الكلى، دون إهمال الانعكاسات السلبية والأعراض الجانبية لتصفية الكلى على المرضى.
غادرنا غرفة العمليات موجهين تهانينا للفريق الطبي علىشجاعته الكبيرة وإرادته الأكبر في إنقاذ أرواح الناس، حيث نزعنا ملابس غرف العمليات بعد شكرنا الفريق الطبي ومسؤولي المستشفى، منوهين بدور المدير بلقرون مسعود في مساعدتنا على إنجاز هذا الاستطلاع الميداني، رافقتنا فيه المكلفة بالإعلام السيدة بلغوار عتيقة في كل كبيرة وصغيرة لنقل حقيقة مجهودات الدولة الجزائرية وطواقمها الطبية والبشرية من أخصائيين ومسؤولين في أنسنة القطاع والتجاوب مع تعليمات الوزير بوضياف في رفع الغبن عن المرضى وإنقاذ أرواحهم وتفهم حقيقة وأهمية الإعلام الجواري البناء في خدمة القطاع والوطن.