طباعة هذه الصفحة

الوضـع تحت المراقبـة الإلكترونيـة في النظم العقابيـة الحديثـة

نحو أنسنـــة العقوبـة ( الحلـقـة 2)

بقلم/ الدكتور خالد حساني باحث في حقوق الإنسان والقانون الدولي عضو مخبر القانون الدستوري والحكم الراشد

إن تنفيذ نظام المراقبة الالكترونية يمكن أن يتعلق بالبالغين والأحداث ولكن على شرط أن يكون عمر الحدث بين 13 و18 سنة، وذلك بطبيعة الحال بعد موافقة ولي الحدث، كما أن نظام المراقبة الالكترونية يمكن أن يقرر على المحكومين الموضوعين تحت الرقابة القضائية، غير أن أغلب التشريعات التي تطبق هذا النظام تضع حدا أدنى لسن من يراد إخضاعه لنظام المراقبة الالكترونية. ويختلف الحد الأدنى للسن باختلاف التشريع العقابي، ففي انجلترا وويلز حدد المشرع ثمانية عشر عاما كحد أدنى لسن المحكوم عليه الذي يراد تطبيق هذا النظام عليه.

الشروط القانونية لتطبيق نظام المراقبة الالكترونية
يتضح من دراسة الأحكام التي تحكم نظام المراقبة الالكترونية في النظام العقابي الفرنسي، أن المشرع الفرنسي وضع مجموعة من الشروط القانونية يستوجب توافرهما حتى يتم تطبيق نظام الوضع تحت المراقبة الالكترونية، وهذه الشروط منها ما يتعلق بالأشخاص (أ)، ومنها ما يتعلق بالعقوبة (ب)، إضافة إلى الشروط المادية لتقرير الوضع تحت المراقبة الالكترونية (ج).
أ- الشروط المتعلقة بالأشخاص
إن تنفيذ نظام المراقبة الالكترونية يمكن أن يتعلق بالبالغين والأحداث ولكن على شرط أن يكون عمر الحدث بين 13 و18 سنة، وذلك بطبيعة الحال بعد موافقة ولي الحدث، كما أن نظام المراقبة الالكترونية يمكن أن يقرر على المحكومين الموضوعين تحت الرقابة القضائية، غير أن أغلب التشريعات التي تطبق هذا النظام تضع حدا أدنى لسن من يراد إخضاعه لنظام المراقبة الالكترونية. ويختلف الحد الأدنى للسن باختلاف التشريع العقابي، ففي انجلترا وويلز حدد المشرع ثمانية عشر عاما كحد أدنى لسن المحكوم عليه الذي يراد تطبيق هذا النظام عليه.
أما المشرع الاسكتلندي فقد حدد في Section 5 من
 Crime and punishment Act الصادر في عام 1997، الحــــد الأدنى لسن من يراد إخضاعه لنظام الـــمــــراقبـــة الالكترونية بستة عشر عاما.
يسري نظام المراقبة الالكترونية في فرنسا على البالغين والأحداث حيث نصت المادة 13 من القانون رقم 97/1159 الصادر بتاريخ 19 ديسمبر 1997 على أن تضاف المادة 30/8 للقانون رقم 45/174 الصادر في 2 فيفري 1945 والخاص بالأطفال الجانحين، وتنص هذه المادة على سريان المواد من 723-7 إلى 723- 13 من قانون الإجراءات الجزائية والخاصة بالخضوع للمراقبة الالكترونية على الأحداث.
إضافة إلى ذلك فان الرجوع إلى نص المادة 723/7 من القانون 97/1159، والقانون 2000/516 المؤرخ في 15 جوان 2000، والقانون 2002/ 1138 المؤرخ في 09 سبتمبر 2002، يؤكد لنا أنه في حالة ما إذا كانت العقوبة تقل عن مدة سنة يجوز لقاصي تطبيق العقوبات بطلب من النيابة العامة، وكذا المحكوم عليه تطبيق نظام الوضع تحت المراقبة الالكترونية، بمعنى أنه لا يجوز تطبيق هذا النظام إلا بموافقة المحكوم عليه في جلسة وجاهية يحضرها هذا الأخير وتعقد في غرفة المذاكرة بحضور المحامي، أما بالنسبة للحدث فيجب الحصول على موافقة الولي أو من له السلطة الأبوية على الحدث.
ومع ذلك فان بعض التشريعات تمنع تطبيق نظام المراقبة الالكترونية على فئات معينة من الأشخاص المحكوم عليهم، حيث تنص المادة 34/ أ من قانون العدالة الجنائية في انجلترا وويلز الصادر عام 1991 على عدم ملائمة الفئات التالية من السجناء المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة –والتي لا تزيد مدتها على أربع سنوات- لتطبيق نظام الحبس المنزلي عليهم- وهم:
المحكوم عليهم بعقوبة لاقترافهم جرائم العنف والجنس، والمطبقة عليهم نص المادة 58 من قانون
Crime and punishment Act.
العائدون لدرب الجريمة من المحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية خلال فترة تطبيق نظام الإفراج الشرطي عليهم، المطبق عليه القواعد المنصوص عليها في المادة الأولى من قانون السجون الصادر في عام 1995.
المحكوم عليهم بعقوبة –والخاضعون لأحكام نص الفقرة الأولى “د” من المادة الثالثة والفقرة الثانية “د” من المادة الرابعة من قانون العدالة الجنائية- لمخالفتهم للقواعد والشروط والالتزامات المفروضة عليهم بمقتضى نظام الحبس المنزلي.
المحكوم عليهم الخاضعون لأمر قضائي بالعلاج الطبي بمقتضى نصوص المواد (37 و45 و47/ أ) من قانون الصحة العقلية الصادر في عام 1983.
المحكوم عليهم الذين تم استدعاؤهم لعدم التزامهم بالشروط والقواعد والالتزامات المفروضة عليهم بمقتضى نظام الحبس المنزلي طبقا لنص المادة 38 A (1) a من قانون العدالة الجنائية الصادر في عام 1991.
المحكوم عليهم الذين تتزايد احتمالات مغادرتهم للبلاد، والمطبق عليهم نص المادة 42 من قانون العدالة الجنائية الصادر في عام 1991.
المفرج عنهم بمقتضى نظام الحبس المنزلي، والذين ينطبق عليهم نص المادة 46 من قانون العدالة الجنائية الصادر في عام 1991، وتم إعادتهم للسجن مرة أخرى بمقتضى نص الفقرتين (1 و2) من المادة 39 من القانون نفسه.
السجناء الذين تم إيداعهم في السجن مرة أخرى، بمقتضى نص المادة (40) من قانون العدالة الجنائية الصادر في عام 1991، لارتكابهم جرائم جديدة قبل نهاية الفترة الأولى من الحكم.
السجناء الذين لم ينتهوا من تنفيذ الفترة الأساسية للحكم إلى أن يتبقى على مضي نصف مدة الحكم مدة تقل عن 14 يوما.
السجناء الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما وفي حال بلوغهم لهذه السن خلال فترة العقوبة يصيرون مؤهلين لتطبيق هذا النظام عليهم إذا ما كانوا قد أمضوا الفترة الأساسية من الحكم السابق الإشارة إليها.
السجناء الذين يكتمل تنفيذهم للفترة الأساسية للحكم في اليوم الذي يفترض أن يبدأ فيه تطبيق نظام الحبس المنزلي عليهم.
يضاف إلى ما سبق فان المحكوم عليهم لاقترافهم جرائم جنسية والمطبق عليهم نص الفقرة الأولى من قانون الجرائم الجنسية Sex offenders Act الصادر في عام 1997، لا يجوز تطبيق نظام الحبس المنزلي عليهم.
هذا ونشير إلى أن نظام المراقبة الالكترونية يمكن تطبيقه على الرجال والنساء، كما يمكن أن يشمل المحكومين والأشخاص الموضوعين تحت المراقبة القضائية، أي المتهمين، إلا أنه وجهت انتقادات كبيرة لإخضاع المتهمين للوضع تحت المراقبة الالكترونية، وذلك لأنه قد يشكل تكليفا إضافيا على الأشخاص الموضوعين تحت التجربة من جهة، كما قد لا يتمكن هذا الوضع من تلبية الحاجات والمتطلبات المتعلقة بالأمن العام، والحيلولة دون اتصال المتهم مع غيره، ضرورات حماية الأدلة، الشهود والمجني عليهم إضافة إلى حماية المتهم نفسه من جهة أخرى.
ب- الشروط المتعلقة بالعقوبة
يشترط لتطبيق نظام المراقبة الالكترونية شرط أساسي يتمثل في أن تكون العقوبة سالبة للحرية، ومن ثم لا مجال لتطبيق المراقبة الالكترونية على العقوبات الأخرى كالغرامة، كما يمكن تقرير الوضع تحت المراقبة الالكترونية سواء بالنسبة للمتهمين أو بالنسبة للمحكوم عليهم؛ فبالنسبة للمتهمين يمكن تقرير الوضع تحت المراقبة الالكترونية ضمن إخضاع المتهم للرقابة القضائية (المادة رقم 57-10 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي)، أما بالنسبة للمحكوم عليه فان إمكانية إخضاعه للوضع تحت المراقبة الالكترونية يتعلق فقط بشرط مدة العقوبة السالبة للحرية أو في مجموع مددها أو في ما تبقى منها، وفي هذا الإطار يجب التمييز بين فرض المراقبة الالكترونية كعقوبة في حد ذاتها أو في نهاية مدة تنفيذ العقوبة؛ حيث يمكن فرض المراقبة الالكترونية كعقوبة بحد ذاتها بالنسبة للمحكوم عليه من طرف المحكمة بشرط أن تكون مدة العقوبة السالبة للحرية تساوي أو أقل من سنتين، وسنة واحدة أو أقل في حالة العود.
أما فيما يتعلق بتطبيق نظام الوضع تحت المراقبة الالكترونية في نهاية مدة تنفيذ العقوبة بالنسبة للأشخاص المحكومين بعقوبة سالبة للحرية، شريطة أن تكون المدة المتبقية تساوي أو أقل من سنتين.
كما يمكن تطبيق الوضع تحت المراقبة الالكترونية على المحكوم عليه الخاضع للإفراج الشرطي، فتكون المراقبة الالكترونية أحد الالتزامات المفروضة عليه ضمن إطار الإفراج المشروط، بشرط أن لا تتجاوز مدة الخضوع سنة واحدة.
وبالنسبة للجهات التي يمكن لها أن تقرر الوضع تحت المراقبة الالكترونية فإنها تختلف باختلاف التشريعات، ففي انجلترا وويلز يصدر القرار بالإفراج عن السجناء وخضوعهم لهذا النظام من مأمور السجن، بناء على توصية اللجنة القائمة على إجراء اختبارات الخطورة ويطلق عليها
Prison and Probation staff.
أما في فرنسا فطبقا لنص المادة 723/7 من قانون الإجراءات الجزائية، المضافة بموجب المادة الثانية من قانون 19 ديسمبر 1997، في فقرتها الأولى، فانه يجوز لقاضي تطبيق العقوبات بمبادرة منه، أو بناء على طلب من النائب العام أو المحكوم عليه أن يخضع هذا الأخير لنظام المراقبة الالكترونية إذا كان قد حكم عليه بعقوبة سالبة للحرية أو بمجموعة من العقوبات السالبة للحرية لمدة لا تتجاوز عاما، بينما نص المشرع الفرنسي في الفقرة الثانية من هذه المادة على جواز تطبيق المراقبة الالكترونية وفقا للطريقة المنصوص عليها في الفقرة السابقة على سبيل الاختبار في الإفراج الشرطي لمدة لا تجاوز عاما. وعليه فان المراقبة الالكترونية تحل محل عقوبة سالبة للحرية، فهي لا تحل محل عقوبات أخرى كالغرامة أو العمل لأجل المنفعة العامة، وبالتالي لا تحل محل بدائل العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة، وإنما نص عليها المشرع الفرنسي لتضيف بديلا جديدا لهذه العقوبات.
بناء على ذلك، يمكن لنا القول أن أسلوب المراقبة الالكترونية يعد إمكانية جديدة ممنوحة لقاضي تنفيذ العقوبة في القانون الفرنسي، حيث يملك هذا الأخير صلاحيات واسعة بهذا الشأن، سواء من حيث فرض الأمكنة أو الأوقات التي يتوجب على المحكوم عليه الالتزام بها أثناء تنفيذ العقوبة، أو من حيث تعديل شروط تنفيذ المراقبة، كما له أيضا إمكانية سحب هذه العقوبة إذا ثبت مخالفة المحكوم عليه للشروط وللالتزامات المفروضة عليه.
ج- شروط التطبيق المادية
يشترط لتطبيق نظام الوضع تحت المراقبة الالكترونية توافر بعض الشروط المادية وفق ما أكدته في المادة 732-8 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي المعدلة بموجب القانون رقم 2004-204، حيث يجب استخدام جميع الوسائل التقنية بشكل يضمن احترام كرامة الشخص وخصوصيته وحياته الخاصة، وتتمثل هذه الشروط فيمايلي:
- وجود مكان إقامة ثابت أو إيجار مستقر.
- وجود خط هاتفي ثابت.
- شهادة طبية تؤكد أن حالة الشخص الصحية تتوافق مع وضع السوار الالكتروني.
- الحصول على موافقة مالك العقار أو مؤجره، إذا كانت إقامة الشخص في غير منزله.
بعد النظر في مدى توافر هذه العناصر، يتم التأكد أيضا من توافر الأجهزة والأدوات التقنية، والتحقق من الوضع العائلي والاجتماعي للمحكوم عليه، من خلال تحقيق تقوم به “إدارة المساعدة على الاندماج الاجتماعي والاختبار”، وذلك طبقا للمادة 57-13 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي.
يتمثل الهدف من التحقيق الأولي الذي تجريه هذه الأخيرة –أي إدارة المساعدة على الاندماج الاجتماعي والاختبار- في ضمان توفيق قرار الوضع تحت المراقبة الالكترونية مع الحالة الفردية والشخصية لكل محكوم، فتحدد أوقات الحضور حسب المعطيات المهنية والعائلية للمحكوم عليه، كما يهدف التحقيق الأولي إلى التأكد من أن الشخص المقترح وضعه تحت المراقبة الالكترونية يعيش في بيئة مناسبة وملائمة لتطبيق هذا النظام بالشكل الصحيح.

يتبع