يجب فتح المجال أمام الأكاديمي من أجل بلورة مشروع نقدي جاد
ترى الناقدة الدكتورة مسعودة لعريط من جامعة مولود معمري بتيزي وزو، في هذا الحوار الذي خصّتنا به، أنه لا وجود للعمل الأدبي بدون نقد، فعلاقة هذين الاثنين تكاملية وحيوية.. وتضيف بأن عملية اختيار موضوع الدراسة النقدية الأدبية في إطار البحث الأكاديمي تخضع إلى اعتبارات عديدة، منها ما يتعلق بتخصص المشرف وتوجهاته المنهجية والأدبية والأيديولوجية، ومنها ما يتعلق بميول الطالب. وبين هذا وذاك، لا ترى د.لعريط في الجوائز الأدبية معيارا للاختيار، أو مقياسا للجودة، لأن هذه الجوائز لا تخضع في غالبها إلى الشروط الموضوعية اللازم توفرها.
«الشعب»: يعتبر النقد واحدا من أهم عوامل ترقية الإبداع في مختلف المجالات.. فهل يقتصر في مجال الأدب على الدراسات الجامعية أم يجدر به الانتقال إلى الفضاء العام كالإعلام والكتاب والمدونات؟
د.لعريط: إنّ النقد الأدبي محرك أساسي للأدب وبدونه لا وجود للعمل الأدبي والعكس صحيح أيضا، لأن العلاقة أساسية وجدلية وجذرية بينهما، فالعمل الأدبي يوجد بالنقد ومن أجل النقد، والعمل الأدبي هو موضوع النقد وغايته، وكلاهما مادته اللغة وهما: النص والنص المكتوب حوله يهدفان إلى الخلق والإبداع. يملأ النقد الأدبي الفضاء بالنصوص الأدبية ويجعلها تتحرك وتموج، وتنتشر وتصل إلى القارئ البسيط والمتخصص على السواء. كما يجعل النقد النصوص الأدبية تحقق جدواها كأثر جمالي ومضمون إنساني فعال في المجتمع، وهو يساهم بذلك في ترقية الذوق والحساسية الجمالية وفي بلورة الوضع الأدبي والثقافي بصفة عامة. وأوضح هنا إلى أنني لا أقصد بالنقد فقط الدراسات الأكاديمية التي تناقش وتقدم في الدوائر المغلقة للجامعة، لأنه لا يمكن الحديث عن نقد وحركة نقدية إذا لم تكن هناك صحافة نقدية ومجالس للنقد والقراءة في المكتبات وصالونات الكتب ودور النشر وفي المدونات الإلكترونية، فالنقد الأكاديمي ليس إلا حلقة ترتبط بحلقات أخرى على مستوى الإعلام ووسائطه المختلفة، التلفزيونية والورقية والإلكترونية، ومن الضروري أن يتواجد الناقد الأكاديمي في هذه الفضاءات وأن لا يقبع حبيس أسوار الجامعة ومدرجاتها، والآن في إطار نظام ل. م. د. تقوم الجامعة بإرساء علاقات وجسور مع مختلف الفضاءات المحيطة بها، بحسب التوجه والتخصص، من أجل التفاعل المثمر ومن أجل أن تترك البحوث الجامعية أثرا محسوسا في الواقع الاجتماعي. فالناقد الأكاديمي يحتاج اليوم من المؤسسات والفضاءات الأخرى أن تفتح له المجال وتعطيه الحيز المناسب لكي يساهم في بلورة مشروع نقدي جدي، وفي هذا السياق أنوّه بجهود الناقد والروائي الأكاديمي أمين الزاوي في حصته النقدية الأدبية التي تبث عبر أمواج الإذاعة الوطنية، حيث نلمس من خلالها متابعة جادة لما يصدر ويجد من إبداعات أدبية وقضايا في الأدب والفكر، وما يشابهها من حصص وبرامج. تعتبر مثل هذه الأمثلة نقاطا مضيئة ولكن الساحة النقدية والأدبية في الجزائر ما تزال تحتاج إلى مضاعفة الجهود وإلى اهتمام أكثر وأكثر بالمجال النقدي الأدبي.
بالنسبة للنقد الجامعي، ماهي المعايير التي يعتمد عليها الباحث لاختيار العمل الأدبي الذي يتصدى له بالدراسة؟ وما هو دور المشرف في عملية الاختيار هذه؟
تخضع عملية اختيار موضوع الدراسة النقدية الأدبية في إطار حكم البحث الأكاديمي إلى اعتبارات عديدة، منها ما يتعلق بتخصّص المشرف وتوّجهاته المنهجية والأدبية والأيديولوجية، ومنها ما يتعلق بمراعاة ميول الطالب ورغبته في اختيار عمل أدبي معين، وبصفة عامة يتوجه النقد الأكاديمي نحو الظواهر الأدبية التي تشكل، من منظور الأستاذ والطالب، تميزا على صعيد ما، أو تحولا، أو تطرح مقاربة إبداعية جديدة، وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن تواتر نصوص معينة وأسماء في الإعلام بأنواعه المختلفة يجعلها تتسرب بقوة إلى دائرة النقد الأكاديمي، الذي لا يسلم هو الآخر من سطوة سحر الدعاية، سواء بالنسبة للطالب الباحث أو الأستاذ المشرف، ما يحرم الكثير من الأسماء المهمة التي تكتب في الظل من ولوج دائرة النقد الأكاديمي.
هل تحظى الأعمال الفائزة بجوائز بنوع من الأفضلية؟
إن الجائزة الأدبية، بمعزل عن الاعتبارات، التي قد تلتبس بها تعتبر عاملا مهما في رفع معنويات الأديب الناشئ، إذ تحفزه وتشجعه على مواصلة الدرب، أما بالنسبة لمن بدل شوطا كبيرا في مسار الكتابة فهي بمثابة اعتراف وتتمين وتقدير له ولإبداعه، ولا يمكن للأدب أن ينمو ويتطور في غياب العناية المادية والمعنوية المتمثلة في الجائزة، لذلك نجد الدول الغربية، بعكس الدول العربية، ترصد العشرات من الجوائز للحقل الأدبي. كما ترتبط الجائزة الأدبية بعامل آخر قد يكون أكثر أهمية في تحريك مسار الأدب وتطويره هو عامل النقد، ذلك أن العناية النقدية تشحن الأعمال الأدبية بطاقة حياة متجددة في كل مرة، غير أنه وإن كانت الأعمال الأدبية الفائزة بالجوائز غالبا ما تحظى بهالة نقدية صحفية طارئة فإنها تبقى مجرد حالة عابرة ومؤقتة جدا، لأن النقد الموضوعي لا يحتكم إلى الجائزة في حد ذاتها ولكنه يحتكم إلى العمل الأدبي بالأساس، ويحاول أن ينأى به بعيدا عن الاعتبارات الخارجية. فالنص الأدبي الذي يفرض نفسه على النقد ليس هو ذاك الذي يحظى بالجائزة، بل هو ذلك النص المتمنع الذي يبقى يمارس قهره وسطوته الإبداعية أمام كل قارئ مغامر، بما في ذلك القارئ النموذجي المتمرّس. إن الأعمال الفائزة بالجوائز الأدبية لا تؤشر من منظور نقدي علمي أكاديمي على أنها قيمة إبداعية بالضرورة، لاسيما أن الجائزة كوسيلة هي تابعة دائما لمؤسسة وجهة وتوجه سياسي أو إيديولوجي، يعتني بتمويلها ويوظفها من أجل هدف معين، وبالنسبة للجوائز الأدبية في الدول العربية وفي الجزائر يبدو أن الوضع بائس، جدا، لافتقاد هذه الجوائز على قلتها للمصداقية والنزاهة والشفافية على أصعدة مختلفة، ولجانها في كثير من الأحيان، تفتقر إلى التخصّص والكفاءة النقدية اللازمة، وعليه فلا أفضلية بالنسبة لي للعمل الحائز على جائزة، وأغلب الأعمال الأدبية الممتازة هي التي لم تحز على جوائز.
هل يمكن القول أن حصد الجوائز لا يعتبر لوحده معيارا يقاس به العمل الأدبي ومدى تفوّقه؟
إن حصد الجوائز، بالنسبة لي، لا يعتبر مقياسا على الإطلاق، لأن الجوائز غالبا ما تحتكم إلى معايير غير إبداعية وغير موضوعية لذلك نجد في بعض الأحيان أن الأعمال الرديئة هي التي تفوز بالجوائز لا سيما في دول العالم الثالث التي مازالت تربط الجائزة والنجاح بصفة عامة بالحسابات المزاجية والعشائرية والجهوية والسياسوية، فضلا عن ذلك فإن الإبداع الإنساني الأدبي لا يتشكل من الأعمال الفائزة بالجوائز، إنما يتشكل من تلك النصوص التي تظل تشع ولو بصمت وبدون ضجيج في عصرها لنجدها تسطع أكثر في التاريخ وتبرز وتستمر.
كيف يكسب النقد الفعالية اللازمة لتحسين المشهد الإبداعي؟ وهل يكون النقد ذا فائدة في خلق التفاعل بين المبدع والناقد والمتلقي؟
لن يكتسب النقد فعالية في تحسين المشهد الإبداعي إلا إذا تحرّر من منطق المجاملة والمحاباة والتحامل واستهداف الاستنقاص لسبب أو لآخر، وبعبارة أخرى يكون النقد الأدبي فعالا عندما يتنزه عن الانتماء لغير الأدب والإبداع، ومن المؤكد أن الناقد يشكل حلقة أساسية تربط بين المتلقي والمبدع، باعتبار أن الناقد قارئ نموذجي ومن تم فإن قراءته ضرورية ومهمة لتقريب النص الأدبي للقارئ العادي الذي غالبا ما يكتفي بالمتعة السطحية، ولا يبدل جهدا كبيرا للحصول على المتعة العميقة، واكتشاف خباياها. وبالتالي أؤكد لك، إن للنقد دورا كبيرا في توطيد العلاقة بين النص والقارئ العادي وفي خلق تفاعل إيجابي بينهما والفضل الأكبر له في بعث الأعمال الأدبية وإخراجها من الركود إلى الحيوية ومن العدم إلى الوجود ومن الموت إلى الحياة.